تشكل المياه الحاجز الرئيسي أمام التنمية الزراعية في دول جنوب المتوسط وشرقه وبخاصة تونس والمغرب. إن هذين البلدين من ضمن البلدان التي تواجه ضغطاً قوياً على الموارد المائية مع مؤشر لاستغلال الموارد الطبيعية المتجددة يتراوح بين 50% و 75% تدل على مخاطر متوسطة المدى للضغط الهيكلي. وبالنسبة لهذين البلدين، فإن شح المياه قد يؤدي إلى قيود خطرة أمام تنمية اقتصاداتهم. ولقد دفعت هذه المسألة المهمة الحكومات إلى تصميم وتنفيذ سياسات طموحة تهدف لتحسين الموارد المائية. لقد زادت تكلفة الفرصة البديلة للمياه كما أصبحت الشواغل الاقتصادية مهمة بشكل أكبر في إدارة الموارد المائية.
تهدف سياسات التدخل العام أيضا إلى تحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة، أي التدخل فيما يتصل بجانب الطلب. ومن شأن تحليل السياسات المائية في تونس والمغرب على نطاق الاقتصاد أن يسمح بتناول قضايا التخصيص والتوزيع في إدارة الموارد المائية التي تواجه صناع السياسات. إن هذه القضايا ذات أهمية كبيرة فيما يتعلق بالسياسات كجزء من جهود صناع السياسات لإدارة الموارد المائية على المدى الطويل وللحد من الفقر في المناطق الريفية. وبدقة أكثر، فإن هذه المذكرة، استنادا إلى نتائج دراسة في طور عمليات المراجعة النهائية من أجل النشر في دورية مُحْكمة عن اقتصاديات المياه، تعرض بعض النتائج عن تأثير السياسات المائية المحلية البديلة في صورة خفض دعم مياه الري و/ أو الزيادة في النفقات العامة الخاصة بتعبئة المياه المطلوبة لتلبية الزيادة المتوقعة في الطلب على المياه من قبل مستخدمين مختلفين.
نظراً لأن سياسات دعم مياه الري المعتمدة منذ الستينيات قد أثرت على اختيار المحاصيل، فإن زراعة محاصيل أكثر ربحية مع احتياجات ري أكبر قد انتشرت على نطاق أوسع مما أدى بدوره إلى استهلاك أكبر من المياه في كلا البلدين. إن الدعم يقلل من تكاليف الإنتاج ، غير أنه يحفز في الوقت نفسه على استخدام متهور غير مسؤول للمياه ، مما يعزز عملية زراعة محاصيل ذات استخدام كثيف للمياه على نطاق أكبر- والذي يمكن أن يكون أكثر ربحية للفلاحين، غير أنه يمكن القول أن هذا يؤدي إلى الأفراط في ضخ المياه. علاوة على ذلك، فإن الدعم يؤثر بشكل سلبي على الإشارات السعرية المرتبطة باستهلاك المياه، وعليه، فإنه لا يقدم إشارات كافية لحفز كفاءة استخدام المياه ، مثل تقديم تكنولوجيا تكفل كفاءة استخدام المياه أو تجديد البنى التحتية القديمة، والمسؤولة حاليا عن كم هائل من الهدر. إن المفاوضات الثنائية ومتعددة الأطراف الحالية حول تحرير التجارة الزراعية، في سياق اتفاقية الشراكة اليورو- متوسطية وجولة الدوحة بمنظمة التجارة العالمية، تمثل فرصة جديدة لإعادة النظر في الدعم العام لهذا القطاع من أجل ضمان أسواق عالمية وإقليمية تنافسية.
من المتوقع أن تؤدي الزيادة في أسعار المياه إلى ممارسات ري تسبب فقدان مياه بدرجة أقل. غير إن اعتماد هذه الممارسات قد يتطلب استثمارات كبيرة من قبل الفلاحين. إن إصلاح دعم المياه قد يتخذ أشكالا عدة: يمكن تحقيقه إما عن طريق رفع الدعم مباشرة أو تدريجياً. في حالة الرفع المباشر، يمكن حينئذ استبدال المحاصيل بمحاصيل أخرى أقل استخداما للمياه كإجراء مصاحب – في حال تقديم الدعم المالي والمشورة الفنية التي تستهدف مثل هذا الاستبدال من قبل السلطات للفلاحين مع رفع الدعم في الوقت ذاته. وبدلا من ذلك، في حال اختيار رفع الدعم تدريجياً، يمكن أن توجه السلطات عملية اختيار المحاصيل صوب محاصيل ذات استخدام كثيف للمياه على نطاق أضيق عن طريق تقديم الدعم المالي و المشورة الفنية دون رفع مباشر للدعم وانتظار تأثير ذلك على استهلاك المياه. من المقرر أن يؤدي ذلك إلى تقدم بوتيرة أبطأ في تحسين كفاءة استخدام المياه مقارنة بسيناريو استبدال ثقافات الدعم من خلال رفع الدعم، حيث أن أي استبدال مفروض لثقافات الدعم قد لا يكون ممكناً. غير إن مثل هذا النهج ينطوي على تهديد أقل لدخل الفلاحين. إن الرفع التام للدعم قد يؤدي إلى تأثير كبير على دخل الفلاحين على الأقل على الأجلين القصير والمتوسط.
