إن أوجه الاستثمار وسبل تمويل الاستثمارات لتحسين الأمن الغذائي والاستدامة قد تكون من أكبر التحديات التي تواجه صناع السياسات. إن قوائم احتياجات الاستثمار طويلة وتتراوح بين مستوى الحقل إلى البنية التحتية إلى مرافق التخزين إلى الأسواق.
في هذا السياق، تضيف العولمة بُعداً جديداً في النقاش فيما يتعلق بتحديد أولويات الاستثمار والتمويل مع النظر إلى سلاسل القيم العالمية (GVCs) المعقدة التي تحكم التجارة العالمية والأسواق الزراعية العالمية. ولقد نوقش هذا المنظور الجديد فيورشة عمل عُقدت منذ عدة أسابيع في أثينا.
إن الأمن الغذائي من الأهداف المعلنة في بلدان العالم كافةً من الناحية العملية ولقد أثيرت هذه المسألة أيضا على مستوى مجموعة العشرين. ورغم الجهود السابقة، فإن هاتين القضيتين ،الأمن الغذائي والاستدامة، لم تحسما حتى الآن، وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ولا يستلزم الأمر من هذه البلدان فقط إنتاج كميات أكبر من الغذاء للتكيف بسرعة مع الطلب المتزايد بل أن النظم الغذائية أيضا تقع تحت ضغط شديد بسبب تغير المناخ، وتحول النظام الغذائي إلى المنتجات الحيوانية، وتدهور الموارد.
بعد أزمة الغذاء في السبعينيات، أدى الاتجاه التنازلي في أسعار السلع الغذائية في الثمانيات والتسعينيات إلى حالة من الرضا. غير أنه لوحظ عند نقطة فارقة في عام 2002 انعكاس وتغير في اتجاه أسعار الغذاء وظل هذا الوضع قائما في العقد الأخير، مما جدد الاهتمام بالأمن الغذائي. ولكن في هذه المرة اختلفت الساحة العالمية. فقد أدت العولمة إلى أن تعيش نسبة كبيرة من سكان المعمورة في رغدٍ وغنيٍ مما غير من أنماط الاستهلاك والإنتاج والتجارة، وكان لذلك أثر كبير على رفاهة السكان في كل مكان. إضافة لذلك، يمثل تحقيق الأمن الغذائي الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة الخاصة بالأمم المتحدة.
من الناحية المنهجية، تم تناول الأمن الغذائي بالتحليل حتى فترات حديثة، وذلك باستخدام التوازنات التقليدية بين العرض والطلب على المستويات العالمية والوطنية وحتى على مستوى الأسرة المعيشية. وتَمثل الهدف في مناقشة المسائل المتعلقة بانعدام الأمن الغذائي المزمن أو المؤقت، القوة الشرائية، تمويل الواردات الغذائية، المخزون الاحتياطي وتقلب أسعار السلع. غير أن مشكلة انعدام الأمن الغذائي قد تعقدت بشكل متنامي خلال الثلاثة لأربعة عقود التالية، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حيث يجب النظر إليها في سياق تغير المناخ، القيود على الموارد، والترتيبات المؤسسية، في وقت تسارعت فيه وتيرة التحول الاقتصادي والاجتماعي بسبب العولمة. ولقد قام المركز المتوسطي للأمن الغذائي والاستدامةبتنظيم ورشة عمل لمناقشة تلك الموضوعات. ولقد ركزت المناقشة على ثلاثة مجالات: (أ) الأمن الغذائي في السياق العالمي الجديد من بيئة سوقية متغيرة، والعولمة، وسلاسل القيم العالمية؛ (ب) الاستثمار من خلال سلسلة القيمة الزراعية، القدرة التنافسية والابتكار فيما يتعلق بسلسلة التوريد، والإنتاجية المتزايدة؛ و(ج) تمويل سلسلة القيمة الغذائية – الزراعية.
يمكن تلخيص النتائج على النحو التالي: (أ) لقد أصبح الأمن الغذائي والاستدامة من الشواغل المهمة للغاية، وخاصةً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حيث يتزايد الطلب على الغذاء بسرعة، مع استيراد ما يزيد عن 50% من الغذاء المستهلك، وتعرض النظام الغذائي الزراعي لضغط شديد؛ (ب) توجد مزايا كثيرة لمفهوم سلاسل القيم العالمية فيما يتعلق بتحليل إجراءات السياسات المتبعة في كامل مجموعة السلسلة الغذائية الزراعية، وهو ما لا يمكن تحقيقه بواسطة الطرق التحليلية التقليدية؛ و(ج) الحاجة إلى أدوات مبتكرة جديدة لزيادة الإنتاجية، معالجة قيود الائتمان، وتعبئة صغار المنتجين لزيادة الدخل و النفاذ إلى الأسواق. ولكن هناك موضوعات مهمة أخرى، لم تناقش في ورشة العمل، وإن كان يجب النظر إليها أيضا، مثل كفاءة سلاسل التوزيع في الوصول إلى الأسر المعيشية المحتاجة، أثر التمويل متناهي الصغر على توليد القوة الشرائية، أهمية تقلب الأسعار والدخل، سياسات تخفيف المخاطر، علاوة على أهمية النظم المُعدلة وراثياً بالنسبة للتوازنات العالمية بين العرض والطلب. إن مثل هذا المنظور الجديد يعطي اتجاهاً مختلفاً في الأجندة البحثية حول الأمن الغذائي والاستدامة والعولمة.