لقد أتت سلسلة الاضطرابات في المنطقة العربية في الثلاث سنوات السابقة تتويجا لعوامل عدة، غير إنه من الصعب تجاهل بعض الحقائق الموجعة حول وضع الأمن الغذائي والبطالة في المنطقة - مما قد يوحي حتى بأزمة تغلي على نار هادئة لبعض الوقت. إن منطقة الشرق الوسط وشمال إفريقيا لديها واحدة من أعلى معدلات البطالة في العالم، حيث يبلغ معدل البطالة بين الشباب نسبة 80% أعلى من المتوسط العالمي. ووفق بيانات الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) ، فإن معدل البطالة الحالي في الفئة العمرية 18-29 تتراوح بين 18% في المغرب و 24% في مصر، وصولا إلى معدلات تنذر بالخطر 48% في سورية و 53% في اليمن. علاوة على ذلك، إن أغلب بلدان المنطقة تواجه خطرا داهما فيما يتصل بانعدام الأمن الغذائي، باستثناء الدول الغنية بالنفط التي تشكل أقل من 10% من إجمالي سكان المنطقة. إن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي أكبر مستورد للغذاء في العالم؛ في عام 2010 ، قامت المنطقة باستيراد 65.8 مليون طن من الحبوب مقارنة بما استوردته آسيا 58.8 مليون طن ، رغم الفرق الكبير في أعداد السكان. ويمثل القمح جزءا كبيرا من هذه الواردات – وهو النظام الغذائي الأساسي في معظم الدول العربية. إن أعمال الشغب بمصر والمغرب واليمن في عام 2008 – في أعقاب الارتفاع الرهيب في أسعار القمح خلال أزمة الغذاء العالمية- لتذكرة أنه في المواقف التي تتوافر بها بالفعل مظالم أخرى ، مثل معدلات البطالة المرتفعة، فإن انعدام الأمن الغذائي من العناصر المعروفة التي تفجر الصراع الإنساني.
من خلال سنوات البحث مع الشركاء الوطنيين حول نظم الإنتاج في الأراضي الجافة الشائعة في المنطقة، خلص المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة إلى أن الزيادة المستمرة في إنتاجية الغذاء – حتى في ظل الموارد الطبيعية الشحيحة بالمنطقة – ليست فقط من الأمور القابلة للتحقيق، ولكن أيضا من المرجح أن يؤدي هذا لتحول في الأمن الغذائي. في الدول العربية، فإن غلة المحاصيل الزراعية الفعلية هي دون إمكانات المنطقة بكثير - وتلك فجوة تقدم فرصة كبيرة لدعم الاكتفاء الذاتي في المنطقة، كما اتضح في سورية. فقد تمكنت سورية من التحول من وضع استيراد القمح إلى تصديره من خلال مزيج من أصناف قمح مُحسنة مع إدارة مياه معززة ، ومدخلات في الوقت المناسب، وسياسات مناسبة. ولقد أظهر مشروع آخر يهدف إلى تدعيم الأمن الغذائي في المنطقة بدعم من :الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، وبنك التنمية الإسلامي، أظهر متوسط زيادة في القمح يتراوح بين 25 % إلى 75% في ثلاثة أعوام في سبعة بلدان عربية.
إن المياه أحد النقاط الحرجة الأخرى المُفجرة للصراع في المنطقة العربية- وهي أكثر الموارد الطبيعية المطلوبة في المناطق الجافة. في منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا، يستهلك الري 80-90% من كل المياه العذبة المستخدمة. في ظل تغير المناخ والضغوط السكانية المتزايدة في المنطقة تزداد معدلات استخراج المياه وتقل مستويات المياه الجوفية بشكل كبير. وفي حين أن المتوسط العالمي لتوافر المياه للفرد يبلغ 8900 متر مكعب، فإنه لا يتجاوز 1100 متر مكعب في المنطقة العربية، و من المقدر أن ينخفض بدرجة أكبر ليصل إلى 550 متر مكعب بحلول عام 2050- و هذا سيناريو كارثي لتأمين حياة أعداد السكان المتنامية في المنطقة. إن استخدام التكنولوجيا جنبا لجنب مع تدخلات السياسات و التدخلات المؤسساتية يمكن أن يحول هذا لاتجاه إيجابي عن طريق تحسين إنتاجية المياه في الزراعة. إن التدخلات مثل التحول إلى زراعة الأحواض المرتفعة، و تعديل أنماط زراعة المحاصيل، واستخدام الري التكميلي في المناطق المروية بمياه المطر و مستجمعات المياه الكلية و الجزئية في مناطق بمعدلات هطول أمطار منخفضة قد أظهرت مكاسبا كبيرة في إنتاجية المياه – على المستوى الحقلي و مستوى الأحواض.
يجب أن يلتفت إلى الأسباب الرئيسية وراء أحداث مثل الاضطرابات في بعض الدول العربية و أزمة الغذاء العالمية في 2008 حتى يمكن الحد من هذه المخاطر في المستقبل وتأمين المستوى المعيشي للفئات المستضعفة. لقد أثار ارتفاع أسعار السلع و نقص الإمدادات الغذائية خلال أزمة الغذاء العالمية المخاوف الجادة بشأن الأمن الغذائي عبر كافة الدول العربية. ولقد وضعت الحكومات الاستثمار في مجال الزراعة ضمن أولوياتها الوطنية الأولى في محاولة لتعزيز الاكتفاء الذاتي الغذائي. فيما مضي، تمثل الاستثمار في التنمية الزراعية في صندوق عربي واحد وهو الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية. في الوقت الراهن، توجد جهات عربية أخرى ، مثل بنك التنمية الإسلامي والصندوق الكويتي ، تستثمر للمرة الأولى في مجال الزراعة و الأمن الغذائي – وهذه تنمية واعدة. غير أن الأمر يستلزم المزيد من تضافر الجهود.
الأمر يستلزم وجود استراتيجية إقليمية طويلة الأجل و متعددة القطاعات لمجابهة التحديات المعقدة التي تواجه المنطقة العربية – الإنتاجية المنخفضة، والموارد الطبيعية الشحيحة، والتي من المتوقع أن تتدهور بشكل أكبر مع تغير المناخ، والطلب المتزايد بسرعة على الغذاء. إن مثل هذا الاستثمار يفتح المجال أمام إنعاش المجتمعات الريفية في المنطقة من خلال قوة مطلوبة للغاية تؤدي إلى إحداث الاستقرار- الأمن الغذائي للجميع، مستويات معيشية مُحسنة في المناطق الريفية، و شباب يحصل على فرص تشغيل من خلال قطاع زراعي مزدهر.