إجراء 3 عمليات محاكاة باستخدام نماذج التوازن العام المُقدر لتونس والمغرب:
•المحاكاة 1: خفض الدعم على أسعار المياه بنسبة 50% بشكل تدريجي على امتداد الفترة من 2014 إلى 2020 (7.14% في السنة)
•المحاكاة 2: مضاعفة الإنفاق العام على تعبئة المياه بشكل تدريجي على امتداد الفترة من 2014 إلى 2020 ( 14.3% في السنة)
•المحاكاة 3: تنفيذ كلا السيناريوهين المذكورين أعلاه في الوقت ذاته.
توضح نتائج المحاكاة أن خفض الدعم إلى النصف (محاكاة 1) سيؤثر بشكل سلبي على مستوى الرفاهية في الريف بحوالي 1 في المائة بحلول العام 2020 مقارنة بالسيناريو الأساسي للبلدين. إضافة لذلك، فإن مضاعفة الاستثمار العام في تعبئة مياه الري وتوزيعها (المحاكاة 2) سيؤثر بشكل إيجابي على مستوى الرفاهية للأسر المعيشية في البلدين كما يتوقع. غير إن الجمع بين الحد من الدعم واستثمار عام أكبر فيما يتصل بتعبئة المياه وتوزيعها ( المحاكاة 3) من شأنه تحسين رفاهية كلا المجموعتين من الأسر المعيشية في البلدين. ورغم أن صافي الأثر يعتمد أيضا على اسلوب تمويل الاستثمارات الأساسية ( زيادة الضرائب المحلية، الاقتراض المحلي أو الخارجي)، فإن النتائج توضح أن مجمل أو صافي الأثر على رفاهة الأسر المعيشية الريفية يعتمد أيضا ليس فقط على مستوى الحد من الدعم ولكن أيضا على السياسات والممارسات الفنية الأخرى المُتبعة من قبل الفلاحين للتكيف مع التغييرات في أسعار المياه وتوافرها. في واقع الأمر، عند تطبيق الحد من الدعم مع زيادة في الإنفاق العام على تعبئة المياه وتوزيعها، فإن رفاهة الأسر المعيشية الريفية قد ارتفعت كنتيجة لآثار مجتمعة: الكفاءة والحجم.
شكل 1 : التغييرات في مستوى رفاهية الأسر المعيشية حسب المناطق ( انحرافات عن السيناريو الأساسي في العام 2020 في %)
المصدر: عمليات المحاكاة باستخدام نماذج التوازن العام المُقدر الديناميكي لتونس والمغرب
علاوة على ذلك، يتوقف الأثر الكلي على الاقتصاد أيضا على إدارة الاقتصاد الكلي فيما يتعلق بالمدخرات المتحققة من خلال تقليل الدعم أو مصادر الإنفاق العام الإضافي. يمكن معالجة الآثار السلبية عن طريق إما : (1) تدابير مصاحبة تدعم رفع دعم المياه، مما يقلل من الأثر السلبي المحتمل لرفع الدعم على دخل الفلاحين؛ أو (2) تدابير تعويضية تعوض خسارة الفلاحين في الدخل فيما بعد رفع الدعم بطرق مستدامة. إن التدابير التي تتناول الآثار الاقتصادية السلبية من خلال التغييرات في الإنتاج ( مثل، اعتماد تقنيات وتكنولوجيات وعمليات إنتاج جديدة، استحداث ثقافات جديدة من خلال إحلال المحاصيل وتنويع المحاصيل) التي تحسن القدرة التنافسية للفلاحين، وبالتالي، تدعم دخل الفلاحين ، يجب تفضيلها على تلك التي تتناول في الأساس دخل الفلاحين. ويعزى هذا إلى أن التدابير الأولى مؤقتة، مما يُمَكْن الأفراد من استعادة أو تحسين دخلهم الأولي دون مزيد من الدعم على الأجل المتوسط؛ في حين أن التدابير الأخرى تميل إلى تأجيل عملية التكيف مع الأوضاع الجديدة.