منذ أزمة الغذاء العالمية في الأعوام 2007/2008 و2011، حينما أدى الارتفاع الحاد في الأسعار العالمية للغذاء إلى إثارة القلق بشأن الأمن الغذائي، وسوء التغذية والفقر في البلدان المستوردة للغذاء، لجأت الكثير من الدول العربية إلى إعادة تقييم منهجها تجاه الأمن الغذائي.
وقد دل ارتفاع أسعار الغذاء جنبا إلى جنب مع حظر التصدير من قبل عدد من البلدان المصدرة الأساسية على أن معظم الدول العربية، التي تعتمد بشدة على الواردات لأكثر من 50% من احتياجاتها الغذائية، قد أصبحت متخوفة من كلا من صدمات الأسعار والكميات وآثارها على الاقتصاد المحلي والمجتمع. ولقد قررت كاتبة المقال في سياق آخر أن صدمة الأسعار في 2007/2008 والصدمة الثانية في العام 2008، قد أدت إلى تضخم كبير في أسعار الأغذية المحلية في الدول العربية و كانت واحدة من العوامل المحفزة وراء الربيع العربي.
ولقد تمثل المنهج التقليدي تجاه الأمن الغذائي في المنطقة في الاعتماد على استراتيجية أمن غذائي قائمة على التجارة، ووفقا لذلك تُصدر السلع غير الزراعية وكذلك السلع الزراعية المستخدمة للمياه بكفاءة مثل الفواكه، والخضروات والمحاصيل الشجرية، ويستخدم النقد الأجنبي المحقق في استيراد الغذاء وبخاصة الحبوب كثيفة الاستخدام للمياه مثل القمح. غير أنه في العصر الجديد من أسواق الغذاء العالمية المتقلبة بدأت كثير من الدول العربية في التشكك في هذا المنهج التقليدي فيما يتعلق بتحقيق الأمن الغذائي بسبب نقاط الضعف التي يمكن أن يتسبب في إحداثها. ولقد حل مفهوم جديد محل هذا المنهج في الوقت الحالي وهو “ السيادة الغذائية الكلية” كما استحدثته في كتابي الأخير.
إن مصطلح السيادة الغذائية الكلية يعكس فكرة أن الدول ذات السيادة ترغب في زيادة سلطتها ورقابتها على عملية الحصول على الواردات الغذائية الوطنية لديها والمهم، أنه عند القيام بذلك، قد تكون مستعدة لتجاهل ما يمليه علم الاقتصاد كما ينعكس في قوى السوق ولوضع استراتيجيات الأمن الغذائي التي تضم اعتبارات سياسية واجتماعية بدلا من مجرد اعتبارات اقتصادية.
تتضح السيادة الغذائية العربية الجديدة في توجهين اثنين مميزين حديثين للسياسات. و أولهما، التوجه لإنتاج المزيد من الغذاء محلياً، وثانيهما، وبخاصة للدول الغنية في المنطقة مثل دول الخليج، مبادرات جديدة لشراء أرض في بلدان مضيفة أخرى من أجل إنتاج الغذاء مباشرة وشحنه لدولهم ومن ثم تجاوز أسواق الغذاء العالمية. والمثال على التوجه الأول هو استراتيجية الأمن الغذائي الوطنية الخمسية للأردن (2014-2019) حيث يتمثل الهدف الأول من أهدافها الأربعة في “ زيادة كمية الأغذية المتاحة عن طريق تعزيز الإنتاج الزراعي المحلي والتسويق”. ويتمثل المثال الحديث للتوجه الثاني في مبادرة الملك عبد العزيز الخاصة بالاستثمارات الزراعية السعودية بالخارج التي أطلقت في كانون الثاني/ يناير 2008.
ويثير المنهجان الجديدان للسيادة الغذائية الكلية الجدل؛ حيث أن إنتاج المزيد من الغذاء محليا، وبخاصة الحبوب، لا يمثل استخداما معقولا للموارد الاقتصادية الشحيحة مثل المياه المحدودة و الأراضي الصالحة للزراعة في كثير من الدول العربية. في المرحلة الأخيرة، كانت الأردن تخطط لاستخدام تعويضات الأمم المتحدة عن حرب الخليج لإطلاق مشروع كبير لزراعة الحبوب في مراعيها ولكنها تخلت عن الفكرة بعد أن أظهر البحث أن المشروع مكلف للغاية من الناحية الاقتصادية. إن شراء أرض بالخارج، وكثيرا ما يشار إليه “ بالاستحواذ على الأرض”، مثير للجدل كذلك. وقد يتضمن ذلك تشريد السكان المحليين في البلد المضيف من أرضهم مما يشكل مخاطرا للبلد المستثمر، ويمكن أن يعرض الأمن الغذائي في البلدان المضيفة للخطر مثل أثيوبيا والسودان وباكستان والتي مثلت المستهدف لدول الخليج وتثير المشاكل البيئية ومشاكل العمالة.
من الواضح أن الاضطرابات الأخيرة في أسواق الغذاء العالمية قد دفعت الدول العربية لإعادة التفكير في منهجهم تجاه الأمن الغذائي ولقد أدى ذلك إلى تحول تجاه السيادة الغذائية الكلية. ولقد أبرز ذلك الحاجة إلى عمل جديد يركز على السياسات. يستلزم الأمر إجراء بحوث لتقييم التكاليف والمنافع لمشروعات إنتاج الأغذية محليا حتى يصبح صناع السياسات على بينة تامة بالمفاضلات وتكلفة الفرصة البديلة المرتبطة بالموضوع. وحينئذ فقط يمكن اتخاذ قرارات مطلعة. ويتعين أن تخضع عملية شراء أراضي بالخارج لمزيد من التحقق والفحص، كما يتعين مناقشة النماذج الجديدة، مثل الاستثمار في البشر بدلا من الأراضي، كخطوة مستقبلية. علاوة على ذلك، فإن الانخفاض الأخير في أسعار الغذاء العالمية يعني أن الدول العربية ذاتها قد تبدأ في إعادة تقييم ما إذا كان التوجه لسيادة غذائية كلية أكبر هو بالفعل أفضل طريق للمستقبل أو أن السياسة التقليدية الخاصة باستراتيجية أمن غذائي قائمة على التجارة هو أفضل طريق للمستقبل.
بروفسير جين هاريجن- - jh66@soas.ac.uk] @ProfJaneH](http://www.arabspatial.org/blog/blog/2015/09/16/the-new-arab-food-sovereignty-is-it-the-way-forward/jh66@soas.ac.uk)