لقد شهد العالم في السنوات الأخيرة المزيد من النزاعات مثل ما يحدث في سورية و نيجيريا واليمن. ما الذي يفسر هذه النزاعات و ما هي الأسباب الجذرية للعنف الأهلي المستمر وتبعاته ؟
يقرر مؤلفو الفصل المعني بالنزاع و الأمن الغذائي في تقرير السياسات الغذائية العالمية لسنة 2014-2015 أنه ، إضافة إلى العناصر المعروفة المحفزة للنزاعات مثل أسعار الغذاء المرتفعة، والكوارث الطبيعية التي تؤدي إلى تفاقم النزاعات الأهلية القائمة قد تساهم في تأجيج نزاعات جديدة. وتؤدي الكوارث لذلك من خلال عدة طرق. ومن شأن الكوارث الطبيعية أن تزيد من التوترات الاجتماعية عن طريق تقويض عملية الحصول على المياه والأرض الزراعية ، من خلال تعميق عدم المساواة بين المجموعات المختلفة، و رفع أسعار الغذاء. يمكن أن تفاقم الحكومات من هذه المظالم من خلال استجابات غير كافية للكوارث أو توزيع موارد المعونة بشكل غير منصف.
يوضح شكل 1 أن أحداث النزاعات الأهلية العنيفة في إفريقيا كانت بوتيرة أعلى في البلدان التي تعرضت لكوارث مناخية و كوارث متصلة بالطقس. يرتبط إجمالي عدد المتضررين من هذه الكوارث في 2000- 2013 بإجمالي عدد النزاعات الأهلية العنيفة – وعدد الوفيات – في هذه الأحداث. إن البلدان العرضة بشكل خاص لكوارث مناخية و كوارث مرتبطة بالطقس وكذلك النزاعات الأهلية العنيفة تتضمن كثير من بلدان القرن الإفريقي ( إثيوبيا، كينيا، الصومال، جنوب السودان، والسودان)، إضافة إلى مالي، ونيجيريا و زمبابوي.
شكل 1: درجة تواتر أحداث النزاعات الأهلية العنيفة و حدة الكوارث المناخية و الكوارث المرتبطة بالطقس في إفريقيا، 2000-2014 المصدر: تقدير المؤلفين استنادا إلى البيانات المستمدة من مشروع بيانات أحداث ومواقع النزاعات المسلحة و كذلك قاعدة بيانات الكوارث الدولية ( حُدثت في 4 أكتوبر 2014).
ملحوظة : تشتمل الكوارث المناخية و الكوارث المرتبطة بالطقس على الجفاف، درجات الحرارة القصوى، الفيضانات، العواصف، حرائق الغابات، و تفشي و انتشار الحشرات.
تتضمن امثلة النزاعات التي تأججت بسبب الجفاف السودان و جنوب السودان، و الصومال، فضلا عن الحرب الدائرة في سورية. على وجه الخصوص، فقد اندلعت الحرب الأهلية في سورية بعد أن واجهت البلاد أحداث جفاف مدمرة في الفترة بين 2006 و 2010. في المجمل، تضرر ما بين 2 و 3 مليون شخصا بسبب الجفاف، وأصبح 800000 منهم عرضة للفقر الشديد. وعلاوة على قائمة من المظالم السياسية والاجتماعية والاقتصادية القائمة منذ فترة طويلة ، فإن عدم قدرة الحكومة على الاستجابة بصورة مناسبة للجفاف 2006- 2010 كان على الأرجح أحد العوامل التي أشعلت الاحتجاجات في مارس2011.
تمثل صدمات أسعار الغذاء أحد محددات وتبعات النزاع في الوقت ذاته. إن التصاعد الأخير في أحداث العنف في شمال شرق نيجيريا يوضح أن العنف يساهم في ارتفاع أسعار الغذاء بشكل فلكي و بالتالي انعدام الأمن الغذائي و التغذوي. لقد ارتفعت أسعار الغذاء في مناطق النزاع المتضررة بسبب النشاط السوقي المحدود والتدفقات التجارية المنخفضة. في الواقع، توجد علاقة وثيقة من المنظور التاريخي بين الزيادات الكبيرة في أسعار الغذاء وحدة النزاع الأهلي في نيجيريا ( شكل 3). يرتبط عدد الشهور المتعاقبة من أسعار الغذاء المرتفعة بشكل غير معتاد في الفترة من 2000 إلى 2013 بعدد أحداث النزاع الأهلي العنيفة وعدد الوفيات في هذه الأحداث.
شكل 3: الزيادات الكبيرة في أسعار الغذاء و حدة النزاع الأهلي في نيجيريا، 2000- 2013
المصدر: تقديرات المؤلفين استنادا إلى مؤشر أسعار المستهلك المتصل بالغذاء ، وبيانات النزاعات المستمدة من قسم الإحصاء بمنظمة الأغذية و الزراعة ، و مشروع بيانات أحداث ومواقع النزاعات المسلحة ( حُدثت في 27 سبتمبر 2014).
ملحوظة : إن الشهور المتصلة بأسعار الغذاء المرتفعة هي الأشهرالتي تكون فيها معدلات التضخم في أسعار الغذاء أعلى من المعتاد. إن الشذوذ في تضخم أسعار الغذاء يحتسب على امتداد الفترة 2000 – 2013 على النحو التالي: A=(〖dCPI〗_(y,m)-μ^dCPI)/σ^dCPI
من أجل معالجة الكوارث الطبيعية و صدمات أسعار الغذاء، يجب أن تدعم الحكومات سياسات شاملة للجميع لبناء القدرة على الصمود أمام الصدمات والاستجابات المستهدفة والفعالة فيما بعد الصدمات. على سبيل المثال، من شأن شبكات الأمان الاجتماعي الفعالة التي يمكن تفعيلها في أوقات الأزمات، مثل برنامج شبكة الأمان الإنتاجي (PSNP) في إثيوبيا أو برنامج شبكة الأمان الخاصة بالجوع ((HSNP) في كينيا، أن تساعد في حماية الفقراء من صدمات أسعار الغذاء. وتوضح الأمثلة من الهند، وكينيا، و زامبيا أن الاحتياطي العام للحبوب يمكن ، حال إدارته بطريقة فعالة، أن يساعد في الحماية من صدمات أسعار الغذاء العالمية ، وبخاصة للبلدان التي تعتمد بشدة على الواردات الغذائية. وعلى المدى الأطول، يجب أن تدعم الحكومات قطاعا زراعيا تنافسيا والتكامل التجاري.
من المهم توفير معلومات كافية لواضعي السياسات وأصحاب المصلحة، مثل المزارعين المحليين، فيما يتعلق بالنتائج المحتملة لتدخلات الحكومة والموارد المطلوبة لإنجاح ذلك. إن إدراكقدرة الحكومة على إيجاد الدعممن شأنه أن يساعد واضعي السياسات ومنفذي برامج التنمية على تصميم برامج لبناء القدرة على الصمود أمام أسعار الغذاء الآخذة في الارتفاع.