ما هي الأسباب التي أدت إلى استمرار عملية تحسن تغذية الأطفال في منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا رغم وجود اتجاه غير محمود في مدخول السعرات الحرارية؟ فمن المرجح أن تكون المكاسب الأخيرة في تغذية الأطفال نتاج التحسينات في نوعية الطعام
يوضح الرسم البياني أدناه الاتجاهات في نقص التغذية بالنسبة للأطفال بين جميع مناطق البلدان النامية في الفترة من 1990 -2012. و يقاس نقص التغذية بنسبة الأطفال دون الخامسة من العمر قليلي الوزن ( إن معدل الوزن المنخفض مقابل العمر يعكس الهزال، أو التقزم، أو كليهما) كما ورد في تقرير الجوع العالمي لعام 2014 الصادر عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية, و يتضح من خلال هذا الرسم البياني تحسن تغذية الأطفال ، في المتوسط، في كل مكان خلال العقدين الأخيرين.
والآن ، دعونا نلقي نظرة على الرسم البياني التالي الذي يظهر الاتجاهات المتصلة بكفاية السعرات الحرارية كما تقاس حسب نسبة السكان الذي يحصلون على مدخول سعرات حرارية غير كافي لتلبية متطلبات الطاقة الغذائية بشكل مستمر ( البيانات مستمدة أيضا من تقرير الجوع العالمي). يوضح هذا تحسينات في جميع المناطق فيما عدا منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا و إلى حد ما، أوروبا ووسط آسيا، ذات الاتجاه المختلط. فما هي الأسباب التي أدت إلى استمرار عملية تحسن تغذية الأطفال في منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا رغم وجود اتجاه غير محمود في مدخول السعرات الحرارية؟
ولفهم ما يحدث فمن المفيد وجود نموذج مفاهيمي لمحددات تغذية الأطفال. وينص نموذجي المفضل أولا، على أن تغذية الطفال تحدد عن طريق كميات الطعام ونوعيته على حد سواء؛ و ثانيا، فإن تأثير كمية الطعام يخضع إلى الأثر الحدي الفارق. وبمجرد ضمان حد أدني معين من مدخول السعرات الحرارية، يصبح للاختلافات المتواضعة في هذا المستوى تأثير محدود على تغذية الأطفال. ومن خلال استخدام هذا النموذج، يمكن أن أقرر أن المحددات ذات الغلبة في تغذية الأطفال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في السنوات الأخيرة هي عوامل ارتبطت بنوعية الطعام حيث أن المنطقة كانت عند أو فوق المستوى الحدي من كفاية السعرات الحرارية.
بينما يقيم هذا النوع من النماذج على أفضل نحو بواسطة انحدار متعدد المتغيرات، فيمكننا التحقق من أساسياته من خلال أساليب أبسط. على سبيل المثال، هل الافتراض الحدي معقول؟ لننظر مرة أخرى إلى الشكل البياني أعلاه الخاص بكفاية السعرات الحرارية . من الواضح أن مستويات نقص التغذية في منطقتي الشرق الأوسط و شمال إفريقيا، و أوروبا ووسط آسيا هي الأدنى بين المناطق النامية ، حيث بلغت في المتوسط حوالي 6% خلال العقدين الماضيين, أما المناطق الأخرى ، مثل جنوب آسيا، إفريقيا جنوب الصحراء، و شرق آسيا، فتعاني من مستويات أعلى كثيرا من عدم كفاية السعرات الحرارية رغم تحسن الاتجاهات.
يمكننا أيضا التحقق من صحة العنصر الآخر من النموذج، أي دور نوعية الطعام. ومع الافتقار إلى سلاسل بيانات على الأجل الطويل لتكوين الطاقة الغذائية للأطفال حسب البلد، فينبغي استخدام المتاح من المتغيرات البديلة. يتثمل أحد البدائل المعقولة لممارسات جيدة خاصة بتغذية الأطفال في تعليم الأم. وقد توجد بدائل أخرى في ممارسات الرضاعة الطبيعية أو الحصول على مياه شرب وصرف صحي نظيف. يعرض الشكل البياني التالي اتجاهات في تعليم الإناث حسب المنطقة. من الواضح أن منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا قد شهدت تحسينات معتبرة في التحصيل العلمي للإناث خلال العقدين السابقين ، وبالطبع من خلال المعدل الأسرع بين المناطق النامية. وعليه، فمن العدل افتراض أن منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا قد استفادت بشكل استثنائي من هذا فيما يتعلق بتغذية الأطفال.
بإيجاز، في ظل المستوى فوق المتوسط نسبيا لمدخول السعرات الحرارية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فمن المرجح أن تكون المكاسب الأخيرة في تغذية الأطفال نتاج التحسينات في نوعية الطعام. بالطبع، في دول مثل العراق و اليمن التي تظل ذات مستويات مرتفعة من نقص السعرات الحرارية ، ينبغي مواصلة الاهتمام بمشاكل تغذية الأطفال الناشئة عن هذا المصدر.