الاستثمارات الزراعية الخارجية: مازالت أحد الخيارات لمنطقة الخليج التي تعاني من ندرة المياه
يصف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) ندرة المياه كأحد المهددات الخطرة للأمن الإنساني في العالم العربي. إن بلدان الخليج العربي عرضة بشكل خاص لنقص المياه بسبب محدودية الموارد المائية المتجددة مع تزايد الطلب الناجم عن الوتيرة السريعة للتنمية الاقتصادية، والنمو السكاني السريع، وتغير أنماط الاستهلاك، وعدم الكفاءة في الإدارة. وعليه، يمثل توفير المياه على نحو مستدام تحدياً مُلحاً يواجه حكومات دول مجلس التعاون الخليجي. رغم التوترات السياسية الحالية، فإن الأمن المائي والغذائي يمثلان قضايا أساسية تستلزم التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي.
لقد انتهجت دول الخليج عدة مبادرات لتامين الأمن المائي والغذائي. تتضمن تلك المبادرات استيراد المياه – سواء بشكل صريح عن طريق توصيل المياه عبر الحدود أو بشكل ضمني عن طريق استيراد منتجات كثيفة الاستخدام للمياه. ويقوض من جاذبية هذا النهج التعقيدات الجيوسياسية والشواغل المتعلقة بالأمن الوطني. بدلا من ذلك، تحولت دول مجلس التعاون الخليجي إلى “ الزراعة من خلال التعاقد الخارجي”. ففي وقت تتضاءل فيه المياه المتاحة للفرد (شكل 1)، يبدو أن استراتيجية الاستثمار في الأراضي الزراعية بالخارج أكثر استدامة بدلا من استنفاد طبقات المياه الجوفية غير المتجددة؛ غيرأن هذا الحل ينطوي على أوجه قصور يتعين التعامل معها بحرص.
حلول بديلة لمواجهة ندرة المياه
استيراد المياه
قامت بعض دول مجلس التعاون الخليجي بدراسة جادة لعدة مقترحات لاستيراد المياه من دول مجاورة مثل إيران، أو تركيا، أو لبنان؛ ولكن معظم المقترحات رُفضت حيث قُدِرَ أن التكاليف الجيوسياسية تتجاوز الفوائد المحتملة. في منتصف الثمانينيات، دخلت الدول الخليجية في مفاوضات مع تركيا لعقد صفقة متعددة الأطراف حول مشروع خط أنابيب مزدوج لنقل المياه من نهري شيهان وسيهان بشرق تركيا إلى دول مجلس التعاون الخليجي بتكلفة تقدر بمبلغ 22 مليون دولار أمريكي. اعتبرت هذه صفقة استراتيجية للنفط مقابل المياه، حيث أن تكلفة المشروع كانت ستسدد عن طريق المستفيدين الأساسيين في منطقة الخليج. فيما بعد، في عام 2009، نفذت قطر دراسة جدوى لمشروع ثنائي لاستيراد المياه لنقل المياه من نهر كارون في إيران وذلك لتغذية احتياطي المياه الجوفية وتوريد المياه لأغراض الري في قطر. لم ينجح أي من هذه المقترحات حيث أن مستوردي المياه في الخليج اعتراهم القلق من استفادة الدول المُصدرة للمياه من مواردها المائية لخدمة أهداف جيوسياسية.
الاستثمار في أراضٍ زراعية بالخارج
حيث أن الزراعة تمثل القطاع المُهيمن في استهلاك المياه بمتوسط معدل استهلاك يوازي 85 في المائة من الموارد المائية في الخليج، فقد أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي عن خطط للاستثمار في أراضٍ زراعية بالخارج كحلٍ لندرة المياه. يتمثل الغرض من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع الزراعة – سواء عن طريق استئجار الأر ض أو تملكها – في استهداف البلدان التي تنعم بظروف مناخية/ زراعية مواتية، وموقع جغرافي قريب مما يقلل من تكلفة النقل، ولديها علاقات اقتصادية ودبلوماسية جيدة مع دول مجلس التعاون الخليجي. من خلال الاستثمار في أراضٍ زراعية بالخارج ، فإن تلك الدول تقلل على نحو فعال من الاستخراج المفرط لموارد المياه الجوفية التي تُعد احتياطيات استراتيجية.
رغم أن الزراعة في الخارج استراتيجية رشيدة للبلدان التي تعاني من عدم كفاية الموارد المائية المتجددة والأراضي الصالحة للزراعة، فإن هذه الاستراتيجية عادة ما تُقابل بشكوك حول “ الاستيلاء على الأرض”. ويعزي هذه الشكوك عدم وجود قوانين دولية واضحة تنظم عملية استئجار الأراضي أو شرائها عبر الحدود، مع غياب تدقيق فعال لبنود وشروط العقود. وعليه، فإن دول الخليج تحتاج للنظر في دعم المواطنين المحليين وإدراك أن المخرجات الغذائية الفعلية من تلك الأراضي تخضع للظروف المناخية.
على الرغم من تنفيذ عمليات التعاقد الخارجي في مجال الزراعة على نحو سلس في مناطق معينة، فإن هجوم بعض المسلحين المحليين على حقول شركة النجم السعودي للتنمية الزراعية في منطقة جمبيلة، إثيوبيا، في عام 2012 هو مثال صارخ على التأثير المحتمل للمعارضة المحلية على مخرجات تلك المشروعات. لهذا تسعي بعض دول الخليج لتوسيع نطاق استثماراتها الزراعية في البلدان المتقدمة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية واستراليا، من أجل تقليل التعرض إلى مخاطر اجتماعية وسياسية لأدنى حد. ويعد شراء شركة المراعي، ذلك العملاق السعودي في مجال الصناعات الغذائية، لعدد 14000 فدانا في كاليفورنيا في كانون الثاني/ يناير 2016 من الأمثلة الحديثة على هذا النهج.
مازال الأمر يحتاج إلى اختبار فائدة وجدوي الاستراتيجيات الحديثة المعنية بعملية التعاقد الخارجي في مجال الزراعة، وذلك مقابل الطوارئ أو الأزمات الغذائية أو ظروف الطقس القاسية. في الوقت ذاته، من المهم أن تنظر الأطراف المشجعة لتلك العمليات في دول الخليج في تأثير تلك الاستثمارات على المجتمعات المحلية وأن تهدف إلى نواتج مفيدة لجميع الأطراف تتوافق مع المبادئ التوجيهية الطوعية لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) حول الإدارة المسؤولة لحيازة الأراضي. يجب أن يدرك المستثمرون أيضا المخاطر المختلفة ذات الصلة، بما في ذلك الاستقرار الاجتماعي والسياسي في البلدان المستهدفة فضلا عن الصدمات المناخية غير المتوقعة.
هذه المدونة مستمدة من الورقة التالية: مي محمود، “ المياه في قلب التحديات الأمنية والاقتصادية في الخليج العربي”، معهد دول الخليج العربي في واشنطن 2016.
إن أي آراء ترد في هذه المدونة تعرب عن وجهة نظر المؤلف ولا تعكس بالضرورة سياسات أو آراء المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية.