إن شح المياه من أهم العوامل المقيدة للإنتاج الزراعي في المنطقة العربية. إن البلدان العربية تقع بالفعل في مناخ شديد الجفاف، وتتمثل الآثار الجلية الوضوح لتغير المناخ في موجات حادة من الجفاف. وتحتاج المحاصيل الغذائية للمياه حتى تنمو، وعليه فإن الجفاف يؤثر بدرجة كبيرة على غلة المحاصيل والإنتاج الغذائي. ليس من المستغرب إيلاء الكثير من الاهتمام مؤخراً للعلاقة بين تغير المناخ والأمن الغذائي. وبينما ركزت الحلول المقترحة في الأغلب الأعم على زيادة الإنتاج الغذائي، فإن البلدان العربية يجب أن تقوم بمزيد من العمل الجاد لمكافحة الهدر الغذائي والتشجيع على استهلاك أكثر استدامة.
لقد كان التركيز في مفاوضات تغير المناخ على التخفيف من الآثار الوخيمة لتغير المناخ عن طريق الحد من انبعاثات غازات الدفيئة؛ إن الحد من الانبعاثات هو الهدف المركزي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ وتكمن في قلب مفاوضات مؤتمر الأطراف، بما فيذلك مؤتمر الأطراف 21 في باريس. .غير أنه يوجد الآن إقرار واضح وواسع الانتشار بأننا يجب علينا أيضا التكيف مع تلك التغيرات التي تحدث بالفعل وتلك التي ستحدث لامحالة. وكما ذكر و.د. نوردهاوس، الاقتصادي المتخصص في تغير المناخ: ” قد نخفف من آثار تغير المناخ؛ لكن علينا التكيف “( كما ورد في مقال لروجر بلكي، الابن). إن استراتيجيات التكيف مطلوبة على نحو عاجل بالنسبة للبلدان العربية التي تواجه موجات جفاف شديدة مما يؤثر على الإنتاج الغذائي الزراعي.
تشدد كثير من استراتيجيات التكيف المقترحة على الصعيد الدولي على الحلول الفنية. وهناك استراتيجيتان ترتبطان بالأمن الغذائي وهما البحث والتطوير للمحاصيل المعدلة وراثياً القادرة على الصمود أمام الجفاف وتقنيات تحلية المياه.وتركز استراتيجيات التكيف المقترحة تلك على زيادة إنتاج الغذاء. إن الإنتاج الغذائي يشكل جانباً مهماً من الأمن الغذائي. ومع عدم وجود إنتاج كافٍ للغذاء في المناطق التي تحتاج لغذاء، لا يمكن تحقيق الأمن الغذائي. هناك أيضا أبعاد أخرى للأمن الغذائي على نفس القدر من الأهمية ولكن غالباً ما يتم إغفالها في المناقشات الخاصة بتغير المناخ.
إن الأمن الغذائي، وفقاً للتعريف الذي حددته منظمة الأغذية والزراعة في قمة الغذاء العالمية في العام 1996، يتضمن الإنتاج الغذائي فضلا عن توافر الغذاء والحصول عليه. في ظل الجهود المبذولة لمعالجة انعدام الأمن الغذائي في مواجهة الجفاف في المنطقة العربية، فمن الضروري بذل جهود جادة للتأكد من توافر وإتاحة غذاء كافٍ لمن يحتاجون إليه، فضلا عن تطوير طرائق لزيادة الإنتاج. وهناك طريقتان لتحقيق هذا وهما دعم استهلاك أكثر استدامة ومعالجة الهدر الغذائي.
لقد كان الاستهلاك المستدام هو موضوع المؤتمر السنوي للعام 2015 للمنتدى العربي للبيئة والتنمية.. ولقد عقد المؤتمر في الوقت المناسب، حيث أن المنطقة العربية يجب أن تبدأ في إدراك أن الحلول الفنية لن تكفي لمعالجة انعدام الأمن الغذائي في مواجهة تغير المناخ. إن التغيرات في الاستهلاك الغذائي والتي من شأنها تقليل كمية المياه المطلوبة لإنتاج المحاصيل الغذائية تتمثل في تقليل اللحوم الحمراء ومنتجات الألبان. اضافة لذلك، يجب إمعان النظر في العودة لزراعة محاصيل عادة ما تحتاج لمياه أقل لتنمو، مثل الذرة الرفيعة والدخن، لتحل محل المحاصيل كثيفة الاستخدام للمياه مثل الذرة والأرز.
يرتبط الهدر الغذائي بالاستهلاك المستدام. ولقد أفردت مجلة ناشيونال جيوغرافيك في عدد مارس 2016 تحقيقاً صحفياً عن الهدر الغذائي، وتوضح البيانات أن في شمال إفريقيا، الشرق الأوسط، وآسيا الوسطى أن أقل من نصف الغذاء المنتج يستهلك بالفعل. و ما يزيد عن نصف الإنتاج الغذائي يفقد في عملية الإنتاج أو يهدر في مرحلة ما بعد الإنتاج. ويعد الحد من الهدر الغذائي جزءاً أساسياً من الاستهلاك ( والإنتاج) المستدامين. رغم أن الهدر الغذائي لا يبرز بوضوح تام في مناقشات تغير المناخ، فينبغي أن يبرز بكل أكبر بكثير في أجندة الأمن الغذائي. لا يوجد منطق يحكم استثمار جهود كبيرة في زيادة الإنتاج، بينما تستمر عملية إهدار أكثر من نصف ما يتنج من غذاء.