في أعقاب أزمات الغذاء في 2007-2008 و2009-2010، أصبح الأمن الغذائي – أكثر من أي وقت مضى- أحد الشواغل العالمية وبخاصة في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ولقد ربط الكثيرون في مجال السياسات والمجال الأكاديمي جزئياً بين الأزمة الغذائية والنظام التجاري العالمي وتأكيده على تحرير التجارة. على سبيل المثال، يزعم المقرر الخاص للأمم المتحدة أن أجندة منظمة التجارة العالمية قد فشلت ومنعت البلدان النامية من متابعة سياسات الأمن الغذائي لديهم. غير أن منظمة التجارة العالمية تدحض هذه المزاعم وتؤكد على أن التجارة القائمة على القواعد تعزز توافر الغذاء والحصول عليه. وبالنسبة لمنظمة التجارة العالمية، فإن اتفاقية الزراعة توفر مرونة كافية لأعضائها لتصميم سياسات الأمن الغذائي الخاصة بهم.
وبسبب الموارد الزراعية المحدودة، فإن التجارة ستكون عنصراً أساسياً لأي استراتيجية أمن غذائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ووفقا لذلك، يحق لبلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن يمثلوا جزءاً نشطاً في النظام التجاري العالمي القائم عل القواعد. وحالياً، من ضمن 22 دولة عربية، توجد فقط 12 دولة منها أعضاءً في منظمة التجارة العالمية مما يعني أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لن تكون ذات ثقل وأهمية لضمان أن قواعد منظمة التجارة العالمية تخدم مصالحها الوطنية فيما يتعلق بالأمن الغذائي. إن الهند، على سبيل المثال، بسبب كونها عضواً نشطاً بمنظمة التجارة العالمية فقد قادت المفاوضات في جولة الدوحة المستمرة للوصول إلى اتفاق لصالح مخزونها الاحتياطي العام من الحبوب، وهو عنصر أساسي في استراتيجية الأمن الغذائي لديها.
وعند التعامل مع الأمن الغذائي، يبدو أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد بدأت في استراتيجية تقوم على ركيزتين تستند إلى تعزيز الإمدادات الغذائية المحلية وتخفيض الأسعار والحد من مخاطر العرض، وبخاصة عن طريق بناء الاحتياطيات الغذائية الاستراتيجية. وتمثل الركيزة الأخيرة أحد العناصر الرئيسية لاستراتيجية الأمن الغذائي بمجلس التعاون الخليجي حيث أن دولاً مثل سلطنة عمان، والبحرين، والإمارات العربية المتحدة وقطر قد ضاعفت من طاقتها التخزينية للأرز والقمح. والسؤال المطروح على الدول الأعضاء بمنظمة التجارة العالمية هو كيفية تحسين الأمن الغذائي عن طريق هاتين الركيزتين وفي الوقت ذاته بما يتفق مع قواعد منظمة التجارة العالمية. إن المخاوف المتصلة بالأمن الغذائي تناقش بصوت مرتفع في أجندة الدوحة للتنمية الحالية من أجل تقديم مساحة أكبر من المرونة للبلدان النامية من أحل معالجة قضايا الأمن الغذائي.
غير أنه بالنسبة لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإن اتفاقية الزراعة الحالية تقدم بالفعل مساحة كافية من السياسات لتحسين الأمن الغذائي عن طريق الركيزتين المذكورتين أعلاه. وتُكمن سياسات “الصندوق الأخضر” ( تدابير غير مشوهة للتجارة) البلدان من توفير الدعم العام – دون حدود- لتعزيز الإنتاجية الزراعية ودعم التنمية الريفية ( مرفق 2 من اتفاقية الزراعة). وتتضمن سياسات هذه الفئة، وإن كانت لم تستخدم بفاعلية حتى الآن في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، النفقات العامة على البرامج البحثية، التدريب وخدمات الإرشاد الزراعي، مكافحة الأمراض والآفات، خدمات التسويق والترويج، وخدمات البنية التحتية. علاوةً على ذلك، تُمكن برامج التنمية (مادة 6.2) و قاعدة الحد الأدنى (مادة 6.4) من اتفاقية الزراعة الدول من تقديم دعم كلي ومحدد بمنتجات معينة ( تدابير مشوهة للتجارة) للمزارعين لتناول الشواغل المتصلة بالأمن الغذائي.
تتناول اتفاقية الزراعة في مادتها 3 من المرفق 2 وكذلك مفاوضات أجندة الدوحة للتنمية الحالية المخزون العام. تقوم دول مجلس التعاون الخليجي بشراء الحبوب لمخزونها من السوق العالمية وفق السعر العالمي ومن ثم تلبي اشتراطات منظمة التجارة العالمية فيما يتعلق بأن سعر الشراء للمخزون لا يجب أن يقل عن السعر المرجعي الخارجي. وبينما يمكن أن تساعد الاحتياطيات الاستراتيجية في تقليل مخاطر العرض والأسعار توجد تكلفة كبيرة ترتبط بتخزين هذه الاحتياطيات وصيانتها. ويجب أن يصمم مستوى التخزين بعناية بما يتوافق مع الاحتياجات المعينة للدولة لتقليل التكلفة وتوفير التأمين الكافي مقابل مخاطر العرض والأسعار.
ختاماً، إن الأمن الغذائي ليس اكتفاءً ذاتياً وبناءً عليه يجب اعتبار التجارة جزءاً لا يتجزأ من أي حزمة من برامج الأمن الغذائي. غير أن شبكات الأمان الغذائي، بما في ذلك الاحتياطيات الاستراتيجية من الغذاء التي تتسم بفعالية التكاليف، ضرورية للحد من مخاطر الأسعار والعرض. ويجب أن تشارك دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بفعالية أكبر في مفاوضات أجندة الدوحة للتنمية لضمان أن تلك السياسات تتوافق مع قواعد منظمة التجارة العالمية.