إن الفقر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ظاهرة ريفية لحد كبير. تبلغ معدلات الفقر في الريف في موريتانيا والمغرب حوالي ثلاث مرات أعلى من معدلاته في الحضر، في حين أن المعدلات في مصر و تونس تمثل ضعف هذه المعدلات مرتين . لذا ليس من المفاجئ أن تنطلق شرارة الربيع العربي من سيدي بوزيد، وهي منطقة ريفية فقيرة في تونس.
في 2010، بلغ متوسط معدل البطالة بين خريجي الجامعة في سيدي بوزيد ما يقرب من 40 في المائة. كانت الوظائف الوحيدة المتاحة خاصة بالعمالة الزراعية الموسمية منخفضة الأجر. إضافة إلى أن الشباب أيضا لم يتمكنوا من إقامة مشروع زراعي لعدم توافر الموارد المالية لديهم للقيام بذلك كما أنهم لم يحصلوا على الأراضي.
جدول 1: الأهمية النسبية لحيازات أقل من 5 هكتاراتالمصدر: بيانات التعداد الزراعي الصادر عن منظمة الأغذية و الزراعة (الفاو)، سنوات مختلفة.
إن أغلب الفقراء في الريف في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هم من الأسر التي تمتلك مزارعا صغيرة. يوضح جدول 1 الأهمية النسبية للمزارع العائلية ( أقل من 5 هكتارات) من خلال نموذج من بعض بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تتوافر بيانات عنها. إن ما يقرب من 84 في المائة من الحيازات الزراعية كافةً خاصة بالزراعة العائلية. يوضح الجدول أيضا أن المزارع العائلية الصغيرة تسيطر فقط على حوالي 25 في المائة من المساحة المزروعة. ويعكس هذا الطبيعة المزدوجة للزراعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث يعمل عدد كبير من المزارع العائلية جنبا لجنب مع كيانات كبيرة وأحدث.
تمثل الزراعة العائلية أحد أرباب العمل المهمين ومصدرا للدخل في منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا. يوضح جدول 2 أن ما يقرب من 12.5 في المائة من سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعملون في المزارع العائلية. لم يكن من الممكن المقارنة مع حجم القوى العاملة، حيث أن البيانات الخاصة بالقوى العاملة غالبا لا تتضمن كل العمالة الأسرية غير مدفوعة الأجر مما من شأنه أن يؤدي إلى انحياز إحصائي في النتائج. وبغض النظر عن المسائل الفنية، فإن البيانات تُظهر بوضوح أن عددا كبيرا من الأشخاص يعملون في مزارع عائلية عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مما يجعل الزراعة العائلية مصدرا أساسيا لدخل الأسر المعيشية.
جدول 2: دور الزراعة العائلية في إيجاد فرص عمل
المصدر: بيانات التعداد الزراعي الصادر عن منظمة الأغذية و الزراعة ( الفاو)، سنوات مختلفة.
إن متوسط حجم مزرعة عائلية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا صغير للغاية يتراوح بين 2.2 هكتارا في تونس وصولا إلى 0.6 هكتارا في اليمن (شكل 1 أسفل). من شأن هذا أن يوضح أسباب تجاهل واضعو السياسات لاحتياجات أصحاب الحيازات الصغيرة والتركيز بشكل أكبر على المزارع الكبيرة الحديثة. ومع وجود اقتصاديات وفورات الحجم القادرة على الوصول إلى التكنولوجيا، المدخلات، التمويل، وسوق السلع ، فإن هذا يمكن أن يفسر أيضا أسباب الإنتاجية المخفضة لأصحاب الحيازات الصغيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وعدم القدرة على البيع في الأسواق الوطنية أو الدولية.
شكل 1: متوسط حجم المزارع العائلية بالهتكارالمصدر: بيانات التعداد الزراعي الصادر عن منظمة الأغذية و الزراعة (الفاو) ، سنوات مختلفة.
ويمكن التعامل مع المشاكل التي يسببها وجود عدد كبير من مزارع عائلية شديدة الصغر متناثرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عن طريق تطوير منظمات قوية ومستقلة للمنتجين تعمل على تجميع المزارعين سويا.
