يؤكد الفصل الخاص بمنطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا الذي نشر مؤخرا في تقرير السياسات الغذائية العالمية الصادر عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية على أهمية الاستقرار لإصلاح السياسات ببلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في طور التحول الاقتصادي بعد اضطرابات اجتماعية وسياسية واقتصادية ممتدة.
ويوضح هذا الفصلأهم تطورات السياسات في مجالات دعم الوقود، والزراعة، و تجارة الغذاء. يؤكد المؤلفون على أهمية إثبات الإصلاحات الفعلية على أساس فعاليتها – هل تؤدي الإصلاحات إلى مزيد من الاضطرابات الاجتماعية والعنف؟ إن الهدف الموصي به لواضعي السياسات هو تصميم إصلاحات تتواءم مع خصائص الحكم القائم في كل بلد على حدة.
إن الاستقرار هو المحدد الأساسي للنمو. على سبيل المثال، نجد أن التصور المُحسن بقوة فيما يتعلق بالاستقرار قد اجتذب الاستثمارات المحلية والأجنبية مجددا. وتؤكد أحدث بيانات عن إجمالي الناتج المحلي أن الاستثمارات في عام 2014 تزيد بنسبة حوالي 20 في المائة عن العام المنصرم ، كما أن التعافي الاقتصادي في تصاعد بوتيرة متسارعة. إن هذه التطورات الإيجابية تتسق مع المفاهيم الشائعة المواتية في مصر عن الاقتصاد والأمن الغذائي ( جدول 1). وفي خضم الاستقرار النسبي في عامي 2013 و2014 والانتخابات السلمية لحد كبير التي أجريت في تشرين الأول/ أكتوبر 2014، اصبح التونسيون أكثر تفاؤلا بشأن الاقتصاد والتشغيل (جدول 1).
جدول 1: التغييرات في الأوضاع السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية ، 2012- الأحدث
المصدر: عرض المؤلفين استنادا إلى بيانات مستمدة من الدراسة التحليلية لمنظمة غالوب ( حُدثت في تشرين الأول / أكتوبر 2014).
ملحوظة: * = مسح أجري قبل النزاعات الأخيرة. إن التغييرات في المؤشر المقرر تقيس التغييرات في النقطة المئوية في معدلات الاستجابة المتصلة بالأسئلة القائمة على المفاهيم و التصورات بشأن (1) “ الشعور بالأمان حينما تسير بمفردك”؛ (2) “ الأوضاع الاقتصادية في البلد”؛ و (3) “ عدم توافر نقود كافية للغذاء” فضلا عن (4) مؤشر التشغيل ( البطالة ) الصادر عن منظمة غالوب. ويدل أحد المثلثات على تغيير ( يقرب من ) 1-5 نقطة مئوية؛ و تدل ثلاثة مثلثات على تغيير ( يقرب من) 11 نقطة مئوية أو أكثر. ويدل أحد المربعات على تغيير (حوالي) صفر نقطة مئوية. وتدل الألوان الفاتحة على تغيير ضئيل ( يقرب من) 1-3 نقطة مئوية، في ظل الأخطاء الموحدة في المسح ( غالوب 2014).
