يضطلع المجتمع المدني والإعلام بدورٍ أساسيٍ في إصلاح السياسات بفعالية. ويصب دورهما في اتجاهين من خلال علاقتهما الثلاثية بصفتهما وكلاءً للاتصال ومناصرين للتغيير.
كيف يمكن للمواطنين إخضاع حكوماتهم للمساءلة؟ هي لعبة قائمة على القوة. غالباً ما يجد المواطنون أنفسهم في حاجة إلى مؤسسات وسيطة أكثر قوةً لتمكنهم من مساءلة المسؤولين بشكلٍ فعالٍ. ويتجلى هذا بشكلٍ أكبر في الدول القائمة على الطريقة الأبوية في الحكم حيث يوجد اختلال في العقد الاجتماعي. وفي مثل هذه الدول، تتضاءل قوة الممولين (المكلفين) الخاصة بالمواطنين مع القوة المعززة للدولة عن طريق الدعم والتخصيصات المالية. إن مصر، كما هو الحال في دول عربية أخرى، تتسم بعقد اجتماعي أبوي يؤدي إلى اختلال في دورة المساءلة، مما يجعل من الضروري تمكين العلاقة الثلاثية للمجتمع المدني والإعلام لتحقق توازناً في القوة وتكون بمثابة واسطة لنقل صوت المواطن. غير أن الوضع الراهن للدولة فيما يتعلق بأعباء إصلاح الموازنة العامة والسياسات قد يؤدي إلى تحول في العقد الاجتماعي القائم، حيث يصبح من الضروري تقليل الإنفاق على الدعم.
لاتزال الموازنة العامة بمصر تعاني من العقد الاجتماعي القائم حيث أن أكثر من 25% من الإنفاق تستهلكه البيروقراطية المتضخمة بشكل مفرط وما يقرب من 50% يستهلكه الدعم المخصص للغذاء والوقود والكهرباء. وبدأ هذا الوضع منذ فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر، واستمر منذ ذلك الحين لأكثر من نصف عقد، حيث عزفت مجالس الوزراء المختلفة عن تنفيذ الإصلاحات اللازمة وذلك لتجنب الاضطرابات السياسية. من الناحية المثلى، يجب أن تستهدف برامج الحماية الاجتماعية فئات المجتمع الأفقر. غير أنه حتى مؤخراً شددت الخطط الخمسية للحكومة على حماية المواطنين من الزيادة في الأسعار وتوفير المواد الأساسية. ظل هذا الوضع قائماً حتى آخر خطة خمسية والتي أكدت على الكفاءة في الإنفاق الحكومي؛ الإصلاحات الضريبية؛ وتنفيذ إصلاحات العدالة الاجتماعية من خلال توزيع الدعم المستهدف.
ولقد أدت الإصلاحات الأخيرة في دعم الغذاء إلى الانتقال من بطاقات التموين الورقية إلى البطاقات الذكية الإلكترونية، ومن التوزيعات الكمية إلى التوزيعات النقدية. ولقد سمح هذا التحويل النقدي المستهدف بزيادة في معدلات استهداف الفئات الأفقر بالمجتمع، حيث أنه وفقاً لمسوح 2004-2010 فإن الفئة الأكثر فقراً تلقت فقط 25% من الدعم المخصص، بينما من المتوقع بعد تغيير السياسة زيادة مقدارها 80% في بطاقات التموين للفقراء. ويبدو أن دعم الغذاء قد حَسن من عمليات الاستهداف مقارنةً بدعم الطاقة. ومنذ الثورة، كانت هناك جهود حثيثة في اتجاه إصلاحات تسعيرية ثانوية في الوقود. غير أنتكاليف الدعم واصلت الارتفاع بشدة، حيث استهلك دعم الوقود فقط 22 في المائة من موازنة عام 2013، بينما استهلك دعم الكهرباء 8 في المائة؛ ومرة أخرى، فإن الفئة الأكثر فقراً تلقوا فقط أقل من 7 في المائة من دعم الديزل. غير أن مصر قد شرعت حالياً في برنامج إصلاح تدريجي لدعم الطاقة والكهرباء، رغم عدم تطبيق سياسة شاملة تتضمن القطاع الصناعي وقطاع النقل حتى الآن.
هناك تغييرات في التخصيصات المالية الحالية، حيث أن مصر قد بدأت مراحل الانتقال الاجتماعي والاقتصادي، عن طريق العمل لتحقيق توازن في العقد الاجتماعي مما يؤدي إلى تعزيز قوة المواطن؛ غير أن هذا يتطلب تواصلاً فعالاً لضمان القبول العام ولتعزيز الدعم العام للإصلاحات الراهنة للسياسة الاقتصادية. إن وجود استراتيجية إعلامية تبرز الأهداف طويلة الأجل، وخطة إصلاح شاملة من شأنهما تعزيز الإدراك العام للنتائج المتوقعة وعدالة خطط الإصلاح.
يضطلع المجتمع المدني والإعلام بدورٍ أساسي في اتجاه إصلاح السياسات بشكل فعال. ويصب دورهما في اتجاهين من خلال علاقتهما الثلاثية بوصفهما وكلاءً للاتصال ومناصرين للتغيير. غير أن أغلبية ما يزيد عن 3000 منظمة مجتمع مدني في مصر يعملون في مجالات خيرية أو قد تكون مزيجاً من روابط عدة، مثل النقابات المتخصصة والنقابات العمالية. وهناك عدد قليل من منظمات المجتمع المدني تقوم بدور رقابي. إضافة لذلك، إن الإشراف والرقابة الصارمة من جانب الإعلام لتنقية المعلومات وإحكام السيطرة على الرأي العام تمثل تهديداً لصوت المواطن ومشاركته، وكتدابير لازمة لمكافحة الفساد.