التحول إلى المساعدات النقدية: لماذا يتم إطلاق برامج المساعدات الغذائية، وكيف يتسنى تحسين أدائها؟
واجهت ولاية “تشاتيسغاره” (Chhattisgarh) في “الهند” تحدي جسيم في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث تعرض ما يقرب من نصف المواد الغذائية المقررة في منظومة توزيع المواد الغذائية العامة للتسريب، مما يعني عدم بلوغ المواد الغذائية إلى الأطراف المستفيدة المستهدفة. وعلى الرغم من ذلك، وبحلول عام ٢٠١٢، تمكنت “تشاتيسغاره” من القضاء على حالات التسريب تقريباً، ومضاعفة نطاق التغطية في إطار هذه المنظومة، وخفض معدل وقوع أخطاء تتسبب في استبعاد الأطراف المستحقة ليقتصر معدل وقوع الخطأ على خانة رقمية أُحادية دُنيا (أي بمعدلات ضئيلة دون العشرة في المائة).
كيف تسنى لهذه الولاية إحراز هذا التقدم؟
ساهمت الاختبارات التجريبية التي أُجريت مؤخراً وبصورة ملحوظة في تقدير التأثيرات المقارنة التي تفاضل بين نُظم المساعدات النقدية مقابل نُظم المساعدات الغذائية، مع توخي الدقة ومراعاة التفاصيل في تلك تقديرات. وعلى الرغم من ذلك، لا تُزيح هذه الاختبارات التجريبية الستار عن كيفية حدوث التغيير، علماً بأنه يجدر بنا تناول هذا التساؤل على مدار إطار زمني مُمتد، وعبر منظور واسع، ومع مراعاة مختلف الاعتبارات. وتكمن هذه الإشكالية ومحاولة استكشافها في صميم المجلدالمُحرر الصادر مؤخراً بعنوان .. “سؤال يتردد على لسان ١,٥ مليار نسمة: مواد غذائية، أم قسائم وكوبونات، أم تحويلات نقدية؟” (The 1.5 Billion People Question: Food, Vouchers, or Cash Transfers).
ويبحث هذا المجلد في مدى تطور برامج المساعدات الغذائية المحلية واسعة النطاق والقائمة على مستوى ستة بلدان مع مرور الوقت، بالإضافة إلى النظر في كيفية تطورها وذلك في حالة رصد حدوث تطور، بما في ذلك “منظومة بطاقات التموين ودعم الخبز البلدي” في “مصر”، و”المنظومة العامة الموجهة لتوزيع المواد الغذائية” في “الهند”، و”نظام توزيع الأرز لدعم الأسر” (نظام راستا) (نظام “راسكين” سابقا) في “إندونيسيا”، و”برنامج دعم الغذاء” في “المكسيك”، و”برنامج سامودهي لقسائم المواد الغذائية” في “سري لانكا”، و”منظومة المساعدات التغذوية التكميلية” (أو “برنامج قسائم المواد الغذائية” سابقاً) في “الولايات المتحدة”.
وقد شهدت بعض من هذه النُظم والمخططات تغييرات جذرية منذ تاريخ انطلاقها – على سبيل المثال، قطعت “سري لانكا” مسافة طويلة خاضت خلالها العديد من المراحل، بدءاً من استبدال “منظومة إعانات الأسعار” “بمنظومة توفير المواد الغذائية العينية المباشرة”، ثم عمدت في مرحلة تالية إلى إلغاء هذه المنظومة على أساس تدريجي والانحياز إلى منظومة القسائم الغذائية، ثم انتقلت في وقت لاحق إلى منظومة التحويلات النقدية – بينما انحسرت التغييرات التي أجرتها بلدان أخرى في نطاق ضيق مقارنة بذلك. ويرصد الشكل التوضيحي المُبين أدناه بعض من تلك المسارات.
وبناء على ذلك، ما هي النتائج التي انبثقت عن تلك الخبرات التي امتدت على مدار عقود من الزمن؟ من جملة نتائج أخرى، دعونا نُشير إلى نقطتين جوهريتين.
