لا يوجد ما هو أكثر ألماً ووهناً وقسوةً من طفل يعاني من سوء التغذية. لقد قابلت الكثير من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية – من طفل رضيع برزت عظامه من خلال جلده إلى أطفال صغار يعانون من التقزم لعدم حصولهم على ما يكفي من لبن الأم، وعلى طعام مغذي كافٍ ومياه نظيفة أثناء الألف يوم الأولى من حياتهم.
في الوقت الراهن، هناك ما يزيد عن 20 مليون من إجمالي 157 مليون من الفتيان والفتيات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا يحصلون على العناصر الغذائية المطلوبة لتنمية كامل إمكاناتهم. إنها حلقة مفرغة. مع غياب التغذية المناسبة، فهم يتعرضون إلى خطر إضافي يتمثل في عدم الالتحاق بالمدارس ويصبحون كراشدين أقل إنتاجاً عاجزين عن الاستثمار في تنمية ونمو أطفالهم ومجتمعاتهم وبلدانهم.
في غياب التغذية والرعاية المثلى، فإن الأطفال يتعرضون بشكل خاص للأمراض المهددة للحياة، بما في ذلك الأمراض المعدية وتلك المنقولة بواسطة المياه. يتفاقم الوضع أكثر حينما يحرمون من كميات كافية من مياه الشرب الآمنة فضلا عن خدمات الصرف الصحي. إن هذا يعني أن التغذية والمياه والصرف الصحي هي أجزاء متكاملة مما نحتاجه للوقاية من الأمراض، والمحافظة على الحياة، وتحقيق المزيد من التنمية. إن انهيار أي من هذه الأجزاء من شأنه أن يؤدي إلى حلقة مفرغة من اعتلال الصحة والفقر.
يعد سوء التغذية انتهاكاً لحق الطفل في الحياة والنمو؛ غير أن هذه الظاهرة تتصاعد في هذه المنطقة. إن العنف المتصاعد والنزاع المسلح، وعدم الاستقرار السياسي، وضعف التغذية والرعاية، وعدم الحصول على خدمات الرعاية الصحية، واستثمار غير كافٍ في خدمات المياه والصرف الصحي والحد من الفقر، كلها تستمر في ملاحقة أطفال المنطقة. ينبغي أن تتوقف هذه الظاهرة.
يتفاقم الموقف بدرجة أكبر حيث أن المنطقة هي الأشد فقراً في العالم بالنسبة لتوافر المياه – تبلغ حصة الفرد من موارد المياه المتاحة حوالي سدس المتوسط العالمي. من المتوقع أن يؤدي تزايد عدد السكان والأنماط الاقتصادية ويضاف إلى ذلك تغير المناخ إلى تقليل حصة الفرد إلى حوالي 200 متر مكعب في السنة؛ ندرة كامل في المياه. سيؤدي هذا إلى المزيد من انعدام الأمن الغذائي والمائي إضافة إلى الضغط على وضع تغذية الأطفال. لتجنب ذلك، ينبغي أن نبذل جهوداً متضافرة وفورية لإدارة الموارد المائية في المنطقة بصورة كافية وتحسين خدمات المياه والصرف الصحي.
لقد أصبح تغير المناخ حقيقة واقعة كما يتضح من تساقط الجليد على صحراء السعودية، والسيول التي غمرت الإمارات العربية المتحدة، والجفاف الذي ضرب المغرب، ودرجات الحرارة القصوى في الصيف في الكويت. من المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة العالمية بوتيرة أسرع في هذه المنطقة، مما يؤدي إلى تكرار الجفاف وشدته بدرجة أكبر فضلا عن انخفاض نسبة الأمن الغذائي والتغذوي. إن ما يقرب من 25 في المائة من القوى العاملة في المنطقة يعملون في قطاع الزراعة كما أن حوالي 67 في المائة من الزراعة هي زراعة مطرية. مع تغير المناخ، سيتراجع الإنتاج الزراعي ويزيد انعدام الأمن الغذائي.
