في ظل واقع الاقتصاد المصري، فإن الصلة بين التنمية الزراعية والريفية المستدامة والتي تؤدي لتعزيز الأمن الغذائي والحد من الفقر مسألة مهمة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. في مصر، فإن الزراعة لا تمثل فقط أسلوب حياة وركيزة مهمة للتنمية الاجتماعية الاقتصادية الوطنية، ولكن الزراعة أيضا محرك للنمو. ويعيش أكثر من 45 مليون مصريا في المناطق الريفية، حيث تمثل الزراعة المصدر الرئيسي للرزق. غير أن الزراعة في مصر تواجه عدة تحديات طبيعية واقتصادية ومالية وفنية وتحديات متصلة بالسياسات. ومن ضمن المعوقات الأساسية التي تستمر في مواجهة عملية التنمية في مصرعدم وجود تكامل ودمج بين التدخلات المستحدثة. في هذا السياق، برزت فكرة مشروع شبكة مصر للتنمية المتكاملة لتطوير وتصميم نظم متكاملة فعالة لمجابهة هذه المعوقات.
تهدف شبكة مصر للتنمية المتكاملة ، والتي تأسست في عام 2012، إلى بناء نماذج تنمية قابلة للتكرار وهي نماذج تخلق فرص عمل فعالة ومستدامة تعزز التمكين الاقتصادي للأسر المعيشية الفقيرة، والمرأة والشباب وصغار المزارعين . يتمثل هدف الشبكة في تحقيق تنمية متكاملة ومستدامة في ثاني أفقر محافظة في مصر، وهي محافظة قنا في صعيد مصر. إن قنا تمثل كل الظروف الاجتماعية الاقتصادية والديموغرافية والطبوغرافية في صعيد مصر. وتعمل الشبكة كأحد مشروعات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تحت مظلة وزارة التعاون الدولي. ويتعاون عدة شركاء تنمية في دعم شبكة مصر للتنمية المتكاملة ، وبخاصة مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية وهي الشريك الرئيسي في برنامج التنمية الزراعية المستدامة. وتمتد المرحلة الأولي من المشروع حتى نهاية عام 2016.
يغطي مشروع شبكة مصر للتنمية المتكاملة ثلاثة مكونات أساسية، وكل منها لديه إمكانية التأثير بشكل كبير على عملية الحد من الفقر، التنمية الزراعية والريفية المستدامة، وبُعد واحد أو أكثر من أبعاد الأمن الغذائي. تتمثل المكونات الثلاثة فيما يلي: (1) تحديث الخدمات الأساسية في المناطق الريفية بالصعيد؛ (2) دعم المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة؛ (3) التنمية الزراعية المستدامة. إن التركيز على المرأة والشباب هي مسألة متقاطعة عبر كل المكونات. ونود أن نلقي الضوء على أحدى المكونات الثلاثة، وهو التنمية الزراعية المستدامة.
إن تصميم برنامج التنمية الزراعية المستدامة الخاص بشبكة مصر للتنمية المتكاملة يتوافق مع ويدعم الأهداف الوطنية الواردة في استراتيجية التنمية الزراعية المستدامة حتي عام 2030. ويكمل هذا البرنامج أيضا جهود شبكة مصر للتنمية المتكاملة في العنصرين الآخرين والتي توفر العمل في المزارع وتدعم الخدمات الأساسية في أفقر القرى. ويُنفذ برنامج التنمية الزراعية المستدامة من خلال التعاون الوثيق مع عدة جمعيات ملتزمة من جمعيات تنمية المجتمع وعدد من شركاء التنمية الآخرين الذين يمثلون الوزارات والجهات ذات العلاقة ، والجامعات والمعاهد البحثية ومنظمات المجتمع المدني.
من خلال البرنامج، أعدت عدة دراسات أولية تُقيم الميزة التنافسية لمنتجات المحاصيل والما شية، ونمط زراعة المحاصيل الأمثل وعدة سلاسل قيم للمنتجات والأنشطة الزراعية الواعدة في محافظة قنا في صعيد مصر. إضافة إلى هذه الدراسات الأولية، فقد استحدث برنامج التنمية الزراعية المستدامة عدة نماذج/ مشروعات في قنا مثل النماذج المتكاملة للمزارع السمكية في أحجام مختلفة تتراوح بين فدان و10 أفدنة وسوف يتبع نظما إدارية مختلفة بدءا بجمعيات تنمية المجتمع وصولا إلى الشراكات مع الحكومة. وسوف تتضمن كل مزرعة إنتاجا سمكيا واسعا ( ترابط الاسمنت، إلخ)، إنتاج الغذاء والأعلاف، تربية الماشية، إنتاج الغاز الحيوي ، مع إعادة تدوير المخلفات الزراعية. سوف تعتمد عملية ضخ المياه الجوفية لبرك السمك هذه على الطاقة الشمسية . إن المزارع الثلاثة النموذجية قيد البناء في الوقت الراهن.
