إنه لمن دواعي سروري أن تتاح لي الفرصة لمشاركة جمعيتكم العامة بعض الملاحظات حول التحديات التي تواجه تنفيذ أهداف التنمية المستدامة في البلدان العربية.
نحن في المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) نستمر في إشراك كثير من اللاعبين الإقليميين، بمن فيهم مسؤولو السياسات العامة والقطاع الخاص والمجتمع الأكاديمي والمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام، في مسألة التنمية المستدامة، خصوصاً من خلال تقاريرنا السنوية حول حالة البيئة العربية. وفي هذا الإطار، يعمل “أفد” حالياً على خريطة طريق لأهداف التنمية المستدامة في البلدان العربية، أود أن أشارككم نتائجها الأولى.
لدي عدد من الرسائل في هذا المجال.
رسالتي الأولى هي وجوب وقف التعامل مع البلدان العربية كقطعة واحدة متراصة. فلكل بلد حاجات وأولويات وسياقات اقتصادية وسياسية واجتماعية مميزة يجب الاعتراف بها عند تطوير خطط تنفيذية. على البلدان أن تحدد أهداف التنمية المستدامة ذات الأولوية بالنسبة إليها، وتطور خططاً وطنية لتنفيذها، بما في ذلك السياسات والميزانيات. هناك بالتأكيد الكثير من القواسم المشتركة التي يمكن البناء عليها، وللتعاون الإقليمي أهمية أساسية في هذا المجال. ولكن في هذا السبيل يحب أن يؤخذ في الاعتبار التنوّع في الموارد الطبيعية والبشرية في منطقة شاسعة تمتد على قارتين، كما يجب استغلال هذا التنوع. فأولويات وأهداف التنمية المستدامة في قطر، مثلاً، تختلف بالتأكيد عن تلك التي في الأردن. وبالنسبة إلى بلد غارق في صراع، مثل اليمن أو سورية، ستكون حاجات مرحلة ما بعد النزاع مختلفة إلى حد كبير. ويتطلب التنفيذ الفعال لأهداف التنمية المستدامة نشر معارف محلية، من ضمن المفاهيم العامة المتفق عليها. فمن شأن سلخ الخطط التنفيذية عن المكان والزمان أن يتسبب في تشويه عملية التنمية.
أما في رسالتي الثانية، فأدعوكم إلى النظر في بعض التحديات المشتركة التي تواجه منطقتنا: سكان شباب يعانون من ارتفاع معدلات البطالة التي هي أكبر لدى النساء بشكل غير متناسب، وضعف القدرات البحثية والتنموية، وانعدام مشاركة الجمهور في صنع القرارات التنموية، وعدم كفاية القدرات المؤسسية وقدرات صنع السياسات. لذلك فإن الخطط التنفيذية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة يجب أن تكون مرتبطة أولاً بمشاركة فعالة من القطاعات غير الحكومية، ثانياً بخلق فرص عمل، ثالثاً بقدرات جمع ومراقبة علوم وبيانات محلية، ورابعاً ببناء قدرات مؤسسية وأخرى تتعلق بالسياسة العامة. إذا فشلنا في التصدي لهذه المشكلات في سياق تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، نكون فوّتنا فرصة أخرى، بل ساهمنا في خلق حالة من الاتكالية الدائمة.
سوف أوجه رسالتي الثالثة إلى موضوع الشراكات من أجل التنمية. وتتعلق الرسالة بالتمويل الذي هو عنصر رئيسي لتنفيذ الخطط. فتحقيق أهداف التنمية المستدامة الطموحة يجب أن يتزامن مع تنشيط الشراكات لحشد موارد كافية. وكان التمويل غير الوافي من أبرز العيوب التي أعاقت التحقيق الكامل لأهداف التنمية للألفية. ومن هذه الناحية، على البلدان المتقدمة أن تحشد جهودها للوفاء بالتزاماتها تجاه هدف الأمم المتحدة القديم بتخصيص 0.7 في المئة من الدخل الوطني الاجمالي كمساعدة تنموية للبلدان النامية، الذي تعهدت به عام 1970. لكن المساعدات الأجنبية يجب أن يقابلها عمل محلي. لذلك هناك حاجة ملحة لحشد الموارد المحلية من خلال اصلاحات في تدابير دعم الأسعار والأنظمة الضريبية. وأبعد من ذلك، تتميز منطقتنا بوجود عشرة صناديق تنمية اقتصادية واجتماعية إقليمية ووطنية اكتسبت خبرة هائلة في توفير التمويل لمشاريع التنمية في أنحاء العالم. وقد أصدرت هذه الصناديق مؤخراً بياناً مشتركاً حول التزامها بالتنمية المستدامة ووسائل تنفيذها، وأنشأت مجموعة تنسيق بشأن التنمية المستدامة. وهي قادرة على تأدية دور هام لمساعدة البلدان العربية في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، من خلال تعزيز الشراكات مع مقدمي التمويل التنموي الآخرين. وعلى البلدان العربية أن تنسق أولوياتها مع إطار أجندة التنمية لما بعد العام 2015، لتسريع عملية حشد الموارد من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
بالنسبة إلى رسالتي الرابعة، أود أن أدعو الحكومات العربية إلى تبني مقاربة واقعية للتنمية المستدامة تكون عابرة للقطاعات. وهذا يستلزم دمج اعتبارات تغير المناخ في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، خصوصاً على أساس العلاقة التلازمية بين المياه والطاقة والغذاء. أنا أتحدث عن أبعد من إنشاء مجلس أعلى متعدد الوزارات للتنمية المستدامة، أو أي مجلس من هذا القبيل. أنا أتحدث عن جهد تفاعلي حقيقي في مختلف التخصصات والمؤسسات، يشمل الحكومة وقطاع الأعمال وآخرين، حيث يتبادل الأعضاء المعرفة ويتعاونون ويترفعون عن الحدود الرسمية للهيئات والمنظمات أو عن محدوديات نطاق الاختصاص.
