مع تقدير عدد من يعانون من الجوع المزمن في سائر أنحاء العالم في 2012- 2014 بعدد 85 مليون شخص، فإن انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية في العالم يظل مشكلة الجميع. إن جمع أصحاب المصالح للعمل سويا على الصعيدين الوطني والإقليمي يمكن أن يقدم فرصا لمنطقة الشرق الأدنى للمضي قدما في معركتها ضد الجوع.
وفقا لأحدث تقرير حول وضع انعدام الأمن الغذائي في العالم(١)، فإن منطقة الشرق الأدنى متأخرة في جهود الحد من الجوع: في 1990 – 1992، بلغ عدد من يعانون من نقص التغذية في غرب آسيا وشمال إفريقيا على التوالي 8 و 6 ملايين؛ في 2012-2014، ارتفع هذا العدد ليصل إلى 19 و 13 مليون. والأهم، فإن حصة من يعانون من نقص التغذية ارتفعت أيضا فيما بين هذه التواريخ، من 8.0 و 6.0 في المائة على التوالي في 1990-1992، إلى 3.2 و 6.1 في المائة في 2012-2014.
أن المعوقات التي تواجه دول الشرق الأدنى في الحد من انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية هي نتاج مجموعة معقدة من العوامل. إن توافر الأرض الصالحة للزراعة والمياه للفرد هي من أقل المعدلات في العالم ومن المتوقع أن يسوء الوضع مع النمو السكاني والتغير المناخي. إن بلدان الشرق الأدنى تعتمد بشكل كبير على الواردات الغذائية (٢) وكنتيجة لذلك، أصبحت أكثر عُرضة لزيادات في أسعار الغذاء العالمية وتقلبات الأسعار. ومما يزيد من هذه التحديات، إن منطقة الشرق الأدنى تعد من بين أكثر الدول عددا التي تواجه عدم الاستقرار السياسي و أزمات مطولة.
من الضروري الإقرار بوجود علاقة في اتجاهين بين الاستقرار السياسي والأمن الغذائي. في حين يشدد كثيرا على العلاقة بين أعمال الشغب المرتبطة بارتفاع أسعار المواد الغذائية وعدم الاستقرار السياسي، والتي أدت إلى ما يعرف “ بالربيع العربي” ، فإن التأثير العكسي لعدم الاستقرار السياسي على الأمن الغذائي للشعوب، على سبيل المثال في اليمن (٣)، السودان، العراق، الضفة الغربية و قطاع غزة، سورية (٤و جيرانها، لا يقل خطورة. لا يمكن أن يتحقق سلام دائم دون أمن غذائي و لا أمن غذائي مستدام دون سلام (٥ .
إن المعركة ضد الجوع لا يمكن أن تحسم من جانب طرف واحد فقط. إن عدد من يعانون من الجوع ، من نقص التغذية ومن سوء التغذية في المنطقة إضافة إلى تعقد العوامل المتراكمة ( الطبيعية و البشرية) يجعل من الاستراتيجي وخاصة لهذه الدول معالجة المسألة بشكل شامل و متكامل. أنني أثني على المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية والأمم المتحدة للمبادرة الممتازة المتصلة بهذه المدونة. إن هذه المدونة، والتي تستهدف صناع السياسات، والمحللين، والإعلام إضافة إلى مجموعة رحبة من أصحاب المصالح ، تتسق تماما مع منهج لجنة الأمن الغذائي العالمي، وهي أهم منصة عالمية تضم أصحاب مصالح متعددين وتناقش موضوعات متصلة بالأمن الغذائي و التغذية، وأود أن أعرب عن سعادتي أن الجلسة العامة الحادية والأربعين للجنة تستضيف إطلاق هذه المدونة.
منذ إصلاح اللجنة في عام 2009، فإن لجنة الأمن الغذائي العالمي، من خلال دعم مشترك من كافة وكالات الأمم المتحدة الثلاث في روما والدول الأعضاء بها، ومنظمات أخرى للأمم المتحدة، المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، شركات قطاع خاص، مؤسسات بحثية عالمية ومنظمات خيرية ، قامت بمجابهة هذا التحدي وتناقش بعضا من أهم موضوعات السياسات ذات الصلة بالمنطقة.
من خلال إقرار أن تعزيز الأمن الغذائي يدل على تدعيم الإنتاجية، عن طريق استثمار أكثر وأفضل، فإن أعضاء اللجنة والمشاركين فيها قد عملوا بجد لأكثر من عامين للتفاوض بشأن ” مبادئ الاستثمارات المسؤولة في النظم الزراعية و الغذائية”. وبمجرد اعتماد اللجنة بكامل هيئتها ، فإن هذه المبادئ ستصبح مرجعا لدعم الاستثمار في القطاع الزراعي و قطاع الأغذية بُغية تعزيز الأمن الغذائي و التغذية على الصعيد الوطني.
إن الشرق الأدنى على وجه الخصوص عُرضة للتغير المناخي والتقلبات السعرية. يمكن أن تقوم الحماية الاجتماعية بدور مهم في تحسين الأمن الغذائي و التغذية. فيما يتعلق بهذه الموضوعات الثلاثة، فلقد أعدت اللجنة بالفعل توصيات، بناءً على تقاريرمن فريق الخبراء الرفيع المستوى التابع لها. وسوف تناقش هذا العام فقدان و إهدار الغذاء وهو الموضوع الذي حدده مؤتمر منظمة الأغذية والزراعة الإقليمي للشرق الأدنى كقضية أساسية تناقش لتقليل الضغط على الموارد الطبيعية الشحيحة. وفي العام القادم، سوف تناقش اللجنة موضوع المياه والأمن الغذائي، وهو موضوع أساسي آخر مثير للاهتمام في المنطقة. إننسخة تقرير فريق الخبراء الرفيع المستوى التي ستساعد اللجنة في هذا الشأن قد عرضت حديثا للتشاور العام.
إن مناقشة العلاقة الأساسية بين القدرة على تحمل الصدمات والأمن الغذائي ، في الأزمات المطولة، تعد أولوية أخرى للجنة الأمن الغذائي العالمي. من خلال مسودة ” جدول الأعمال لمناقشة انعدام الأمن الغذائي في الأزمات المطولة” ، تسعى اللجنة لتناول الفجوة بين المساعدات الإنسانية والمساعدة التنموية ، وحث أصحاب المصالح على التعاون لزيادة القدرة على تحمل الصدمات المعيشية على المدى الطويل. إن هذه المسألة ذات أهمية بالغة لبلدان الشرق الأدنى، واتوقع مشاركة فعالة للغاية من الأطراف الفاعلة بالمنطقة في العام القادم.
إن لجنة الأمن الغذائي العالمي ، كما هو الحال مع الأمن الغذائي والتغذية، هي شأن الجميع. وهنا في روما، نبذل قصارى جهدنا لتنسيق السياسة العالمية، وإنشاء وعرض أدوات سياسات لدعم الحكومات و أصحاب المصالح في معركتهم ضد الجوع.
أنني على ثقة أن قراء هذه المدونة سوف تلهمهم الفرص المتاحة عن طريق التآزر و التعاون مع أصحاب المصالح الآخرين ، وشبكات مختلفة، على الصعيدين الوطني و الإقليمي؛ وآمل عن حق أن يشهد الشرق الأدنى في القريب قصص نجاح جديدة ليتقاسمها مع بقية العالم.
١. منظمة الأغذية و الزراعة( الفاو) ، الصندوق العالمي للتنمية الزراعية (إيفاد) و برنامج الغذاء العالمي . 2014. وضع انعدام الأمن الغذائي في العالم ، 2014. دعم البيئة الممكنة للأمن الغذائي و التغذية، روما، منظمة الأغذية و الزراعة.
٢. في 2006-2010، استوردت المنطقة 47% من الحبوب المطلوبة، 72% من الزيوت النباتية و 60% من السكر. ٣. أكثر من 44% من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي
٤. حيث يوجد 3.6 مليون شخصا معرضين للخطر بشكل كبير و في حاجة ماسة إلى مساعدة غذائية و زراعية متواصلة. صحيفة وقائع المؤتمر الإقليمي للشرق الأدنى ( المؤتمر الإقليمي للشرق الأدنى 32).
٥. انعدام الأمن الغذائي والصراع العنيف: الأسباب، الآثار، والتصدي للتحديات. هينك يان برينكمان وكولين S. هندريكس، برنامج الأغذية العالمي، يوليو 2011
Photo Credit: WFP / Rein Skullerud