وكما سبق الإشارة، فإن النماذج سوف تتضمن إعادة تدوير المخلفات الزراعية من أجل إنتاج السماد العضوي وعلف التبن في حيّين من أحياء قنا. وحتى تاريخه، فقد نجح المشروع في تدريب 421 شخصا، واستخدم 131 عاملا لإعادة تدوير 310.9 طنا من المخلفات في عام 2014.
لقد استحدث نموذجان لتصنيع الألبان بغرض تقليل ما يهدر من الألبان، زيادة القيمة المضافة، توليد الدخل للأسر الفقيرة وصغار الملاك للماشية ( المرأة في الأساس)، وتعزيز الأمن الغذائي و التغذوي على مستوى كلا من الأسرة المعيشية والمستوى الوطني. يشمل نموذج تصنيع الألبان وحدتين لتصنيع الألبان، وتبلغ الطاقة الإنتاجية لكلا منهما 250 كجم/ اليوم/ مناوبة العمل في المنطقتين المحددتين بقنا. ويتضمن النموذج الثاني إنشاء وتشغيل 10 مصانع بطاقة إنتاجية تبلغ 100كجم/ مناوبة عمل توزع عبر كل الأحياء في قنا.
إن زراعة الأسطح هي مكون آخر من المشروع ومن المتوقع أن يعزز الدخل والوضع التغذوي للأسر المعيشية الفقيرة ( مع تأكيد خاص على المرأة والأطفال). يتم هذا عن طريق: جمعيات خدمة المجتمع ( موقع واحد)، مراكز الشباب ( موقعين) إضافة إلى مركز بحثي في قنا ( موقع واحد). إن عملية تعزيز نشر النموذج واعتماده قيد التنفيذ من خلال ورش العمل واليوم المفتوح والزيارات.
تمثل تربية الدواجن بشكل آمن في الأفنية الخلفية مكونا آخرا ومن المتوقع أن يساهم في تحقيق الأمن الغذائي و التغذوي للأسر المعيشية والقرى إضافة إلى تمكين المرأة. في الوقت الراهن، تنفذ تربية الدواجن بشكل آمن في الأفنية الخلفية في قريتين. يعتزم المشروع توفير التدريب والتسهيلات المطلوبة لتربية الدواجن بشكل آمن لثلاث قرى أخرى في عام 2015. ولقد اعتمدت جمعيات تنمية المجتمع التي تدير النموذج نظاما تعاونيا لضمان استمرارية المشروع وزيادة عدد الأسر المعيشية الفقيرة المستفيدة. لقد بلغ عدد البيض المُنتج ، منذ بداية المشروع، في الموقعين المحددين 36,569 بيضة بمتوسط إنتاج 914 بيضة لكل أسرة معيشية على امتداد كامل الفترة.
تدعم شبكة مصر للتنمية المتكاملة أيضا صغار المزارعين عن طريق مدارس المزارعين الحقلية التي تقدم دورات، و قوافلا بيطرية وتدريبا متخصصا لموظفي الإرشاد الزراعي يركز على تحسين الغلة و تقليل الهدر فيما بعد الحصاد فيما يتعلق بالمحاصيل ذات الأولوية. وحتى تاريخه، حضر أنشطة تلك المدارس 366 شخصا- من مزارعين/ منظمات غير حكومية وموظفي الإرشاد الزراعي بالوزارة.
لقد وفر برنامج التنمية الزراعية المستدامة وحده التدريب لعدد 1245 متدربا ( 20% من الإناث) ووفر العمل لحوالي نصف عدد إجمالي المستفيدين ( 411 مستفيدا) من البرامج الثلاثة لشبكة مصر للتنمية المتكاملة. إن التدخلات المتعددة من خلال البرامج الثلاثة تعمل في الوقت ذاته في كثير من ال 35 قرية بقنا وتوضح الطبيعة المتكاملة لأنشطة شبكة مصر في دعم التنمية الشاملة على كافة الأصعدة.
Photo Credit: UNDP