بينما كانت معدلات الجوع في تزايد في المنطقة العربية (انظر الأشكال أدناه)؛ فهل كانت هناك مشكلة في الإبلاغ بالبيانات أو بنهج القياس لتوضيح أسباب عدم الاتساق؟ قد يظن المرء أن الربيع العربي، في ظل تأثيره الإقليمي الواسع على الفقر المدقع، كان من شأنه أن يضع نهاية لهذا التفاوت.
ورغم ذلك فإن قصة ما بعد 2011 حول الصلة بين الفقر- الجوع في المنطقة العربية تختلف بدرجة كبيرة وفقاً للمصدر الذي يُعتمد عليه في هذا السياق. علي سبيل المثال، يُظهر تقرير الأهداف الإنمائية للألفية العالمي لعام 2015 تراجع معدل الفقر المدقع بعد العام 2011 وإن كان يسجل زيادة معدلات سوء التغذية في غرب آسيا. غير أن تقرير حالة انعدام الأمن الغذائي، والذي يتضمن منهجية قياس منظمة الأغذية والزراعة المنقحة بعد العام 2012، يَخْلص إلى تقدير نسبة السكان الذين يعانون من سوء التغذية في غرب آسيا ( بما في ذلك سورية واليمن) بمقدار 8.4% في العام 2015، أي بتراجع عن نسبة 8.8% في العام 2012 . في الوقت ذاته، فإن التقارير الصادرة عن برنامج الأغذية العالمي (WFP) وحتي عن (FAO) منظمة الأغذية والزراعة في العام 2015 تطعن بشدة في هذه الفرضية. على سبيل المثال، فإن أحدث ملخص تنفيذي عن اليمن صادر عن (FAO) منظمة الأغذية والزراعة يقدر أن 12.9 مليون نسمة - ما يقرب من 50 في المائة من السكان – يواجهون مستويات الطوارئ والأزمة في انعدام الأمن الغذائي، بزيادة 21% منذ العام 2014. وبالمثل، يسجل تقرير النداء الإنساني العالمي الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة (FAO) لعام 2015 الزيادة الهائلة في انعدام الأمن الغذائي في بلدان الصراع العربي، وبخاصة في سوريا.
(أ)السكان الذين يقل دخلهم اليومي عن دولار وربع ، ؛(ب) والسكان الذين يعانون من سوء التغذية في المنطقة العربية وحسب المناطق دون الإقليمية
( النسبة من إجمالي السكان) المصدر: الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية 2013
مع الانتقال إلى بيانات الفقر المدقع، نجد أن القصة على نفس القدر من التعقيد. يوضح (Global MDG Report) تقرير الأهداف الإنمائية للألفية العالمي أن شمال إفريقيا وغرب آسيا قد تجاوزتا غاية تخفيض معدل الفقر إلى النصف حيث أصبح أقل من 3 في المائة من السكان يقل دخلهم اليومي عن دولار وربع ( وفق لتعادل القوى الشرائية في العام 2005) في العام 2015. غير أنه وفقاً لتقديرات تقرير الأهداف الإنمائية للألفية الإقليمي فإن هذه المؤشر قد تضاعف تقريباً منذ العام 2010، وبلغ 7.4% في العام 2012. إضافة لذلك، في ضوء تصاعد الصراع منذ نهاية 2012، من المحتمل أن يكون قد ارتفع إلى نسبة 10%. وللأسف، فإن أحدث تقديرات الفقر للمناطق النامية الصادرة عن (WB) البنك الدولي القائمة على خط الفقر الجديد 1.9 دولار في اليوم ( وفقا لتعادل القوى الشرائية في العام 2011) قد استبعدت منطقة الشرق الوسط وشمال إفريقيا، كما ورد في التقارير بسبب محدودية تغطية البيانات. وبغض النظر عن تلك النتائج، وبسبب مجموعة من الأسباب الفنية، فإن فكرة تحديد خط الفقر حسب قياس العملة الواحدة لكل الدول هي إشكالية شديدة التعقيد ومن الأفضل التخلي عنها. إن واقع الفقر المدقع في البلدان العربية أشد قسوة مما يدل عليه معدل الفقر دولار وربع في اليوم (وفقاً لمعدل القوى الشرائية لعام 2005).
على أية حال، فإن هذا العرض الموجز يدل على الحاجة إلى تعديل كلي في جمع البيانات وكذلك نُهج القياس. تناقشESCWA (لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا) في مطبوعة حديثة لها, موضوع مسح عربي جديد متعدد الأغراض. وكون الفكرة الأساسية تكمن في تنوع منهجيات المسح والقياس المتعلقة بالفقر حسب قياس العملة الواحدة والفقر متعدد الأبعاد على جانب والتغذية والظروف المعيشية على الجانب الآخر، فإن هذا يجعل من المستحيل إعطاء إجابة مباشرة على الأسئلة الرئيسية مثل كم عدد السكان الذين يعانون من الفقر المدقع وسوء التغذية في المنطقة العربية. في ضوء المستوى المكثف من الصراع، فإن تلك الأسئلة مهمة بالنسبة لصناع القرار على المستوي الإقليمي فضلا عن المجتمع الدولي من أجل وضع أولويات وسياسات تدخل على الأصعدة الوطنية والإقليمية والعالمية.