كيف أدار "الأردن" المخاطر التي تهدد قطاع الأمن الغذائي خلال الموجة الأولى من فيروس كوفيد - ١٩
١٣ أغسطس ٢٠٢٠
هادي فتح الله - مدير مجموعة شمال أفريقيا والشرق الأوسط وأسيا لشركة نامية جروب، كما ينهض بدور خبير استشاري في مجال السياسات لدى البنك الدولي، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية (الإيفاد)، ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو).ة
تم ترجمة هذه المدونة من اللغة الانجليزية إلى اللغة العربية، وهذا رابط المدونة الأصلية باللغة الانجليزية.ة
بالنظر إلى كافة التحديات الهيكلية الراهنة والناشئة التي يتعرض لها قطاع الزراعة والأغذية، تمكن الأردن من التخفيف من المخاطر الجديدة التي تهدد مجال الأمن الغذائي جراء التعرض إلى الصدمة الناجمة عن جائحة فيروس كورونا على سلاسل القيم الزراعية والغذائية وعلى قطاع الاقتصاد بشكل عام. وقد نجح الأردن في بلوغ هذا الوضع عن طريق انتهاج سياسات فعالة، واعتماد المنظومة الرقمية (الرقمنة)، وإدارة سلاسل الإمدادات. وبالرغم من ذلك، تحقق هذا الانجاز على حساب القدرة على الصمود والتعافي من المنظور الاقتصادي في المستقبل. ومع تلاشي جائحة كوفيد – ١٩، تتعدد المخاطر التي تحدق بمجال الأمن الغذائي والتي ينبغي مراعاتها.ة
وبالمقارنة مع البلدان المجاورة على الصعيد الإقليمي، من قبيل العراق والمملكة العربية السعودية ومصر، أجاد الأردن التعامل مع الموجة الأولى من جائحة كوفيد – ١٩، حيث نجح في اجتناب وقوع أزمة صحية وتلافي تكبد خسائر بشرية فادحة جراء استشراء الجائحة. واتخذت الحكومة الأردنية خطوات مبكرة خلال منتصف شهر مارس (آذار) بهدف تقييد نطاق التنقل بين السكان البالغ عددهم اثني عشر (١٢) مليون نسمة، مع إحكام إغلاق الحدود، وفرض حالة الطوارئ، وتطبيق حظر التجول. وبصرف النظر عن الصدمة الأولى التي أصابت سلسلة الإمدادات الزراعية جراء فرض تدابير حظر التجول (حيث تعرض المزارعون والمزارعات إلى تحديات جراء تعذر الوصول إلى الأراضي، وصعوبة نقل المحاصيل الزراعية، وما إلى ذلك)، بذلت الحكومة جهود حثيثة بهدف ضمان توفير مواد غذائية كافية على المدى القصير وتيسير إتاحتها عبر سلاسل إمدادات غذائية تتميز بجودة الأداء. وتسنى تحقيق هذا الإنجاز عن طريق إضفاء الطابع الرقمي على نُظم مدفوعات التحويلات المالية وتوفير الخدمات الحكومية الأساسية، من قبيل استصدار التراخيص والتصاريح الحكومية عبر النُظم الرقمية.ة
وبالرغم من ذلك، وعلى النقيض من البلدان المجاورة، لا ينعم الأردن بقدر كافٍ من الثروات الطبيعية والموارد الزراعية كما يرزح تحت وطأة ضغوط اقتصادية ثقيلة، بما في ذلك القطاع الزراعي. وبالرغم من ذلك، استفاد الأردن من أزمة الأمن الغذائي التي اندلعت على الصعيد العالمي خلال الفترة ما بين عام ٢٠١١ وعام ٢٠١٢، حيث سعى إلى تطوير مخزون القمح الاستراتيجي، والذي يُقدر بنحو تسعمائة وستين ألف (٩٦٠٠٠٠) طن، بما يتيح إمكانية تلبية المتطلبات الاستهلاكية على مدى أثني عشر (١٢) شهراً. ويبلغ المخزون الاستراتيجي المقرر من قبل الحكومة بالنسبة إلى محصولي الأرز والذرة حوالي سبعة آلاف (٧٠٠٠) طن وخمس وعشرين ألف (٢٥٠٠٠) طن على التوالي، وهو ما يكفي لتغطية المتطلبات الاستهلاكية على مدار شهر واحد. وإلى جانب إقرار ضوابط على الأسعار، كفلت الحكومة إتاحة المواد الغذائية للجميع، حيث رصدت مؤشرات أسعار استهلاك المواد الغذائية زيادات طفيفة في استهلاك بعض المواد الغذائية، بما في ذلك الخضروات والبقوليات واللحوم خلال فترة الإغلاق. واستقر وضع الأمن الغذائي على نطاق واسع بين الأسر الأردنية التي تعاني الهشاشة وقابلية التضرر، مع إحراز نسبة خمسة عشر في المائة (١٥٪) من الأسر المعيشية درجات متواضعة أو درجات حدية وفق مؤشر الاستهلاك الغذائي خلال الأشهر الخمس الأولى من عام ٢٠٢٠ مقارنة بنسبة ستة عشر في المائة (١٦٪) خلال الفترة ذاتها من عام ٢٠١٩.ة
