إن اللجنة المعنية بالأمن الغذائي العالمي ومقرها روما هي الجهة الدولية والحكومية الدولية الأساسية الشاملة التي تنهض بمراجعة ومتابعة سياسات الأمن الغذائي والتغذية. كجزء من عملية الإصلاح التي حدثت في العام 2009، أنشئت آلية المجتمع المدني كأكبر آلية دولية لمنظمات المجتمع المدني مع التمتع بصلاحية التأثير على سياسات وبرامج الأمن الغذائي والتغذية على الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية.
من خلال تمثيل المجموعة العربية لحماية الطبيعة، فقد رشحت من قبل منظمات المجتمع المدني من المنطقة للتصرف نيابة عن غرب آسيا في لجنة التنسيق الخاصة بآلية المجتمع المدني. لقد كانت خبرة قيمة وإن كانت محفوفة في كثير من الأحيان بإحباطات جسام.
إن المشاركة في منابر تضم حضوراً قليلاً للغاية من المنطقة العربية هو تحدى هائل. في بعض الأحيان كنت بمفردي تماماً، وسط 200 منظمة من منظمات المجتمع المدني من سائر أنحاء العالم، اجادل من أجل أولويات المنطقة. للأسف، فإن الحكومات العربية غالباً ما تكون غائبة عن دوائر صنع القرار الدولي المؤثرة، تاركة المجتمع المدني العربي لتأكيد أن الأولويات الإقليمية تطرح أثناء الفاعليات، التشاورات، والمفاوضات المتصلة بالسياسات.
للتمكن من طرح قضايا مهمة للمنطقة، يحتاج المرء ليس فقط للتغلب على مقاومة الحكومات وعدم اهتمام المؤسسات الدولية، ولكن أيضا - ومما يثير الدهشة أكثر- المعارضة التي تأتي من منظمات مجتمع مدني كبيرة مقرها في الشمال. حيث أن هذه المنظمات أصبحت معتادة على تحديد شكل المجتمع المدني العالمي، طريقة عمله، والقضايا التي يجب أن تناضل من أجلها، فإن من الصعب في الغلب الأعم بالنسبة لمنظمات العمل المدني في المنطقة العربية أن تنخرط في الترتيبات الدولية مثل آلية المجتمع المدني. مما يثير الدهشة ملاحظة أن المجتمع المدني الدولي لا يعفى من اختلالات القوى العالمية، وغالبا ما تحظى منظمات المجتمع المدني بمزايا مقارنة بالآخرين وفقا لثروة المنطقة التي يأتون منها وقربها الجغرافي من ساحة صنع القرار. للأسف، فإن منظمات المجتمع المدني في الجنوب غالباً ما تضمن كشركاء رمزيين. نحن نشجع على ارتداء زينا التقليدي وفي بعض الأحيان يسمح لنا بالتحدث بلغتنا، غير أننا لا نعبر عن كامل أفكارنا. في واقع الأمر، هناك ثلاث لغات فقط يعترف بها رسمياً داخل منابر المجتمع المدني العالمي هذه - الإنجليزية والاسبانية والفرنسية – مما يمنع كثير من منظمات المجتمع المدني الجنوبية من الانضمام للمناقشات مما يؤثر بشكل كبير على حياتهم اليومية.
بعد عشر سنوات من تكوين مجموعات ضغط بين منظمات المجتمع المدني، منظمات الأمم المتحدة، والحكومات، نجحت المجموعة العربية لحماية الطبيعة في وضع قضية انعدام الأمن الغذائي في أوقات الصراع الخلافية على رأس جدول أعمال اللجنة المعنية بالأمن الغذائي العالمي. ولقد امتاز اعتماد مسار العمل هذا بنشر التقرير الخاص بحالة انعدام الأمن الغذائي في العالم في العام 2010 الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) تحت عنوان “ مناقشة انعدام الأمن الغذائي في الأزمات الممتدة”.
