على امتداد العالم العربي، فإن البحث و التطوير في مجال الزراعة لم يكن أولوية سياسية لعقود ، غير أنه حينما ارتفعت أسعار الغذاء لمعدلات قياسية في عام 2008، أدركت الحكومات حينئذ أنها لا يمكنها الاستمرار في إغفال الاستثمار الزراعي، و بدأت في البحث عن سبل لتعزيز الإنتاجية الزراعية.
على امتداد الخمسة عقود الماضية، كان للاستثمارات في مجال البحث و التطوير الزراعي تأثير كبير على الإنتاجية الزراعية و الأمن الغذائي في أرجاء العالم. غير أن الفجوة الزمنية هائلة بين الاستثمار في مجال البحث وحصاد الثمار في هذا المجال: وعادة ما تمتد هذه الفجوة لعقود و ليس فقط سنوات. وتعد عملية حشد مستويات مناسبة من تمويل البحث و التطوير على المدى الطويل تحديا، حيث أن البحث و التطوير في مجال الزراعة يتنافس مع مجالات عامة مهمة أخرى ، بما في ذلك الصحة و التعليم.
من أجل تسريع وتيرة هذا النمو الزراعي، فإن البلدان العربية تحتاج إلى تمويل مستدام للبرامج البحثية الزراعية الاستراتيجية، مصحوبا بباحثين على مستوٍ عالٍ من التدريب و مراكز بحثية عالية التجهيز . لقد تناول تقرير حديث نشره الموقع الإلكتروني لمؤشرات العلوم و التكنولوجيا في الزراعة بالتقييم الاتجاهات المتصلة بالاستثمارات و قدرات الموارد البشرية في مجال البحث و التطوير الزراعي في 11 دولة في غرب آسيا و شمال إفريقيا خلال الفترة 2009- 2012. ويوضح التقرير أنه رغم الزيادات الأخيرة في نفقات البحث و التطوير في مجال الزراعة ، فإن الإنفاق في أغلب البلدان مازال تحت المستويات المطلوبة للاستمرار في تلبية احتياجات القطاع الزراعي. في معظم البلدان العربية، فإن إجمالي الإنفاق على البحث و التطوير في مجال الزراعة كنسبة مئوية من إجمالي الناتج المحلي الزراعي مازال أقل من مستوى الخطوط التوجيهية للأمم المتحدة على الأقل بنسبة 1 في المائة.
المصدر:مؤشرات العلوم و التكنولوجيا في الزراعة
مقارنة بمناطق أخرى نامية حول العالم، فإن تمويل البحث والتطوير في مجال الزراعة في البلدان العربية غير متنوع ويعتمد بدرجة كبيرة على مصادر حكومية. في بلدان كثيرة، يغطي التمويل الحكومي ما يزيد قليلا عن النفقات المرتبطة بالرواتب، مما يترك مواردا غير كافية لتيسير العمليات البحثية اليومية، ناهيك عن صيانة البنية التحتية و المعدات. ويظل التمويل الخاص مصدرا غير مستغل لحد كبير. تستلزم الاستفادة من التمويل الخاص توفير الحكومات العربية لبيئة مُمكنة للسياسات من خلال الحوافز الضريبية، حماية حقوق الملكية الفكرية ، و الإصلاحات التنظيمية لتشجيع تدفق التقنيات العالمية.
من منظور إيجابي، يوجد تقدم ملحوظ في بناء القدرات البشرية في مجال البحث و التطوير الزراعي في غرب آسيا و شمال إفريقيا في السنوات الأخيرة. إن عشرة من الإحدى عشر دولة المتوافر عنها بيانات تفصيلية أظهرت زيادة في عدد الباحثين المؤهلين من الحاصلين على درجة الدكتوراه. في الوقت الراهن، تقوم مصر بتوظيف باحثين زراعيين من حملة درجة الدكتوراه بأعداد أكبر من بقية الدول الإفريقية مجتمعة. ويوجد سبب آخر لنمو القدرات في السنوات الأخيرة آلا وهو مشاركة قطاع التعليم العالي على نطاق أوسع في عملية البحث و التطوير في مجال الزراعة،ويرجع هذا الأمر إلى سببين وهما إنشاء جامعات جديدة و كذلك أقسام و كليات جديدة داخل الجامعات القائمة.
رغم هذه التطورات، فلقد ثبت صعوبة عملية الاحتفاظ بكتلة حرجة أساسية من الباحثين المؤهلين من حملة درجة الدكتوراه. إن الفروقات في الوضع الرسمي بين العلماء في القطاع الحكومي و العلماء بالجامعات يحول دون قيام الجهات الحكومية في بلدان كثيرة بتقديم رواتب و منافع تنافسية. إن الاختلافات فيما بين الدول تؤدي أيضا إلى تنقل الموظفين. في السنوات الأخيرة، شهدت مصر و الأردن و لبنان خروج الاساتذة الجامعيين والباحثين المؤهلين بشكل ممتاز في اتجاه دول الخليج و بلدان أخرى مرتفعة الدخل. علاوة على ذلك، فإن أكثر من نصف الباحثين المؤهلين من حملة الدكتوراه في معاهد البحوث الزراعية الوطنية في الجزائر، الأردن، تونس، السودان ، و اليمن فوق الخمسين عاما وعلى مشارف التقاعد في الأجلين القصير إلى المتوسط. وتبرز الحاجةإلى استراتيجيات توظيف و تعاقب وظيفي و تدريب كافية لضمان استمرارية البحث مستقبلا في هذه الدول.
يوجد مجال آخر مهم يتطلب الاهتمام آلا وهو وضع أجندة قوية لسياسات البحوث الزراعية الوطنية. في كثير من البلدان العربية، فإن الأولويات المرتبطة بالزراعة لا تُضمن بشكل مُرضٍ في سياسات العلوم و التكنولوجيا الوطنية ، وما ينجم عن هذا من تجزئة عملية صنع القرار وعدم وجود تنسيق بين الأطراف الفاعلة ذات العلاقة. ينبغي أن يضمن صناع السياسات أيضا أن الأصناف و التقنيات المحسنة التي تنشرها المعاهد البحثية توزع بشكل فعال على المزارعين. ويتضمن هذا تعزيز هيئات الإرشاد الزراعي.
إن أثر عملية البحث و التطوير في مجال الزراعة لا يتوقف عند الحدود الوطنية. وفي ظل التحديات المشتركة العديدة التي تواجه البلدان العربية – بما في ذلك، تغير المناخ، شح المياه، و النمو السكاني السريع – فإن وجود نهج متكامل بشكل أكبر خاص بالبحث والتطوير في مجال الزراعة يحد من التكرار غير المفيد قد يعود بالنفع على المنطقة ككل.