إن العبء ثلاثي الأبعاد لسوء التغذية – تعايش انعدام الأمن الغذائي، ونقص التغذية ، وزيادة الوزن و السمنة – يمثل تحديا متناميا في منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا. وكما أوضح بحث أخير للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، فإن انعدام الأمن الغذائي هو المحرك الأساسي للصراعات في المنطقة. من ثم، فإن معالجة العبء الثلاثي لسوء التغذية ضروري لمنع وبناء القدرة على الصمود في وجه الصراعات، وتحسين الأمن الغذائي والتغذية، ودعم التنمية الاقتصادية الكلية.
على النقيض من مناطق أخرى في العالم، فإن عدد من يعانون من نقص التغذية قد ارتفع في منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا من 16 مليون في 1990-1992 إلى 33 مليون في الوقت الراهن. إن معدلات نقص المغذيات الدقيقة مرتفعة بدرجة كبيرة في العراق، عُمان، السودان واليمن حيث ينتشر فقر الدم بين الأطفال بنسبة تتجاوز 50 في المائة. كما ينتشر نقص اليود بالمثل، مما يؤثر على أكثر من 60 في المائة من الأطفال في الجزائر، المغرب، تركيا و السودان. أما معدلات تقزم الأطفال في مصر، و العراق، وسورية، والسودان، واليمن ، فتتجاوز المتوسط الإقليمي حيث تتراوح بين 28 و 58 في المائة.
إن زيادة الوزن و السمنة منتشرة أيضا على نطاق واسع في المنطقة. اعتبارا من عام 2013، فإن معدل انتشار زيادة الوزن و السمنة بين الرجال و النساء قد تجاوز 50 في المائة تقريبا في كل البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
إن العبء الثلاثي لسوء التغذية يؤدي إلي خسائر اجتماعية و اقتصادية كبيرة. ولسوء التغذية تأثير ضار على صحة الإنسان – السمنة، على سبيل المثال، تزيد من مخاطر الأمراض مثل داء السكري، وضغط الدم المرتفع، و أمراض القلب. في 2013، فإن ما يفوق 350 ألف حالة وفاة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعزى إلى داء السكري، وأكثر من نصف العدد لأفراد دون الخمسين من العمر.
إن الخسائر الإنتاجية وتكاليف الرعاية الصحية المباشرة الناجمة عن العبء الثلاثي لسوء التغذية تؤدي أيضا إلى آثار عكسية على الاقتصاد ككل. إن بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد انفقت ما يقرب من 7 في المائة من إجمالي الناتجالمحلي على تكاليف الرعاية الصحية في عام 2009. في مصر، فإن نقص التغذية بين الأطفال فقط يخفض إجمالي الناتج المحلى على الصعيد الوطني بحوالي 2 في المائة أو 7.3 مليار دولارا أمريكيا في السنة.
مع التعرض بشكل كبير لانعدام الأمن الغذائي والصراع، فإن بلدان منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا يجب أن تضع كأولوية قصوى إصلاح السياسات والممارسات غير الفعالة والتي تضيف لعبء سوء التغذية الثلاثي.
إن إصلاح دعم الغذاء و المحروقات، والذي وصل لمعدلات مرتفعة في كثير من دول المنطقة، مسألة مهمة. إن هذه الدعومات كثيرا ما تتصف باستهداف ضعيف للفئات المستحقة للدعم ، وتولد تكاليف مالية كبيرة وغير مستدامة، وتشوه الأسواق – مما يؤدي إلى عدم كفاءة الإنفاق العام. إن مصر وسورية، على سبيل المثال، تنفقان 20 في المائة من إجمالي الموارد العامة على دعم الغذاء و المحروقات- أكثر من ضعف الإنفاق على برامج الحماية الاجتماعية والصحة مجتمعين.
إن إعادة تحديد أولويات إنفاق الموارد المحدودة عن طريق الاستثمارات في مجال التغذية ذات العائد المرتفع والتي تزيد من توافر والحصول على الأغذية المغذية مسألة مطلوبة لزيادة الكفاءة و دعم الأمن الغذائي والتغذية.
إن إصلاح الدعم غير الفعال يوفر أيضا مدخرات يمكن أن تستخدم في زيادة شبكات الأمن الاجتماعي جيدة الاستهداف. إن هذه الشبكات مطلوبة لحماية الفقراء في وجه الصدمات المعيشية المتعددة، و بخاصة في منطقة عُرضة للصراع بسبب انعدام الأمن الغذائي. إن التحويلات النقدية المشروطة، أو القسائم، أو التحويلات العينية للغذاء و الصحة والتعليم ، على سبيل المثال، ضرورية لمساعدة الفقراء والمستضعفين. يمكن أيضا استخدام الموارد العامة المدخرة لدعم النمو الزراعي طويل الأجل الذي يركز على نتائج تغذوية أفضل.
بوصفها أكثر مناطق العالم اعتمادا على استيراد الغذاء، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مُعرضة بشكل كبير لصدمات و تقلبات أسعار الغذاء. أثناء أزمة أسعار الغذاء 2007-2008، طبقت كثير من البلدان في المنطقة تدابيرا قصيرة الأجل، مثل دعم وسياسات موسعة للمستهلكين وذلك لخفض أسعار الغذاء و الطاقة. إن هذه الاستجابات مكلفة وغير فعالة فيما يتصل بالأمن الغذائي و التغذية و النمو المستدام.
إن الاستراتيجيات طويلة الأجل التي تعالج الأزمات الغذائية و تعزز الأمن الغذائي والتغذية يجب أن تتضمن أيضا سياسات تجارية معززة، وتأسيس احتياطي إقليمي من الأغذية، و بنية تحتية وخدمات مُحسنة.
إضافة لذلك، إن كفاءة المياه المُحسنة مسألة مهمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حيث أنها من أكثر المناطق التي تعاني من شح في الموارد المائية في العالم. بالنسبة للدول ذات الإمكانات الزراعية، فيجب تسريع وتيرة الاستثمارات في التقنيات التي تنتج أكثر بتكلفة أقل. إن هذه مسألة مهمة على وجه الخصوص في وجه المنافسة المتزايدة على موارد المياه والتغير المناخي والتي من المتوقع أن تعمق من الإجهاد المائي المرتفع بالفعل.
و أخيرا، فإن بناء القدرة على الصمود أمام الصدمات المتعددة، وتعزيز الأمن الغذائي والتغذية، و دعم النمو الشامل للجميع في منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا سوف يتطلب مزيجا ذكيا و محدد السياق من استراتيجيات التنمية قصيرة و طويلة الأجل.
إن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية يواصل توسيع نطاق قاعدة البراهين المطلوبة لتطوير و تنفيذ مثل هذه الاستراتيجيات في منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا مع المشاركة أيضا في حوارات السياسات. غير أن المعهد لا يقوم بذلك بمفرده - فإن الشراكات المعززة مع أصحاب المصالح المختلفين قد قامت – ومازالت تقوم - بدور حيوي في هذا الشأن.
Photo Credit: Nasser Nuri / Reuters