ثم رشحت المجموعة العربية لحماية الطبيعة لتنسيق مجموعة عمل المجتمع المدني العالمي المعنية بالأزمات الممتدة - مجموعة العمل الوحيدة التابعة للجنة المعنية بالأمن الغذائي العالمي التي تيسر أعمالها منظمات الجنوب. ولقد اختيرت رئيسة المجموعة العربية لحماية الطبيعة، السيدة رزان زعيتر، كعضو بلجنة التيسير المعنية بعملية الأزمات الممتدة التابعة للجنة المعنية بالأمن الغذائي العالمي ؛ ولقد رشحت أن أكون عضواً في اللجنة الفنية التابعة للجنة الأمن الغذائي التي أعدت مشاريع وثائق للتفاوض. لقد نجحنا في وضع المجتمعات التي تعاني من الأزمات في قلب المشاورات وجلسات المفاوضات الحكومية الدولية، والتي توجت باعتماد إطار العمل للأمن الغذائي والتغذية في الأزمات الممتدة في أكتوبر/ تشرين الأول 2015.
من خلال بناء تحالفات قوية مع ممثلي الحكومة، من المنطقة العربية وهؤلاء من أماكن أخرى باهتمامات مماثلة، نجحنا في تضمين أولوياتنا المشتركة في إطار العمل الخاص بالأمن الغذائي والتغذية في الأزمات الممتدة. تناقش الوثيقة بشجاعة قضايا حساسة. وبفضل إصرار مجموعة العمل الخاصة بالمجتمع المدني، يؤيد الإطار نهجا شاملا قائما على حقوق الإنسان مع التركيز على حسم ومنع الأسباب الأساسية لانعدام الأمن الغذائي ونقص التغذية أثناء الأزمات. إن هذا على نقيض النطاق الضيق للتكيف والتعافي – الذي يوجد غالبا في نُهج “ المرونة والقدرة على التحمل” – التي تروج له كثيرا المؤسسات العالمية الكبيرة. ويتضمن الإطار “ الاحتلال” كأحد الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي في الأزمات الممتدة، ويحظر صراحة “ استخدام الغذاء كأداة للضغط السياسي أو الاقتصادي”.
يبرز الإطار الحاجة إلى آليات مساءلة قوية ويحدد الأسباب الأساسية لإخفاق السياسات والبرامج الحالية، بما في ذلك تقويض القدرات والمؤسسات والأولويات المحلية عن طريق تدخلات تحركها عوامل خارجية؛ وعدم وجود التزام بدعم منتجي الغذاء على نطاق صغير؛ و المصالح التجارية والسياسية والمؤسسية المكتسبة. مع وجود تحدي معتبر من قبل حكومات معينة، فإن إطار العمل هذا هو الوثيقة الوحيدة للجنة المعنية بالأمن الغذائي العالمي حتى الآن التي تعترف بالنظم الغذائية المحلية كعنصر رئيسي لدعم القدرة على التحمل، بما في ذلك عن طريق المشتريات المحلية وبناء الاحتياطي الغذائي على المستوى المجتمعي والصعيدين الوطني والإقليمي.
وبينما أواصل رحلتي في هذا المجال شديد التعقيد، فإن الدروس الكثيرة التي استخلصتها بالتأكيد قد جعلت جهود الدعوة والمناصرة أكثر فاعلية. أولا، فمن الواضح أن المثابرة الكبيرة مطلوبة لضمان أن السياسات مثل إطار العمل تدخل حيز التنفيذ، وأن هذا يتبعه أطر متابعة. ثانيا، من أجل إحداث تأثير أكبر من المنطقة، ينبغي توحيد جهود اللجنة على الصعيدين الإقليمي والعالمي. و عليه، فقد شاركنا في تأسيس الشبكة العربية للسيادة الغذائية، والتي تضم 49 منظمة عضو بما في ذلك من يمثلون صغار المنتجين، المنظمات غير الحكومية، المرأة، الشباب، العمال، المستهلكين، والباحثين من 18 دولة عبر العالم العربي. لقد أنشانا كذلك تحالفات قوية مع منظمات من الجنوب تواجه معاركاً مماثلة. وأخيراً، لقد تعلمنا أننا يتعين أن نكون مثابرين، متمسكين بأهدافنا، وعلى استعداد للدفاع عن ساحتنا في محافل دولية. وكعرب، فنحن أفضل ممثلين لأنفسنا، ويجب أن ندافع عن استقلالنا وآلا نفقد الرؤية لأولوياتنا.