أولاً، لا يندرج بالضرورة توصيف البرامج باعتبارها قائمة على مساعدات غذائية أو على مساعدات نقدية ضمن قائمة محددات الأداء، وذلك من حيث نطاق التغطية ودقة الاستهداف وطائفة من الأبعاد الأخرى. وفي واقع الأمر، تسنى لبعض البلدان التي عمدت إلى تطبيق ذات المنهجية القائمة على المساعدات الغذائية العينية الارتقاء بمستوى الأداء بمعدلات ملحوظة، كما هو الحال على سبيل المثال مع “منظومة المساعدات التغذوية التكميلية” في “الولايات المتحدة” و”المنظومة العامة الموجهة لتوزيع المواد الغذائية” القائمة في بعض الولايات المستهدفة في “الهند”. وعلى الرغم من ذلك، تعذر على بعض البلدان الأخرى التي التزمت باعتماد تدابير المساعدات العينية إدخال تحسينات في تلك البرامج بمعدلات كبيرة، بما في ذلك على سبيل المثال “برنامج توزيع الأرز لدعم الأسر” (منظومة “راستا”) في “إندونيسيا”. وتسنى لبلدان أخرى انطلقت في عملية انتقالية بغرض التحول إلى منظومة القسائم الغذائية والتحويلات النقدية، جني الفوائد التي أثمر عنها هذا التوجه، بما في ذلك على سبيل المثال، “برنامج دعم الغذاء” في “المكسيك”، بالإضافة إلى البرامج المصرية إلى حد ما. وبالرغم من ذلك، وفي سياق بعض البلدان، لم يُفضي تغيير المنهجية إلى تعزيز أداء البرامج، كما هو الحال على سبيل المثال مع “سري لانكا”.
وعلى ما يبدو لا تكمن القوى الدافعة وراء التحسين في المنهجية التي يتم اعتمادها لتحويل المساعدات، بل تكمن بالأحرى في عوامل أخرى من قبيل توافر القيادة السياسية عند اجتياز المنعطفات الحاسمة، وتقديم أدلة وقرائن تتصف بمصداقيتها، وتوظيف التكنولوجيات على أساس حصيف، واتباع إجراءات مناسبة في تقديم الخدمات، واعتماد سُبل محددة تكفل مساءلة الجهات القائمة على تقديم الخدمات.
ثانياً، على نحو مُغاير لنظم التحويلات النقدية، تميل البرامج القائمة على المساعدات الغذائية إلى الاضطلاع بطائفة من المهام المتداخلة. على سبيل المثال، تعنى هذه البرامج بدعم المزارعين والمزارعات عن طريق الشراء والتوريد (هدف يتعلق بقطاع الزراعة)، ويتم الاستفادة منها في إدارة تقلبات الأسعار بناء على تدابير التخزين الاستراتيجي (هدف يتعلق بإدارة المخاطر)، كما يتم الاستعانة بها في دعم مستوى الدخل لصالح فئات المستهلكين ذوي الدخول المنخفضة (هدف يتعلق بالمساعدات الاجتماعية). وفي المقابل، ينأى الدور المُناط بالمساعدات النقدية عن طابع التعقيد ويتسم بصفة البساطة حيث تنحصر المهام التي تضطلع بها التحويلات النقدية في المقام الأولى في تقديم المساعدات الاجتماعية.
ويُفيد تعدد الأهداف باتساع نطاق الأطراف المعنية، والتعرض لمسائل شائكة على مستوى نظام الاقتصاد السياسي المعني بعمليات الإصلاح، وأرجحية ارتفاع التكاليف الناجمة. وعلى الرغم من ذلك، فإن تعدد الأهداف يقتضي أيضاً إيلاء عناية متأنية تجاه الآثار المحتملة على مستوى المنظومة بشكل عام جراء اعتماد منظومة قائمة على المساعدات النقدية، أو نتيجة الاستبدال الكامل للمنظومة القائمة على المساعدات الغذائية بمنظومة قائمة على المساعدات النقدية. ويستند هذا التوجه على حُجج دامغة ولاسيما في ضوء قدرة البلدان التي تنتمي إلى شريحة الدخل المنخفض على التصدي لقضايا تقلب أسعار الغذاء، وإمكانية الافتقار إلى الدعم السياسي والمالي من الدوائر الرئيسية في جميع السياقات القطرية.
وتُشير هذه الاعتبارات إلى الدور الهام المرتبط بشعار “الانتقال إلى المساعدات النقدية” في تحفيز برامج المساعدات الغذائية على تحسين أدائها وذلك مقابل بدائل المساعدات النقدية القائمة بالفعل أو المحتملة. ويتعين علينا أن نحرص طوال الوقت على استكشاف الفرص واقتناصها على نحو يكفل تحسين المساعدات التي يتم توفيرها مع مراعاة انخفاض تكاليفها. وعلى الرغم من ذلك، يتمثل أحد الاعتبارات الهامة الواجب مراعاتها في إطار عملية التغيير في تعدد العوامل التي تؤثر التغيير ومن ثم لا يمكن الاكتفاء برصد قرائن أو شواهد متناهية الصغر. وينطوي تحويل حافظات المساعدات الاجتماعية إلى مساعدات نقدية على نطاق واسع على مستوى البلاد على تعقيدات تتجاوز إلى حد بعيد تحويل برامج المساعدات الاجتماعية إلى تحويلات نقدية. وربما يُعزى حرص جميع البلدان تقريباً على الاحتفاظ بمزيج من المساعدات العينية والنقدية إلى هذا السبب.
تم نشر هذه المدونة على موقع مدونة البنك الدولي