هناك حاجة إلى إجراء جماعي لمجابهة تحديات الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأدنى و شمال إفريقيا. إن تقرير وضع انعدام الأمن الغذائي لعام 2014 و الذي صدر مؤخرا عن وكالات الأمم المتحدة الثلاث في روما يوضح أنه على النقيض من الاتجاه الإيجابي في الحد من الجوع العالمي فإن منطقة الشرق الأدنى و شمال إفريقيا قد شهدت زيادة في عدد من يعانون من نقص التغذية وكذلك زيادة معدلات انتشار نقص التغذية خلال العقد الماضي. إن المنطقة ككل لن تحقق الغاية 1- جيم من الأهداف الإنمائية للألفية الخاصة بتخفيض نسبة السكان الذين يعانون من الجوع إلى النصف بحلول 2015. في مؤتمر منظمة الأغذية و الزراعة الإقليمي الأخير لمنطقة الشرق الأدنى و شمال إفريقيا، أيد وزراء الزراعة في المنطقة ورقة إطارية شاملة حول الأمن الغذائي و التغذية تلقي بعض الضوء على تعقد تحدي الأمن الغذائي في المنطقة وتقترح خيارات للسياسات تبني على أحدث عمل بين منظمة الأغذية و الزراعة و الشركاء.
تمثل الصراعات وانعدام الأمن المدني القوى الدافعة الأساسية وراء التدهور الأخير لموقف الأمن الغذائي في المنطقة. “ إن الصراعات المسلحة هي عدو الأمن الغذائي” كما قررت قمة الغذاء العالمية منذ اثنتي عشرة عاما مضت. لقد أصبحت منطقة الشرق الأدنى و شمال إفريقيا أكثر المناطق تعرضا للصراعات في العالم. من ضمن الاثنتي و عشرين دولة التي تشكل جامعة الدول العربية، فقد شهدت على الأقل عشر دول أحد أشكال الصراع - حروب، اضطرابات مدنية، و إرهاب - خلال السنوات الأخيرة. إن الأزمة السورية قد أصبحت بالفعل أكبر أزمة إنسانية تواجه العالم، وما نجم عن ذلك من 5.6 مليون شخص من النازحين داخليا و 2.3 مليون لاجئ في الدول المجاورة. إضافة لذلك، فإن نصف سكان اليمن و أكثر من 60% من السكان الفلسطينيين في غزة و الضفة الغربية في حاجة إلى مساعدات غذائية. في العراق، وهي دولة غنية بالنفط، فإن ما يزيد عن 20% من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي والوضع آخذ في التدهور بسرعة. إن وضع الأمن الغذائي يحتاج أيضا إلى مراقبة دقيقة في أجزاء من السودان و ليبيا مع الصراعات المستمرة؛ و في تونس ومصر حيث يمكن ضغط إصلاح منظومة دعم الغذاء وخفض فاتورة الدعم أن يؤثر على حصول الفقراء على الغذاء.
أن تحدي الأمن الغذائي الذي يواجه المنطقة هيكلي بدرجة أكبر. يكمن هذا في الأساس في جفاف المناخ في المنطقة و الشح الحاد في مواردها المائية. إن متوسط مورد المياه المتجددة للفرد في المنطقة يقف فقط عند عُشر المتوسط العالمي كما أن توافر موارد المياه سوف تنخفض بالثلث بحلول عام 2025، بسبب النمو السكاني و تأثير تغير المناخ.
لقد استثمرت بلدان المنطقة على نطاق واسع خلال الثلاثة عقود الأخيرة في تطوير مواردها المائية، و تحسين إمدادات المياه، ونظم الري و التخزين لزيادة الإنتاج الزراعي. ولقد استثمرت المنطقة أيضا على نطاق أوسع من أي منطقة أخرى، نسبيا، في دعم الغذاء لتأمين حصول السكان على الغذاء. كنتيجة لهذه السياسات، زاد توافر الغذاء بشكل كبير وظلت معدلات نقص الغذاء ، لسنوات طويلة، من ضمن أقل المعدلات في العالم النامي.
لقد تحققت هذه الإنجازات على حساب استدامة الموارد الطبيعية، مع التخصيص المفرط للمياه للزراعة، وإدارة الطلب على موارد مائية غير كافية، وانعدام التنظيم لموارد المياه الجوفية.
إن تغير المناخ سوف يفاقم من شح المياه وسيؤثر بشكل سلبي على نظم الفلاحة، مما يؤدي في بعض الحالات إلى الخروج من قطاع الفلاحة، وإلى الفقر و إلى الهجرة.
إن المحدودية في توافر موارد المياه في المستقبل سوف تعني أيضا اعتماد أكبر على الواردات الغذائية. تشير توقعات منظمة الأغذية و الزراعة حتى 2022 إلى زيادة اعتماد المنطقة على السوق العالمية لأغلب المواد الغذائية الأساسية، فيما عدا الفواكه و الخضروات. إن الاعتماد المتزايد على الواردات الغذائية يعني زيادة التعرض للزيادات في أسعار الغذاء، والتقلبات السعرية السنوية، و من المحتمل ، للحصول على الإمدادات الغذائية العالمية المتاحة.
إن مجابهة التحديات المزدوجة من شح الموارد الطبيعية و الصراعات في المنطقة سوف يتطلب إجراءات على الأصعدة العالمية و الإقليمية والوطنية لبناء مؤسسات ونظم أمن غذائي و تغذية فعالة ومرنة. وسيتطلب أيضا إصلاحا شاملا في إدارة المياه إضافة إلى زيادة التعاون الإقليمي و تبادل الخبرات والمعرفة في قضايا نمو الإنتاجية المتأخر؛ وتقليل التعرض إلى تقلبات السوق؛ و تدعيم الحماية الاجتماعية للفقراء و من يعانون من انعدام الأمن الغذائي؛ و دعم تنويع النظام الغذائي الصحي. إن تنفيذ هذا الإطار و بناء شراكات قوية حولها يجب أن يصبح الأولوية الآن.
Credit: IRIN/Jodi Hilton