سيعقد مؤتمر الأطراف 22 في مراكش في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني القادم. نعم، ندرك أنه يبدو أن مؤتمر الأطراف 21 قد انتهى في التو - غير أن عقد مؤتمر الأطراف في مراكش يمثل فرصة عظيمة لمناقشة القضايا المناخية في المنطقة العربية على نطاق أوسع. إذن ما هي الموضوعات التي ينبغي أن يثيرها العاملون في مجال الأمن الغذائي والتغذية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟
نقترح أن يكون الموضوع الأكبر هو توسيع نطاق المناقشات الإقليمية لتشمل موضوعات أخرى مع تركيزها الحالي على تأثير تغير المناخ على الإنتاج الغذائي. صحيح أن درجات الحرارة الأعلى، الجفاف، وموجات الجفاف الأشد عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستؤثر على الإنتاج الغذائي. إن هذه الشواغل دفعت وزارة الزراعة من المغرب إلى إيران لوضع استراتيجيات للتكيف الزراعي والحد من تأثير تغير المناخ على مستوى المعيشة في المناطق الريفية. دعونا نضع تأثير المناخ المحتمل على الإنتاج الزراعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في سياق أوسع. لنبرز أربع نقاط فقط:
• إن تغير المناخ قد يقلل من غلة بعض المحاصيل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحوالي 20% مع حلول منتصف القرن, غير أن الأهم هو أن عدد السكان – والطلب على الغذاء – قد يتضاعف • بحلول عام 2050، سيبلغ عدد سكان المدن في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ضعف عدد السكان في المناطق الريفية، مما سيؤدي بدرجة كبيرة إلى إعادة تشكيل أنماط وأشكال الاستهلاك الغذائي ( الشكل 1).
• من الناحية الواقعية، إن اعتماد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الحالي بمعدل مرتفع على الواردات الغذائية سيزيد.
• إن الفقر, أسعار الغذاء المرتفعة، والصراع هي العوامل الرئيسية الدافعة لانعدام الأمن الغذائي داخل الأسر المعيشية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وليس الإنتاج الغذائي.
الشكل 1 : توقعات أعداد السكان في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
وعليه فإن الإنتاج الزراعي المرن مهم – ليس فقط لأنه يؤدي إلى خلق فرص عمل ويزيد الصادرات. غير أن قضايا المرونة في الحصول على الغذاء – القدرة على دفع ثمن الغذاء في الأساس- ستكون على الأقل مهمة. هذه رسالة أساسية من تقريرنا الأخير من برنامج الغذاء العالمي و معهد التنمية الخارجية. إذن كيف سيؤثر المناخ على القدرة على دفع ثمن الغذاء، وما الذي يمكن فعله حيال ذلك؟ من الواضح أن المزارعين الفقراء عرضة للخطر في هذه الحالة. بالنسبة لهؤلاء، فإن اخفاقات الحصاد تعني عدم وجود غذاء، وعدم توافر المال لشراء الغذاء. كما أن الأسر المعيشية الفقيرة والأجراء في قطاعات أخرى سيتعرضون لخطر أسعار الغذاء المتقلبة، تأثير درجات الحرارة المرتفعة على قدرتهم على العمل والتكسب ( الشكل 2)، وتأثير المناخ غير المباشر على فرص العمل حيث أن المناخ يمثل ضغطاً على الاقتصاد على نطاق أوسع.
الشكل 2: درجات الحرارة المرتفعة بشكل متكرر تعد من الآثار المبكرة والملحوظة لتغير المناخ
إن الدعم المستهدف بعناية، مثل برامج التحويلات النقدية قصيرة الأجل، يمكن أن يساعد الفئات الضعيفة للتغلب على الصدمات المناخية فيما يتعلق بدخلهم وأسعار الغذاء. غير أن برامج الحماية الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الأغلب الأعم مكلفة، تستهدف الفئات الضعيفة بشكل ضعيف ، وتحتاج للإصلاح. إن النظم المرنة التي توسع نطاق التغطية أثناء الصدمات، تحسن تغطية الفئات المعرضة للخطر والمناطق المحرومة، وتستهدف بصورة أفضل الفئات الأشد احتياجاً، ستكون أكثر فعالية، ستزيد من المرونة والقدرة على الصمود أمام الصدمات، وتقلل التكاليف بالنسبة للحكومة.
يُمكن للحكومة ان تساعد على حماية مواطنيها من تأثير المناخ الأكثر تغيراً وعالم متقلب من أسعار الغذاء. إن الاستخدام الأفضل لنظم الإنذار المبكر، مراقبة عمليات الحصاد في العالم، وتحسين إدارة الاحتياطي الغذائي والنقدي الاستراتيجي من أجل تلبية الاحتياجات الطارئة ستكون بداية طيبة. وينسحب هذا بشكل خاص على البلدان ذات الأرصدة المالية السالبة، والتي تجد صعوبة بالفعل في استيعاب صدمات أسعار الغذاء العالمية.
من المهم زيادة القدرة على الصمود أمام تأثير صدمات المناخ على الدخل وأسعار الغذاء وذلك على الصعيد الوطني والأسرة المعيشية. يتعين أيضا إيلاء الاهتمام لمخاطر مناخية أخرى بالنسبة لإمدادات الغذاء والاستهلاك. من المحتمل أن تؤدي موجات درجات الحرارة المرتفعة والجفاف إلى زيادة الإجهاد المائي، تزيد من صعوبة توفير المياه، وتزيد من المخاطر الصحية بسبب تلف المواد الغذائية و الأمراض المنقولة عن طريق المياه، مما يضعف من الأمن التغذوي. من شأن تحسين عملية الحصول على الرعاية الصحية، المياه النظيفة والصرف الصحي – وبخاصة في المناطق العشوائية سريعة النمو- أن يساعد على تقليل المخاطر المناخية فيما يتعلق بالأمن التغذوي. بالمثل، فإن تحديث سلاسل توريد الغذاء، فيما يتعلق بتخزين الغذاء والتوزيع والبيع بالتجزئة، قد يساعد على الحد من خسائر ما بعد الحصاد وتحفيف حدة المخاطر المناخية على سلامة الغذاء.
يركز أخصائيو الأمن الغذائي بالفعل على هذه القضايا، غير أن المنظور المناخي يوفر وجهات نظر جديدة. إن التفكير في المخاطر المناخية يحدد الأساليب التي يمكن من خلالها أن تصبح الخدمات الحكومية، القطاع الخاص، والاقتصاد بوجه عام، أكثر فعالية واستدامة وصموداً أمام الصدمات. إن تغير المناخ يؤدي أيضا إلى ضرورة التكيف، وقد يحفز الإصلاح الإيجابي للنظم الغذائية والأمن الغذائي.
من اللافت مقدار الاهتمام الكبير بالزراعة في استراتيجيات المناخ الوطنية في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومقدار الاهتمام القليل بالأمن الغذائي والتغذية. إن عقد مؤتمر الأطراف 22 في دولة عربية أحدي دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هو فرصة عظيمة لإعادة صياغة الحوار الإقليمي الذي يغلب عليه الإنتاج بشأن الأمن الغذائي، ولتعزيز التركيز على قضايا الإتاحة، الاستخدام، والاستقرار.