تتسم منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بتعددية منظمات المزارعين الضعيفة التي تعتمد بشكل كبير على الحكومات. ففي عدة بلدان، تخضع منظمات المنتجين ومنظمات المجتمع المدني الأخرى للإشراف الإداري للحكومة وسلطتها وذلك بموجب القوانين الأساسية لتلك المنظمات. من ثم، فإن استقلال تلك المنظمات وقدرتها على العمل لدعم المزارع العائلية مسألة محظورة. إضافة لذلك، فإن منظمات المزارعين عادة ما تعتمد بشدة على موازنات الحكومات للدعم المالي، وهو ما يزيد من تآكل استقلاليتها و يحد من مجالات نشاطها. في الواقع، فإن منظمات المزارعين في بعض الأحيان تتصرف كجهات حكومية، تبلغ المزارعين بقرارات متصلة بالسياسات تتخذ عل المستوى المركزي وتساعدهم في تنفيذها، بدلا من التصرف كأجهزة تمثل المزارعين وتؤيد سياسات تحمي مصالحهم.
إن منظمات المزارعين الفعالة يمكن أن تقوم بدور سياسي مهم. و لكن لا يشعر أصحاب الحيازات الصغيرة و المزارع العائلية بأن صوتهم مسموع في دوائر السياسات. إن غياب المنظمات القوية التي تمثل أصحاب المزارع العائلية، إضافة إلى مستوى مشاركتهم السياسية المنخفض، قد يفسر أسباب ميل استراتيجيات وسياسات التنمية للتحيز في صالح أنشطة المناطق الحضرية والزارعة الكبيرة الحديثة.
يمكن أن تقوم منظمات وجمعيات المزارعين أيضا بدور اقتصادي مهم، وتجمع أصحاب المزارع العائلية مع بعضهم البعض وذلك لدعم الحصول على التكنولوجيا والمدخلات، تحسين النفاذ للأسواق ومساعدتهم على الاحتفاظ بحصة أكبر من القيمة المضافة. ويمكن لمنظمات المزارعين أن تشجع عملية تبادل الخبرات والخبرة الفنية بين المزارعين. كما يمكنها أيضا اقتراح وتشجيع برامج خاصة بالبحوث الزراعية التطبيقية التي تدعم أصحاب المزارع العائلية، وتساعد على تحسين خدمات الإرشاد الزراعي وتكيفها بما يتوافق مع احتياجات أصحاب المزارع العائلية. في الواقع، إن منظمات المجتمع المدني التي تتضمن منظمات وجمعيات المزارعين غالبا ما تكون في وضع أفضل من الجهات الحكومية في تقديم خدمات الإرشاد الزراعي والدعم الفني لأصحاب الحيازات الصغيرة و المزارع العائلية.
في الختام، إن تحسين مُقدرات أصحاب الحيازات الصغيرة والمزارع العائلية ، الذين يمثلون الأغلبية العظمى من الفقراء، مسألة ضرورية لتحقيق النمو الشامل للجميع والعدالة الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. يحتاج أصحاب الحيازات الصغيرة إلى أن يكون لهم صوت في شؤون السياسات التي تؤثر على الزارعة، ويحتاجون للعمل سويا للاستفادة من اقتصاديات الحجم للحصول على التكنولوجيا والمدخلات وكذا التسويق، ولتعزيز حصتهم من القيمة المضافة. ويمكن لمنظمات المزارعين القوية والمستقلة أن تضطلع بدور سياسي، للتأكد من أن واضعي السياسات يأخذون في الحسبان اهتمامات أصحاب الحيازات الصغيرة و شواغلهم، إضافة إلى دور اقتصادي لتنظيم أصحاب الحيازات الصغيرة بُغية تحسين عملية الحصول على التكنولوجيا والنفاذ للأسواق. وأخيرا، فإن تطوير تلك المنظمات يمكن أن يساعد على تحقيق إدماج وعدالة اجتماعية أكبر.