يستمر التراجع في أسعار النفط في قلب موازين الاقتصاد العالمي ويعتقد الخبراء أنه من المحتمل أن يستمر هذا الوضع لسنوات عدة. لقد انخفضت أسعار النفط إلى ما يقرب من 50 في المائة منذ الربع الأخير في عام 2014 إلى الشهر الأول من عام 2015، وهو ثاني أكبر تراجع تشهده أسعار النفط حيث ساعدت أسعار النفط المتدنية على دفع أسعار الغذاء إلى الانخفاض، وفقا للبيانات الصادرة عن منظمة الأغذية و الزراعة ( الفاو).
ومن ضمن المناطق المتضررة من أسعار النفط المتدنية، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي الأكثر تضررا. ويعزى هذا إلى حقيقة أن أغلب بلدان المنطقة تعتمد على الإيرادات النفطية للنمو؛ كما أن تلك المنطقة هي أكثر المناطق اعتمادا على استيراد الأغذية حيث تتجاوز نسب الاعتماد على استيراد الأغذية 50 في المائة في المتوسط. ووفقا لصندوق النقد الدولي (2015)، من المحتمل أن يكون الأثر الصافي على النمو في المنطقة بالسالب. غير أن الأمل يحدو المنطقة من أن المستهلكين في المنطقة سيشهدون تحسنا في قوتهم الشرائية.
لماذا ترتبط أسعار الغذاء بأسعار النفط؟
لقد تراجعت أسعار الغذاء عالميا لأغلب السلع بسبب هبوط أسعار النفط والإنتاج القياسي للمحاصيل. وخلال عام 2014، هبط مؤشر أسعار الغذاء الصادر عن منظمة الأغذية و الزراعة بنسبة 3.7 في المائة مقارنة بعام 2013، حيث سجلت الحبوب أعلى معدل هبوط سنوي في السعر( 12.5 في المائة)، تليها منتجات الألبان ( 7.7 في المائة)، ثم الزيوت (6.2 في المائة) فضلا عن السكر (3.8 في المائة). ووفقا لمنظمة الأغذية و الزراعة (2015)، لا يتوقع أن ترتفع أسعار الغذاء العالمية شريطة أن تستمر الزيادة في الإنتاج، أسعار النفط المنخفضة، و انخفاض الطلب على الواردات .
مصدر:منظمة الأغذية والزراعة، والبنك الدولي
قد تفسر العلاقة القوية بين أسعار النفط وأسعار الغذاء بحقيقة أساسية وهي أن نظام الغذاء العالمي الحديث يعتمد بدرجة كبيرة على النفط. إن النفط هو الوقود الرئيسي لإنتاج ونقل الغذاء من الحقل إلى السوق. أن تكلفة الوقود تصل من 50 إلى 60 في المائة من إجمالي تكاليف الشحن. علاوة على ذلك، فإن التكاليف المرتبطة بالطاقة مثل الأسمدة والكيماويات ومواد التشحيم والوقود تمثل ما يقرب من 50 في المائة من تكاليف الإنتاج للمحاصيل مثل الذرة والقمح في بعض الدول النامية. نتيجة لذلك، فإن أسعار النفط المنخفضة سوف يكون لها تأثير مباشر على تكاليف الإنتاج. إضافة لذلك، لقد أصبحت أسعار الحبوب مرتبطة بشكل متزايد بحركة أسواق النفط حيث تحول الذرة بكميات أكبر إلى إنتاج الوقود الحيوي. بوجه عام، مع تراجع الطلب على الوقود البديل، فإن هذا يدفع أسعار المحاصيل إلى الانخفاض، مما يجعل الغذاء متاحا على نطاق أوسع.
كيف يمكن أن تستفيد المنطقة من انخفاض أسعار النفط وأسعار الغذاء؟
سوف يستفيد المستهلكون في المنطقة ككل حيث ستصبح أسعار الغذاء والنقل أرخص. وحيث أن الغذاء يمثل حصة كبيرة نسبيا من سلال الاستهلاك للأسر المعيشية الفقيرة، فإن الأسعار المنخفضة قد تؤدي إلى تراجع معدلات الفقر وعدم المساواة. غير أن هذا سيعتمد لحد كبير على كيف، أو ما إذا كانت الصناعات ستنقل وفورات الطاقة إلى مستهلكيها.
يمكن أن تستفيد أيضا الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من هبوط أسعار النفط وأسعار الغذاء حيث يمكن أن تستغل أسعار النفط الأقل في زيادة إيراداتها. وقد تزيد الحكومات الضرائب على المنتجات النفطية كوسيلة للاستفادة من الأسعار الأقل. والأهم من ذلك، يمكن أن تستغل الحكومات هذا الهبوط في الأسعار لتخفيض الدعم على الوقود والغذاء مما يخفض بدرجة كبيرة من إنفاق المالية العامة.
من المتوقع أن تؤثر أسعار النفط الأقل على الأسعار المحلية من خلال تخفيض تكاليف الإنتاج الخاصة بالشركات. ومع انخفاض تكاليف الإنتاج، فقد تخفض الشركات من الأسعار التي تطلبها مقابل سلعها المُنتجة. وقد يؤدي هذا في نهاية المطاف إلى أسعار مستهلكين أقل فيما يتعلق بالغذاء حيث قد تستفيد بعض البلدان بدرجة أكبر من تدني التكاليف لديها مقارنة ببلدان أخرى ويعتمد هذا على مرونة أسعار المنتجات الغذائية لديها. من خلال الاستعانة بالبيانات الشهرية الصادرة عن منظمة الأغذية و الزراعة، نجد أولا أن أسعار المستهلكين في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ترتبط بشكل كبير وبقوة بأسعار الغذاء العالمية. ثانيا، إن تخفيض أسعار الغذاء العالمية، بعد انخفاض أسعار النفط، سوف تؤدي إلى هبوط في أسعار المستهلكين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مع معدل مرونة يبلغ 0.6. ويمكن توضيح هذه العلاقة القوية بين أسعار الغذاء العالمية وأسعار الغذاء المحلية من خلال حقيقة أن غالبية بلدان منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا هي بلاد مستوردة للغذاء على أساس صافٍ
مصدر: حسابات مُعد المقال
من ثم، إضافة إلى أثرها على النمو، فمن المتوقع أن يؤدي تخفيض أسعار النفط إلى تخفيف العبء لحد ما عن كاهل المستهلكين والحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، غير أن هذا لن يحدث بالسرعة التي نأملها. ويؤكد خبراء كُثر أن أسعار الغذاء ستستغرق 3 إلى 6 أشهر حتى تتوافق مع تخفيض أسعار النفط. وقد يبرز سؤال مهم وهو كيف يمكن للحكومات في المنطقة أن تستفيد من التخفيض المتوقع في أسعار الغذاء وكيف يمكن أن تُؤْمَن التوزيع العادل لتلك المكاسب؟