إن الشعوب العربية على استعداد لدفع تكلفة أكبر مقابل الطاقة والمياه ولتبني التغييرات في أنماط الاستهلاك إذا كان هذا سيساعد على الحفاظ على الموارد وحماية البيئة، وفقاً لاستقصاء أجراه المنتدى العربي للبيئة والتنمية في 22 دولة. غير أن النوايا الحسنة ورغبات العامة، كما اتضح من نتائج الاستقصاء، لا تكفي، حيث أن ترجمة التغيير إلى واقع يتطلب استحداث أوضاع مُمْكنة ملائمة من جانب الحكومات. بينما يمثل الوعي العام والتعليم أدوات مهمة لتوضيح فوائد الاستهلاك المستدام بالنسبة لصحة الإنسان والبيئة، فإن اللوائح والحوافز لا غنى عنها لتحويل النوايا إلى أفعال ملموسة على أرض الواقع. إن تنفيذ تدابير للحفاظ على الطاقة والمياه على نطاق واسع يتطلب إعادة النظر في الدعم. فإن الطاقة المتجددة لن تنتشر بشكل واسع طالما أن الوقود التقليدي يباع مقابل جزء يسير من سعر السوق الحقيقي. وبالمثل، فإن الإلغاء التدريجي للدعم يتعين أن يصاحبه منافع اقتصادية واجتماعية مباشرة، تتمثل في الأساس في خلق فرص عمل، توفير تغطية للخدمة التعليمية والصحية، جنباً إلى جنب مع تأمين مستويات دخل وبرامج ملائمة للمعاشات.
إن أغلبية كبيرة تصل إلى 84% تقبل تناول الأسماك بنسبة أكبر من اللحوم الحمراء، وهذا أفضل للبيئة وكذلك للصحة. غير أن الواقع يظل قائماً آلا وهو أن النوايا الحسنة لا يمكن أن تتحول إلى فعل على أرض الواقع حتى تتوافر الأسماك بكميات كبيرة وبأسعار معقولة.
لقد أظهر استقصاء الاستهلاك المستدام الذي أجراه المنتدى العربي للبيئة والتنمية مستويات مقبولة من الوعي العام بشأن الشؤون البيئية المرتبطة بأنماط الاستهلاك. بينما كان 72% من المبحوثين على بينة بأن المنطقة العربية من المناطق الأكثر فقراً في العالم بالنسبة للموارد المائية، فإن 77% يدركون أن مستوى استهلاك المياه والطاقة في بعض البلدان العربية من ضمن الأعلى. و حينما طُلب تحديد السبب الرئيسي وراء معدل الاستهلاك المرتفع للمياه والطاقة على مستوى الأسر المعيشية، فقد عزت أغلبية من 46% هذا السلوك المفرط في الاستهلاك لغياب الوعي. إن 6% فقط يلقون باللائمة على الدعم، حيث تأتي أعلى الدرجات مقارنة بالمتوسط الإقليمي من سلطنة عُمان، الإمارات العربية المتحدة والكويت ( 46، 19 و18%). يمكن تفسير هذا من خلال حقيقة أن الدول الثلاث شهدت مناقشات محتدمة حول هذا الموضوع على امتداد العامين السابقين، مع تأييد المسؤولين لمسألة إلغاء الدعم تدريجياً. وتمثل أقوى بيان مناهض للدعم فيما صرح به وزير النفط والغاز العُماني الذي أعلن في العام 2013 أن “ إن ما يدمرنا حاليا هو الدعم …فنحن ببساطة نحتاج لرفع سعر البنزين والكهرباء”
مثال آخر يوضح أن المراكز الرسمية المُطلعة تساعد على تشكيل الرأي العام حيث أن 85% من المبحوثين قرروا أنهم يستخدمون اللمبات الموفرة للطاقة، في حين أن 45% فقط يستخدمون أجهزة موفرة لاستهلاك المياه في منازلهم. وهذا نتاج برامج مكثفة جعلت اللمبات الموفرة للطاقة متوافرة ويسهل الحصول عليها في الأسواق، بما في ذلك توزيع لمبات موفرة للطاقة في مصر، المغرب، لبنان والإمارات العربية المتحدة. وهذا على نقيض الدعم الضعيف لتسويق الأجهزة الموفرة لاستهلاك المياه.