وتتعلق رسالتي الخامسة بحالة النزاع في المنطقة. وهي بالتالي تتطلب مقاربة للتنفيذ تستجيب مباشرة للحاجات والأولويات الخاصة في مناطق تعاني من نزاعات مسلحة واحتلال عسكري غير شرعي. وأبعد من العمل اليوم مع منظمات الإغاثة المحلية والإقليمية والدولية المتعددة لتوفير ضروريات السلامة والحاجات الأساسية للمتضررين، علينا أن نعمل فوراً لإرساء الأساس المطلوب لدمج تنفيذ أهداف التنمية المستدامة في جهود إعادة الإعمار المرتقبة. وهنا أدعو منظمات المجتمع المدني المحلية والإقليمية لتطوير برامج بناء القدرات التي تُشرك مجموعات الشباب والنساء في مناطق النزاع، بحيث يكونون مستعدين لاتخاذ دور قيادي قوي في دمج تنفيذ أهداف التنمية المستدامة والعمل من أجل الحد من تغير المناخ ضمن برامج إعادة الإعمار.
نحن لا نتوقع أن توفر أهداف التنمية المستدامة حلاً سياسياً في مناطق تقع تحت الاحتلال العسكري، لكننا نعتقد أن تنفيذ هذه الأهداف يجب أن يخلق الظروف المؤاتية للفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال لممارسة السيادة على مياههم ومواردهم الأخرى.
قبل أن أختم، أود أن أتحدث قليلاً عن بعض التطورات الايجابية الأخيرة في منطقتنا.
على رغم الاضطرابات، بدأت الإدارة المستدامة للموارد تكتسب أهمية أكبر في كثير من بلدان المنطقة العربية. وقد باشرت بلدان في مجلس التعاون الخليجي مؤخراً سياسات وإجراءات جريئة لتعزيز كفاءة المياه والطاقة ووضع سعر لخدمات الطبيعة. وتم تعزيز البرامج الطوعية لكفاءة الطاقة والمياه بإجراءات مالية، تشمل التخلي تدريجياً عن الدعم السخي للأسعار. الميزانية السعودية للسنة المالية 2015 – 2016 سلطت الضوء على هذا الاتجاه، كما جاء في العبارة الآتية من وزارة المال السعودية، إذ التزمت “مراجعة الدعم الحكومي وتقويمه، ويشمل ذلك منظومة دعم المنتجات البترولية والمياه والكهرباء وإعادة تسعيرها، مع مراعاة التدرج في التنفيذ خلال الأعوام الخمسة المقبلة، بهدف تحقيق الكفاءة في استخدام الطاقة، والحفاظ على الموارد الطبيعية، ووقف الهدر والاستخدام غير الرشيد، والتقليل من الآثار السلبية على المواطنين متوسطي ومحدودي الدخل، وتعزيز تنافسية قطاع الأعمال”.
وفيما تشكل “مصدر” في أبوظبي مثالاً ساطعاً على مبادرة تحولية مدعومة من الحكومة تتعلق بالطاقة المتجددة، تنتج دبي أرخص كيلوواط ساعة في العالم من الكهرباء الفوتوفولطية، من خلال شركة خاصة تطبق نموذجاً استثمارياً مستنداً إلى السوق. وبدأ الأردن خطوات سريعة لتحفيز كفاءة الطاقة والمياه وتعميم الطاقات المتجددة.
وعلى الجانب من منطقتنا الواقع في أقصى الغرب، لدينا نموذج لامع في المغرب في ما يتعلق بالاستثمار في الطاقة المتجددة، حيث هناك هدف جريء هو 52 في المئة من مزيج الطاقة بحلول سنة 2030. إنه نموذج يستحق الاقتداء به، وهو كفيل بتحويل المغرب إلى “قوة شمسية عظمى”.
لكن ما زال لدينا عمل يجب القيام به. فالطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة هما من الأهداف الأقرب منالاً. وقد دفعت الاعتبارات الاقتصادية إلى تبنيهما أكثر من أي شيء آخر. لكن لم نحقق حتى الآن القفزة المطلوبة لتحوُّل جذري في القطاعين اللذين يستهلكان معظم الطاقة، أي السكن والنقل. وإضافة إلى ذلك، هناك حاجة لادخال الجمهور على نحو أكثر فعالية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وهذا يبدأ بحملات توعية لإيصال المفهوم إلى الناس على نحو واضح وصادق. فلإشراك الجمهور ومشاركته تأثير مباشر على إقرار السياسات وتحقيقها.
ختاماً، نعتقد أن هناك حاجة ملحة للاستثمار في تنمية يكون محورها الناس، تعزز دمج حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في التنمية، ومبادئ المشاركة الشعبية الحقيقية والمساءلة والشفافية وعدم التمييز، في أجندة التنمية.
www.afedonline.org nsaab@afedonline.org