في عام 2014، قامت عدة دول بتنفيذ إصلاحات مهمة في السياسات في مجالات دعم الوقود، والزراعة وتجارة الغذاء. في 4 تموز/ يوليو 2014، قامت الحكومة المصرية بزيادة كبيرة في أسعار أنواع الوقود المختلفة تتراوح بين 40 و 78 في المائة، مما يوفر ما يقدر ب 44 مليار جنيه مصري ( 6.14 مليار دولار أمريكي). وفي أيلول/ سبتمبر 2013، ربطت المغرب جزئيا أسعار الطاقة لديها بسعر السوق العالمية. في كانون الثاني/ يناير 2014، قامت اليمن بزيادة سعر البنزين والديزل بنسبة 60 و 95 في المائة ، على التوالي، في محاولة لتقليل عبء المالية العامة غير المستدام. ولقد تباينت الصرخة الشعبية الناجمة عن هذه الإصلاحات حيث نجد أنها كانت غير متواجدة أو في حدها الأدنى في بعض الدول، مثل المغرب ومصر، وصولا إلى أحداث شغب عنيفة في دول أخرى ، بما في ذلك السودان. بلغت هذه الصرخة مداها في اليمن، حيث زادت تلك الإصلاحات من حدة النزاع المدني المستمر. وفي وجه الواردات الغذائية المتزايدة بشكل مستمر، تواصل الحكومات التأكيد على أهمية الزراعة وتجارة الغذاء لبناء القدرة على الصمود أمام صدمات أسعار الغذاء. في عام 2014، أعدت مصر عدة قوانين ترتبط بدعم جمعيات المزارعين، الزراعة التعاقدية، برامج تأمين المحاصيل، والتأمين الصحي للفلاحين. تتولى الحكومة أيضا دعم عملية زراعة أراضٍ جديدة بهدف إنتاج المزيد من الأغذية وإيجاد فرص عمل. ومن أجل تشجيع جهود الإنتاج الحديثة، قامت كلا من مصر والأردن باستحداث أسعار أعلى للمشتريات الحكومية بالنسبة للقمح خلال عام 2014. قامت الحكومة الأردنية أيضا بزيادة الاحتياطي الاستراتيجي من القمح أكثر من ثلاثة أضعاف فيما يتعلق باحتياطي 10 أشهر. ومن أجل حماية سعر القمح المحلي، تواصل المغرب الرقابة على الرسوم الجمركية على القمح، ودعم مستوردي القمح المحليين. وبعد خفض أسعار القمح العالمية بنسبة 40 في المائة في 2014، رفعت الحكومة التعرفة الجمركية على القمح من 17 إلى 45 في المائة في عام 2014. وبحلول عام 2015، تعتزم المملكة العربية السعودية زيادة الاحتياطي الاستراتيجي من الحبوب لديها بما يقرب من 75 في المائة بُغية تغطية حصة أكبر من استهلاكها السنوي المتزايد من القمح. بينما يمكن أن تساعد السياسات والاستثمارات العامة في بناء القدرة على الصمود أمام الصدمات، فإن استمرارية أوضاع المالية العامة وفعالية تلك التدابير تظل أمورا غير مؤكدة.
ووفقا للمؤلفين، فإن كثيرا من إجراءات السياسات التي يتعين التعامل معها على نحو عاجل في عام 2015 تظل دونما أي تغيير كما كان الحال قبل الصحوة العربية، مثل دعم التحول الاقتصادي والنمو مما يؤدي إلى خلق فرص العمل، التحول من الدعم إلى تحويلات نقدية مستهدفة، تطوير حلول ابتكارية بشأن القيود على الزراعة والمياه، تحسين التكامل التجاري و تكامل الأسواق، و رفع مستوى الخدمات الصحية و التغذية والتعليم من أجل الأمن الغذائي.
تتمثل نقطة انطلاق رئيسية في الحاجة إلى التأكيد بشكل أكبر على تصميم إصلاحات في السياسات تتوافق مع خصائص الحكم القائم في تلك البلدان. على سبيل المثال، حينما تمثل ثقة العامة في الحكومة مشكلة، قد يكون من الضروري إيجاد آليات لتسهيل عملية الوصول إلى توافق في الآراء و تشجيع جميع الطوائف السياسية الأساسية على المشاركة في ذلك. وحينما تكون قدرات الدولة منخفضة، قد تكون الخيارات الفنية الأقل التي تتضمن تغييرات تدريجية للغاية ، مثل إصلاحات تجريبية على نطاق ضيق، هي المسار الوحيد الممكن.
Photo Credit: IFPRI