التبعية.إن هذه الكلمة ( التبعية) يقصد بها المبدأ الذي يوزع مسؤوليات صنع القرار على الأفراد أو الجهات التي تتأثر في الأساس بهذه القرارات. إن القرارات “ ترتقي” فقط إلى المستوى المجتمعي ، أو المستوى الإقليمي، أو الوطني أو حتى العالمي الأكبر، إذا كان يصعب التعامل معها على المستوى الأقل من التجميع … ما أهمية ذلك بالنسبة للأمن الغذائي في المنطقة العربية؟ أهميته أن الموضوعات ذات الأولوية في انعدام الأمن الغذائي يمكن فقط معالجتها عن طريق منهج إقليمي
حتى قبل الانتفاضات والثورات العربية، تعالت أصوات إقليمية تطالب صراحة الدول العربية بإدراك أن العوامل الخارجية للصراعات القطرية وانعدام الأمن الغذائي قد تجمعت لتشكل مشكلات لا يمكن التعامل معها بشكل كافٍ على المستوى القطري. كما أوضحت تلك الأصوات أيضا أن مناقشة قضايا انعدام الأمن الغذائي من خلال مبادرات إقليمية قد يؤدي ، كتأثير غير مباشر، إلى الحد من التوترات و الأزمات التي تسبب الصراعات.
الآن، فإن المستويات غير المسبوقة من العنف والمعاناة، تستدعي مجددا التدخل على المستوى الإقليمي. إن ملايين النازحين، و اللاجئين، والشعوب المحتلة والمضطهدة في المنطقة تمثل أولوية مطلقة لتدخل طارئ في الأمن الغذائي. توجد علامات واضحة من “ الإجهاد” على المستوى العالمي فيما يتعلق بالمساعدة في التدخلات على المستويين المحلي والوطني ( اعتبارا من أيلول/ سبتمبر 2014، جمع فقط 40% من المبلغ المطلوب لمساعدة اللاجئين السوريين و مقداره 5.1 مليار دولار أمريكي ). يستلزم الأمر دعوة أخرى لجهود إقليمية لسد الفجوة – فهل ستستجيب المنطقة ؟
والدرس المستفاد من تقريبا كل الأزمات أنه ليس من السابق لأوانه مطلقا معالجة الأسباب الأساسية للطوارئ – طالما كان هذا لا يحيد عن التعامل مع التدخلات الطارئة على الأرض. مرة أخرى، حتى قبل الثورات الأخيرة، كانت إفريقيا والمنطقة العربية هما المنطقتان اللاتي حققتا تقدما محدودا فقط – أو أي تقدم – على جبهتي الجوع و سوء التغذية ( الهدف الإنمائي للألفية رقم 1). إن التقدم الحقيقي على المدى الطويل لتحسين المكونات الأربعة للأمن الغذائي ( الإتاحة، الحصول على أمن غذائي، الاستفادة والاستقرار) يقوم على تدخلات يمكن أن تحدث فقط على مستوٍ إقليمي. يتضمن هذا التعاون على نطاق المنطقة في مجالات تيسير التجارة في المنتجات الزراعية من خلال التدخلات الجمركية و غير الجمركية، وتيسير الاستثمارات الأجنبية المباشرة من داخل المنطقة لتصب في إنتاج زراعي مستدام و تصنيع المنتجات الغذائية ، البحوث و تبادل المعرفة فيما يفيد في إنتاج أغذية موفر للمياه إضافة إلى تقييم أثر الدعم الذي تطبقه بلدان المنطقة. و على نطاق أوسع، يتطلب الأمر تضافر الجهود لتوسيع نطاق ليس فقط العناصر المكملة للإمكانات الاقتصادية عبر بلدان المنطقة، ولكن أيضا العناصر الاجتماعية و الثقافية المكملة. وعن طريق هذه التدخلات المتكاملة بشكل وثيق فقط يمكن للمنطقة أن تحقق الالتزام المطلوب من أعلى لأسفل ومن أسفل لأعلى لتحقيق التكامل الاقتصادي والاجتماعي و الثقافي.
إن أولويات بلدان المنطقة واضحة: (1) تكثيف التدخلات الطارئة على الأرض من خلال الوكالات ( أغلبها وكالات الأمم المتحدة / وكالات عالمية) التي تقدم في الوقت الراهن المساعدة المباشرة في مجال الأمن الغذائي ؛ (2) دعم جامعة الدول العربية و هيئات إقليمية أخرى لوضع ألية فعالة و سريعة للتدخلات الطارئة؛ و (3) مراجعة سريعة لخطط الأمن الغذائي الإقليمية القائمة والخطط التنموية الأخرى وتحديد ( ربما ترتيب أولويات؟) تلك الإقليمية بالفعل التي عانت كثيرا من الناحية التاريخية. وأي كان المصطلح الفني لهذه الكلمة ( التبعية) فإن دلالاتها يمكن التعرف عليها بسرعة : التضامن بين البلدان التي لديها كلها ما تكسبه بشكل جماعي.