متابعة لهذا، سؤل المشاركون عما إذا كان لديهم الاستعداد لدفع رسوم أعلى مقابل استهلاك المياه والكهرباء والوقود إذا كان هذا سيسهم في الوصول إلى استخدام أكثر استدامة للموارد الطبيعية. ولقد جُعل هذا السؤال المقترح مشروطاً بتعويض الأسعار الأعلى ( كنتيجة للإلغاء التدريجي للدعم) عن طريق تقديم منافع مباشرة، بما في ذلك الرواتب الأعلى، فرص عمل أفضل، التعليم، الصحة والمعاشات. ولقد وافق 77% على دفع رسوم أعلى حينما يصبح ذلك جزءاً من حزمة، مقارنة بنسبة 6% أرجعت الهدر في استخدام المياه والطاقة إلى الدعم. ويمثل هذا أشارة واضحة على قبول التغيير كحزمة مدعومة بأوضاع مُمكنة صحيحة، بما في ذلك الحوافز الملائمة. قرر غالبية المبحوثين (89%) أنهم على بينة أن الدول العربية تستورد نصف المنتجات الغذائية الأساسية التي يقومون باستهلاكها؛ و88% يفضلون الغذاء المنتج محلياً عن الأغذية المستوردة. إن تواتر استهلاك الوجبات السريعة يكشف عن أنماط موحدة معتدلة، حيث نجد 61% يقومون بشراء الوجبات السريعة من 1-5 مرات في الشهر الواحد، و21% لا يتناولون الوجبات السريعة على الإطلاق. وقد بلغت نسبة من يشترون الوجبات السريعة بما يتجاوز 6 مرات في الشهر في المنطقة 18%، مقارنة بنسبة 24% في دول مجلس التعاون الخليجي فقط.
تمثل تكلفة الغذاء النسبة الأكبر من دخل الأسرة، مقارنة بالمياه والطاقة. انفق 62% من المبحوثين ما يزيد عن 10% م دخلهم على الطعام، في حين انفق 4% من المبحوثين النسبة ذاتها من دخلهم على المياه والكهرباء.
إن تغيير العادات الغذائية مسألة جوهرية، تتضمن قيماً و عاداتٍ اجتماعية وثقافية معقدة. ومن المرجح أن يؤدي تضاؤل الموارد المائية إلى منع الدول من إنتاج كميات كافية من محصول تقليدي معين، مثل الأرز، لسكان يتزايد عددهم باستمرار. وينسحب الأمر نفسه على اللحوم الحمراء، حيث أن تربية الماشية نشاط كثيف الاستخدام للمياه. علاوة على ذلك، فإن الأبقار تصدر مستويات مرتفعة بشكل كبير من غازات الدفيئة، مما يؤدي لتفاقم التغير المناخي. هل الناس على استعداد للتحول إلى منتجات أخرى لا تقوم على الاستخدام الكثيف للمياه وصديقة للبيئة بشكل أكبر، مثل الحبوب والأسماك والدواجن البديلة؟ إذا ما أدى التغيير في العادات الغذائية إلى حماية البيئة، فإن 84% من المبحوثين على استعداد للقيام بذلك. إن أغلبية مذهلة من 99% على استعداد لتغيير عاداتها إذا كان هذا يكفل وضعاً صحياً أفضل، مثل مكافحة السمنة، داء السكري، ودهون الدم. بالنظر أن ما يُحسن الصحة من شأنه أن يُحسن البيئة، كما توضح معظم الحالات، فإن النتائج قد تدل على أن النهج الجيد لدعم تغيير إيجابي في أنماط استهلاك الغذاء يتمثل في التأكيد بدرجة أكبر على المنافع الصحية، حيث أن هذا يلقى تقديراً أكبر من جانب العامة.
يتمثل الاستنتاج الرئيسي الذي خَلُصَ إليه استقصاء الرأي العام الذي أجراه المنتدى العربي للبيئة والتنمية حول أنماط استهلاك الغذاء في أن الشعوب العربية على استعداد لدعم وتنفيذ تغييرات عميقة في طريقة استهلاك المياه والطاقة والغذاء، شريطة أن يكون التحول مصحوباً بأوضاع مُمكنة وحوافز ملائمة. إن المنتجات والممارسات البديلة يمكن أن تعمم وتنتشر فقط من خلال تدابير تجعلها متاحة ويمكن الحصول عليها بأسعار تنافسية.
نجيب صعب هو الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية والمحرر المشارك في تقرير الاستهلاك المستدام في البلدان العربية. يمكن تحميل التقرير الكامل ونتائج الاستقصاء من الموقع التالي: www.afedonline.org