إن الشراكة مسألة جوهرية لأسلوب عملنا، هنا بصندوق الأمم المتحدة الدولي للتنمية الزراعية. لإدراك ذلك، لا يستلزم الأمر النظر لما يتجاوز تأسيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية خلال مؤتمر الغذاء العالمي في عام ١٩٧٤.
مع معاناة إفريقيا وآسيا من ضربات الجفاف والمجاعة الجسيمة، قرر أعضاء منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، وبلدان نامية أخرى، ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي إنشاء مؤسسة تهدف لمعالجة الفقر والجوع في البلدان النامية غير النفطية. عن طريق تجميع الموارد من الأوبك و منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، تقوم هذه المؤسسة بالعمل على مكافحة الفقر والجوع عبر الاستثمار في التنمية الزراعية والريفية. ولقد خرج الصندوق الدولي للتنمية الزراعية إلى حيز الوجود من خلال هذه الشراكة.
منذ ذلك الحين، شهد عدد متزايد من البلدان النامية وبلدان التحول الاقتصادي مستويات مرتفعة من الرخاء والفرصة الاقتصادية. نتيجة لذلك، برز التعاون بين بلدان ما يسمى الجنوب ( التعاون بين بلدان الجنوب) كتكملة للتعاون التقليدي بين الشمال والجنوب. في الفترة بين ٢٠٠٥ و ٢٠١٢ ، تعزز معدل نمو إجمالي الناتج المحلي ليصل في المتوسط إلى ٦٫١ % سنويا في البلدان النامية مقارنة بنسبة ١٫٢ % في البلدان المتقدمة. إن التمويل الدولي والتدفقات التجارية، والتي تميل تاريخيا في اتجاه البلدان المتقدمة، تعيد التوازن بخطوات حثيثة في صالح جنوب العالم. ووفقا لتقرير الاستثمار العالمي ٢٠١٤ الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ( الأونكتاد)، فقد بلغ مجمل التدفقات من الاستثمارات الأجنبية المباشرة للبلدان النامية ٧٧٨ بليون دولارا أمريكيا في ٢٠١٣ ( أو ٥٤ في المائة من الإجمالي)، بما يتجاوز الاستثمارات الأجنبية المباشرة للبلدان المتقدمة.
واليوم، نجد أنفسنا أمام مفترق طرق تاريخي جديد، حيث نتطلع لإطلاق أجندة التنمية لما بعد عام ٢٠١٥. بالتأكيد، يأتي الأمن الغذائي المُحسن على رأس هذه الأجندة، كما أن التعاون الإقليمي سيكون أساسيا لتحقيق نجاحنا المشترك.
رغم هذا التنوع، فإن بلدان منطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا تتقاسم الكثير من تحديات التنمية المتماثلة. وتتضمن ما يلي: شح المياه، إدارة الموارد الطبيعية، الأمن الغذائي والتغذوي، التفاوت بين الجنسين ومعدلات البطالة المرتفعة بين الشباب. مع بلوغ معدلات البطالة بين الشباب ٢٨ في المائة في الشرق الأدنى و ٢٩٫٥ في المائة في شمال إفريقيا، فإن هذا يجعل معدلات البطالة في هذه المناطق هي الأعلى في العالم.
تتسم المنطقة العربية أيضا باعتمادها على الواردات الغذائية. من المهم أيضا تنسيق الاستثمار في المناطق الريفية، حيث أن تقليل الاعتماد على الواردات الغذائية يمكن أن يتحقق فقط عن طريق تعزيز التعاون الإقليمي.
تمثل قضية الفقر في المناطق الريفية صميم رسالة الصندوق الدولي للتنمية الزراعية. على الصعيد العالمي، يزداد الوعي بأن المناطق الريفية و الحضرية تعتمد على بعضها البعض: فالمزارعون بالريف يوفرون الغذاء للمدن، و المدن توفر الأسواق والأموال والخدمات. من المفارقات المأساوية أن كثيرين من الأشخاص الذين يزرعون الغذاء الذي يطعم المدن يعانون أنفسهم من الجوع . ورغم أن المناطق الريفية في البلدان النامية توفر أربعة- أخماس الغذاء المستهلك في المراكز الحضرية، فإن هذه المناطق الريفية ذاتها تمثل موطن ثلاثة أرباع من أكثر شعوب العالم جوعا و فقرا.
ما لم يوجه المجتمع التنموي اهتمامه – واستثماراته- إلى المناطق الريفية، فإن التنمية المستدامة الكلية لا يمكن أن تتحقق بشكل كامل.
من ضمن التحديات الأخرى التي تواجه المنطقة العربية هي كونها من أكثر المناطق التي تعاني من قلة البحوث في مجال الاقتصاد في سائر أنحاء العالم في الفترة من ١٩٨٥ ـ ٢٠٠٥. يصعب الحصول على بيانات، مما يجعل عملية اتخاذ قرار قائم على البراهين تحديا كبيرا. إضافة لذلك، فإن غياب البيانات يقوض من متابعة المشروعات وتقييمها.
ونحن نعتقد أيضا أن الشراكة هي جزء من الحل: فمن شأن التعاون الإقليمي الأكبر أن يعزز من الفاعلية المؤسسية ويؤثر على أرض الواقع، بما في ذلك العمليات بين الحكومات على المستويات الإقليمية والعالمية.
لهذا السبب، برزت منصة الحيز العربي المعرفية كجزء من الشراكة بين الصندوق الدولي للتنمية الزراعية والمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية لدعم حرية الحصول على البيانات وتوفير أدوات المتابعة والتقييم في العالم العربي. في ظل وجود ما يزيد عن ١٥٠ مؤشر اجتماعي- اقتصادي وفيزيائي- حيوي، فإن هذه المنصة تسمح للمستخدمين بتنزيل وتوزيع و رسم طبقات من هذه المؤشرات لأغراض البحث، وتحليل السياسات، والمعلومات العامة.
في المنطقة العربية، نحتاج إلى توسيع نطاق جهودنا ومضاعفتها لبناء شراكات أقوى من أجل تحسين حياة الجميع. وعن طريق هذه المدونة الحديثة – مدونة الأمن الغذائي والتغذوي في البلدان العربية - يحدوني الأمل في أن الصندوق الدولي للتنمية الزراعية سوف يساهم عبر وسيلة قيمة أخرى في جعل التدخلات أكثر تأثيرا على أرض الواقع من خلال سعينا لتحقيق الفاعلية في مجال التنمية والتخفيف من حدة الفقر.