لتجارة الغذاء الدولية دور حيوي في الأمن الغذائي حيث توازن صاف العجز في البلاد المستوردة للغذاء مع صاف الفائض في البلاد المصدرة في سياق العلاقات المتداخلة الكثيرة بين النظم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتلك المرتبطة بالصحة- على الأصعدة المحلية والإقليمية والعالمية. وبالنسبة للإمارات العربية المتحدة ودول أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تعتمد بشدة على الواردات الغذائية، فإن ضمان إتاحة وتوافر الإمدادات الغذائية قد أصبحت مسألة صعبة بصورة متزايدة مع تغير المناخ. وفيما يتعلق البلدان التي تعد مخاطر انعدام الأمن الغذائي لديها منخفضة وفق التصنيف الحالي فإنها تواجه الحاجة إلى نُهج جديدة حيث تواجه التبعات المحتملة لتغير المناخ في المستقبل على إنتاج الغذاء العالمي.
ولقد نوقشت قضية الأمن الغذائي في ظل تغير المناخ في البلدان المعتمدة على الاستيراد من خلال دراسة حالة حديثة للإمارات العربية المتحدة أجريت بتكليف من مبادرة أبو ظبي العالمية للبيانات البيئية. إن دول مثل الإمارات العربية المتحدة تواجه خيارات محدودة في عملية إنتاج الغذاء بسبب شدة الجفاف وعليه فإنها تعتمد على تدفقات تجارة الغذاء الدولية المستقرة. ووفقا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، فإن حوالي 87% في المتوسط من الإمدادات الغذائية بدولة الإمارات مستوردة. وتمثل بعض فئات الأغذية الأساسية ما يزيد على 95% من الإمدادات الغذائية (مثل الحبوب). إن غياب خيارات حيوية وعملية للإنتاج المحلي يدل على أن أي اضطرابات في أسواق الغذاء العالمية من المحتمل أن تؤثر على دولة الإمارات أكثر من البلدان التي تتوافر لديها خيارات محلية لإنتاج الغذاء. وتمثل السؤال الرئيسي للدراسة في الآتي: كيف سيؤثر تغير المناخ على التجارة مع الدول المصدرة للغذاء التي عادة ما تعتمد دولة الإمارات عليها ؟ ولقد تطلب التعامل مع هذا السؤال الاهتمام بقضايا متداخلة مثل أنماط توريد الغذاء في دولة الإمارات، والآثار المتوقعة لتغير المناخ العالمي على الزراعة، وأداء التجارة الدولية والأسواق المالية، ومبادرات سياسات الأمن الغذائي قيد الإعداد، ضمن موضوعات أخرى.
استخدمت مُخرجات النموذج الدولي لتحليل سياسات السلع والتجارة الزراعية (IMPACT) الصادر عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية في مناقشة التراجع المحتمل في الصادرات الغذائية من أهم المُصدرين التاريخيين لدولة الإمارات. ولتحديد حالة عدم اليقين، نُظر في 13 من السيناريوهات المستقبلية البديلة لإنتاج الغذاء على المستوى الوطني حتى عام 2050، بناءً على سيناريوهات الانبعاثات ونماذج الانتشار العامة الواردة في تقرير تقييمات تغير المناخ الرابع للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ(IPCC). وفي ظل سيناريو أساسي، فإن الصادرات السنوية للغذاء المتوقعة إلى دولة الإمارات فيما يتصل بالمجموعات الغذائية القُطرية الرئيسية تعتمد في الأساس على مناخ مستقر. وفي ظل السيناريوهات المستقبلية البديلة، فقد حُددت الصادرات الغذائية المتاحة لدولة الإمارات لنفس المجموعات الغذائية القُطرية بناءً على التغير في معدل الإنتاج الزراعي فيما يتعلق بالطلب الأساسي والمتوقع على الغذاء في دولة الإمارات.
ولقد قُدرت الفجوات السنوية والتراكمية في صادرات الغذاء لكل مجموعة غذائية قُطرية لكل سيناريو مستقبلي بديل لإنتاج الغذاء. وعند تقدير فجوات الواردات الغذائية لكل المجموعات الغذائية القُطرية، جُمعت النتائج في مؤشر انعدام الأمن الغذائي الناجم عن المخاطر المرتبطة بالواردات في المستقبل في ظل تغير المناخ في مقياس من 1 إلى 10، حيث يشير 1 إلى أقل المخاطر في حين يشير 10 إلى أعلى المخاطر. ولقد ساعد هذا المنهج في إجراء مقارنات مباشرة فيما يتصل بضعف الواردات إلى دولة الإمارات في المستقبل بالنسبة إلى مجموعة وافية شاملة من المجموعات الغذائية القُطرية.
مؤشر انعدام الأمن الغذائي حسب البند الغذائي
يقدم جدول 1 ملخصاً بالنتائج حسب البند الغذائي الأساسي. تشير الصفوف المظللة باللون الأخضر إلى نسبة منخفضة من انعدام الأمن الغذائي من ناحية الواردات في ظل تغير المناخ ( المؤشر= 1 إلى 2؛ لا يوجد قيود على الصادرات الغذائية إلى دولة الإمارات في جميع السنوات)؛ بينما تشير الصفوف المظللة باللون البرتقالي إلى نسبة معقولة من انعدام الأمن الغذائي من ناحية الواردات (المؤشر= 3 إلى 4؛ مع وجود قيود على الصادرات الغذائية إلى دولة الإمارات في ظل تغير المناخ في بعض السنوات)؛ و الصفوف المظللة باللون الأحمر إلى نسب مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي من ناحية الواردات في ظل تغير المناخ ( المؤشر= 5 إلى 6؛ مع وجود قيود على الصادرات الغذائية إلى دولة الإمارات في جميع السنوات). تبرز النتائج أن معظم الواردات الغذائية الأساسية إلى دولة الإمارات سوف تتقلص بسبب القيود على الصادرات في ظل تغير المناخ. وعليه فإن الأرز والقمح، على وجه الخصوص، يمثلان بنوداً غذائية ستعاني من انعدام الأمن الغذائي بشدة في ظل تغير المناخ، حيث أن مؤشر انعدام الأمن الغذائي لكليهما يصل إلى 10 مما يدل على اتساع فجوات الواردات الغذائية في المستقبل مما يستلزم وضع استراتيجيات للتكيف من أجل تخفيف القيود المحتملة في الواردات. تدل النتائج على الحاجة إلى تخطيط استباقي لتحديد الاستراتيجيات والخيارات والتدابير المناسبة للتكيف من أجل تقليل المخاطر المصاحبة لأثر تغير المناخ على أسواق تجارة الأغذية في المستقبل.