حينما يرتبط تغير المناخ بالصراع فإن هذا يؤدي إلى وضع كارثي. لقد عدت تواً من رحلة إلى اليمن. في ضوء بعض التقديرات، فإن حوالي 60 في المائة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 24 -59 شهراً يعانون من التقزم وما يقرب من نصف مليون طفل دون الخامسة من العمر يعانون من سوء تغذية حاد. يواجه 17 مليون نسمة انعدام الأمن الغذائي كما توفي ما يزيد عن 920 يمنياً بسبب تفشي الكوليرا مؤخراً. تعرض اليمن مثالاً ينذر بالخطر حيث أن الموارد المائية أوشكت على النضوب. لقد انخفضت حصة الفرد من المياه العذبة ( أغلبها من الأمطار) إلى أقل من 400 متر مكعب في السنة، مما يفرض قيودا ثقيلة على كلا من الأمن الغذائي والمائي.
في الوقت ذاته، في بعض الأماكن في سورية التي مزقتها الحرب، وهي دولة لم تعاني مسبقاً من انعدام الأمن الغذائي، يتعرض الأطفال لخطر فقدان الحياة حيث أن حصار بعض المدن يحرمهم من التغذية المثلى ومياه الشرب الآمنة وخدمات الرعاية الصحية. إن الصراع يؤثر بشدة على الموارد المائية والبنية التحتية للرعاية الصحية. ومع انقطاع المياه المتعمد، أصبحت المياه الجوفية هي البديل الوحيد الفعال، مما أدى إلى الاستغلال المفرط. يتضح ذلك في التراجع الحاد في جداول المياه، وتملح طبقات المياه الجوفية، وتراجع العائد. يتجلى الأثر في انخفاض آخر في جودة مياه الشرب وحصة الفرد، مما يؤثر بالسلب على تغذية الأطفال.
مما يحز في القلب بشكل خاص هو أننا ندرك المجهود المطلوب للوقاية من سوء التغذية وعلاجها. من المهم اعتماد استراتيجيات متكاملة واقتصادية التكلفة تجمع التغذية، والوقاية من أمراض الطفولة الشائعة وعلاجها مثل الإسهال والالتهاب الرئوي، والمياه والصرف الصحي، وإدارة الموارد المائية، والأمن الغذائي، والتعليم، والحماية، والسياسة الاجتماعية والتدخلات الصحية – كما أن التوقيت مسألة أساسية. يتضمن هذا المحافظة على صحة الأمهات والتغذية الجيدة أثناء الحمل حتى يستطعن رعاية أطفالهن وتوفير التغذية المُثلى أثناء الألف يوم المهمة في حياة أي طفل. إن لم يتحقق ذلك فإن هذا سيؤدي إلى الإضرار بشكل دائم بالنمو البدني والتطور المعرفي لهؤلاء الأطفال.
يقصد بالنهج المتكامل أيضا توفير مكافحة فعالة للأمراض وتدخلات مجتمعية أخرى التي تقدم حزماً مشتركة من العناصر الغذائية والرعاية الصحية. تهتم منظمة اليونسيف بتطبيق نهج متكامل في الشراكة مع الحكومات، والمجتمعات المدنية، والقطاع الخاص، والمجتمعات ووكالات الأمم المتحدة الأخرى بغرض توسيع نطاق الجهود المبذولة والوصول إلى أعداد أكبرمن الأطفال بينما تعمل على تدعيم النظام.
رغم كل التحديات، فقد شهدنا بعض المكاسب مؤخرا. لقد زادت تغطية مُكملات فيتامين ألف وكذلك استخدام الملح المُعالج باليود لمعالجة النقص في المغذيات الدقيقة كما زاد عدد الاطفال الذين تم علاجهم من سوء التغذية الحاد بواسطة الغذاء العلاجي مع حمايتهم من الأمراض التي يمكن الوقاية منها بالتطعيم عن طريق التطعيمات المنقذة للحياة.
حان الوقت لتوسيع نطاق الشراكات بين القطاعين العام والخاص من أجل التوسع في هذه البرامج والتدخلات، التي تعود بالنفع على الأطفال – والمطالبة بحصول المدنيين المحاصرين في الصراعات دون قيود على الغذاء المغذي، ومياه الشرب الآمنة، والنظافة الصحية والرعاية الصحية الأساسية. إن الاستثمار في تحسين مستوى تغذية الاطفال وصحتهم هو أفضل استثمار في المستقبل – لنا جميعا.