من ضمن الدروس المستفادة حول أسباب أزمة الغذاء العالمية في 2007/2008، يأتي أثر قرارات السياسات التجارية غير المستنيرة والسلوك التجاري المضطرب في أعلى القائمة. إن هذا الوضع، ممزوجاً بحالات جفاف ممتدة وأسعار نفط مرتفعة والطلب المتزايد على استخدامات غير غذائية للإنتاج الزراعي، خلق الظروف الميسرة لقدوم “ عاصفة عارمة”.
إن البلدان العربية، كونها من المستوردين الرئيسيين للمنتجات الغذائية، خاصة الحبوب، لديها مصلحة خاصة في العمل على الحد من مخاطر الصدمات التجارية المماثلة في المستقبل. في الوقت الراهن، نحظى بفترة من الاستقرار النسبي في أسعار الحبوب وعلينا أن نستفيد من هذه الفترة في وضع آليات مناسبة لتفادي هبوب تلك العاصفة مجدداً.
منذ عام 2014، حاولت الدول الاعضاء بالمركز الدولي للدراسات الزراعية المتقدمة لمنطقة البحر الابيض المتوسط وضع مثل هذه الآلية، والتي تهدف إلى تقاسم المعلومات حول أسواق الحبوب وبناء الثقة تدريجياً فيما بينهم.
من بين الثلاثة عشر دولة الاعضاء بالمركز تبرز بعض الدول كمستوردين رئيسيين للحبوب مثل مصر والجزائر وبعض المصدرين الرئيسيين مثل فرنسا. تمثل تلك الدول عند جمعها وزناً كبيراً في السوق العالمي للحبوب. وقد قررت تلك الدول فيما بينها إنشاء شبكة معلومات الأسواق الزراعية في البحر الابيض المتوسط MED-Amin والمخصصة لتقاسم المعلومات حول أسواق الحبوب الوطنية في تلك الدول. ولقد استفادت الشبكة من خبرة شقيقتها الكبرى، نظام معلومات السوق الزراعية (AMIS)، الذي أطلقته مجموعة العشرين بعد أزمة الغذاء في 2007/2008.
وضع الحبوب في المتوسط: لقطة من شبكة معلومات الأسواق الزراعية في البحر الابيض المتوسط (MED-Amin) الخاصة بالمركز الدولي للدراسات الزراعية المتقدمة في البحر الأبيض المتوسط
في أول دراسة تلخيصية للسياسات، قدمت شبكة معلومات الأسواق الزراعية في البحر الأبيض المتوسط للدول الأعضاء الثلاثة عشر ومتخذي القرار المنتسبين بعض الرؤى الأساسية حول المسائل التي تميز أسواق الحبوب في منطقة المتوسط.
تواجه بلدان المتوسط معوقات طبيعية قوية وصعوبات قادمة ناجمة عن تغير المناخ والضغط المتزايد على الموارد المائية والأرض مما يجعل تجارة الحبوب ضرورة حتمية للأمن الغذائي في المنطقة. “من إجمالي 68 طن متري من الحبوب المستهلكة داخل 5 من دول جنوب المتوسط الأعضاء بالمركز، فإن ما يزيد عن 42 مليون – حوالي 62%- من الحبوب ترد من الخارج (أرقام شبكة المعلومات).”
في سياق يتسم باستهلاك غذائي ضخم للحبوب (حوالي 200 كجم من الخبز في العام لكل مواطن في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا)، فإن النمو السكاني يمثل تحدياً لا يمكن حسمه فقط عن طريق نمو الإنتاج.
من أجل تفادي عدم الاستقرار وتعزيز القرار المتوقع بشأن أسواق الحبوب، فإن المعلومات ذات الجودة مهمة فيما يتعلق بتطور الإنتاج ومستويات الاستهلاك والمخزون. يتطلب نقل تلك البيانات في الوقت المحدد لكل الأطراف المعنية التعاون متعدد الأطراف والتوافق على جميع المستويات داخل البلدان المختلفة.
إن النهج الذي اختير هو وضع أرصدة سنوية متوقعة للحبوب، حيث تتوافق الكميات المتاحة مع مختلف استخدامات الحبوب.
إجمالي العرض= الإنتاج + الواردات + المخزون عند بداية السنة
إجمالي الاستخدام = الاستهلاك (المباشر وغير المباشر) + الصادرات + المخزون عند نهاية السنة
تدل أرصدة الحبوب على أنه في سنة معينة،
إجمالي العرض= إجمالي الاستخدام
وتكمن الصعوبة في القدرة على التنبؤ بقيم المتغيرات على جانبي الرصيد قبل نهاية السنة من أجل توقع الاضطرابات المحتملة.
إن هذه الطريقة، حينما تطبق بشكل جماعي وشفاف بين الدول الأعضاء بالشبكة، تفتح قنوات رحبة لتبادل المعلومات والمنهجيات وبناء الثقة بين الأعضاء. إن توقع مستويات الإنتاج (العائد × المساحة) يتطلب مزج صور الأقمار الصناعية بنماذج نمو النبات، والمعاينة الميدانية. ويمثل رصد المخزون تحدياً في حد ذاته ويدعو لاختيار تواريخ محددة لبداية السنة، ليس وفقا للتقويم المدني، ولكن قبل الحصاد (ما يعرف بالسنة التجارية) حيث يكون المخزون محدوداً كما لا تؤثر الأخطاء المتعلقة برصد المخزون كثيراً على الرصيد. فيما يتعلق بتوقع معدل الاستهلاك، فإن هذا يتطلب سلسلة إحصائية جيدة وإدراك لسلوك المستهلك. إن تحديد الرصيد يجب أن يؤدي إلى تقديرات دقيقة حول احتياجات الاستيراد في الفترات الحاسمة في السنة. تُمكن المعلومات المتوافرة من البلدان المصدرة من توقع البلدان المستوردة للتوترات المحتملة في السوق، والعكس بالنسبة للبلدان المصدرة، حيث تتنبأ بتوافر فرص جيدة لبيع إنتاجها بسهولة من عدمه.
يعد وجود قدرة أكبر على التنبؤ أفضل وسيلة لتجنب حالات الهلع عند الشراء في فترات ارتفاع الأسعار أو القرارات المتعجلة لغلق الحدود ووقف الصادرات على أمل الحفاظ على مستويات معقولة من الأسعار الداخلية، في حين أن الوضع الحقيقي لا يتطلب مثل هذه القرارات الحاسمة المزعزعة للاستقرار.
إن تقاسم المعلومات حول أرصدة الحبوب الوطنية يتطلب الثقة؛ وهي عملية طويلة، غير أنها لا يجب أن تستغرق وقتاً طويلاً للغاية حيث أن “العاصفة العارمة” التالية قد تكون قاب قوسين أو أدنى.