ومع ذلك، وفي سبيل الحفاظ على وضع الأمن الغذائي عند المستوى الراهن، انطوى الوضع على بعض التنازل في المقابل. ووفق صندوق النقد الدولي، يشهد الأردن اتساع نطاق العجز التجاري حيث من المتوقع أن تبلغ حصيلة الصادرات ثلاثة عشر (١٣) مليار دولار في عام ٢٠٢٠، لتتراجع بذلك عن ستة عشر وثلاثة من عشرة (١٦,٣) مليار دولار في عام ٢٠١٩. وبينما تُشير التقديرات إلى انخفاض حصيلة الواردات بمعدل طفيف لتصل إلى عشرين (٢٠) مليار دولار، لتتراجع بذلك عن اثنين وعشرين (٢٢) مليار دولار في عام ٢٠١٩ (جراء هبوط سعر النفط)، من المتوقع أن تبلغ الاحتياطات الرسمية الإجمالية في عام ٢٠٢٠ ستة عشر (١٦) مليار دولار، وهو ما يكفي لتغطية حصيلة الواردات على مدى تسعة (٩) أشهر. وبالرغم من ذلك، وحسب البيانات الصادرة عن "البنك الدولي"، وبناء على الميزانية المالية والميزانية العمومية للبنك المركزي، ودون احتساب عجز الحساب الجاري البالغ اثنين وخمسة من عشرة (٢,٥) مليار دولار، ومع إضافة الاحتياطات غير السائلة والتي تُقدر قيمتها بحوالي اثنين (٢) مليار دولار وأيضاً ديون الحكومة المركزية المستحقة في عام ٢٠٢٠ – والتي تُقدر بنحو عشرة وسبعة وعشرين من مائة في المائة (١٠,٢٧٪) من الناتج المحلي الإجمالي (نحو أربعة وثمانية من عشرة (٤,٨) مليار دولار) – من المتوقع أن تنحسر الاحتياطات السائلة الرسمية الصافية على نطاق واسع عن هذه القيمة. ووفق البيانات الصادرة عن صندوق النقد الدولي، مع تقلص التحويلات المالية بدورها – والتي بلغت ذروتها عند قيمة ستة وثلاثة من عشرة (٦,٣) مليار دولار في عام ٢٠١٤، لتتراجع إلى ثلاثة وثلاثة من عشرة (٣,٣) مليار دولار في عام ٢٠١٩، كما من المتوقع أن تواصل الهبوط إلى اثنين وسبعة من عشرة (٢,٧) مليار دولار في عام ٢٠٢٠ – فضلاً عن القطاع الخاص المُثقل بالديون (حيث بلغ الائتمان المحلي الموجه نحو القطاع الخاص نسبة سبعة وسبعين وأربعة وثلاثين في المائة (٧٧,٣٤٪) من الناتج المحلي الإجمالي في عام ٢٠١٩)، ومع تقييد أيدي الحكومة بالدين الإجمالي العام بنسبة خمسمائة وستة وسبعين وأربعة وأربعين من مائة في المائة (٥٧٦,٤٤٪) من متوسط الإيرادات الضريبية في عام ٢٠١٩، تلوح في الأفق ضائقة مالية، بما يتوعد بتقويض قدرة الأردن على الصمود والتعافي على الصعيدين الاقتصادي والغذائي في المستقبل.ة
ونظراً إلى محدودية الحيز المالي (عجز الميزانية) وضيق المجال النقدي (تراجع الاحتياطي الأجنبي وتثبيت أسعار العملات) جراء التعرض إلى ضغوط مالية واقتصادية، يتزايد خطر التعرض إلى ضائقة مالية تؤثر على قدرة الأردن على الحفاظ على معدلات الواردات الغذائية على غرار السنوات السابقة. ويتعين على الحكومة، جنباً إلى جنب مع البنك المركزي الأردني، توجيه أولويات الموارد المالية النقدية نحو القطاع الغذائي مع تخصيص اعتمادات طارئة نقدية باعتبارها الملاذ الأخير عند الضرورة القصوى في سياق الأزمات ممتدة الأجل وفي حالة تناقص أية منح وقروض متوقعة ومقررة.ة
وبينما تحرص الحكومة على مراقبة الأسعار المحلية ورصد المخزون السلعي في الأسواق المحلية بما يدعم اتخاذ قرارات بشأن الصادرات، من الضروري الموازنة بين استقرار الأسعار، وإدارة التوقعات الجماهيرية العامة المتعلقة بالأمن الغذائي، وتشجيع الصادرات بهدف تأمين احتياطات العملات الأجنبية. وعلى الرغم من إعطاء الأولوية إلى مسألة الحفاظ على الصادرات الغذائية الأردنية وقيمتها مليار دولار ومواصلة توسيع نطاقها، لا ينبغي أن يتأتى ذلك على حساب الأمن الغذائي المحلي.ة
وسعياً إلى مواصلة التقدم للأمام، ينبغي تقييم التأثير الشامل الناجم عن جائحة كوفيد – ١٩ على الإمدادات الغذائية في الأردن، ولاسيما فيما يتعلق بمواسم الزراعة خلال الفترة من عام ٢٠٢١ إلى عام ٢٠٢٢. وبينما يجري بالفعل تحديد بعض التدخلات الطارئة، فإن التعافي الكامل يقتضي إجراء المزيد من التحليل المتعمق الذي يتناول القضايا والفرص ومواطن الضعف القائمة في منظومة الإمدادات الغذائية في الأردن عبر قطاع خاص ديناميكي يتميز بالحيوية وقطاع عام داعم وشبكة اجتماعية فعالة بما يكفل "عدم إقصاء أحد عن الركب".ة
لا تعبر وجهات النظر الواردة في هذا المقال بالضرورة عن تلك التي تعتمدها المؤسسات التي يعمل بها أو ينتمي إليها الكاتب.ة