تتميز منطقة “الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” بالتنوع، كما تتصف بهشاشة النظم البيئية القائمة فيها وارتفاع مستوى الاعتمادية على الموارد الهيدروكربونية. وهذا الوضع يجعل المنطقة معرضة للآثار الفيزيائية التي تنجم عن ظاهرة تغير المناخ وأيضاً التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية التي تترتب عن التدابير الرامية إلى درء ظاهرة تغير المناخ والتخفيف من حدتها. ومن هذا المنطلق، فإن التعامل الفعال مع المخاطر الناجمة عن تغير المناخ إنما يتطلب اعتماد نهج التواءم والتكيف مع هذه الظاهرة، والذي يتجاوب بشكل متزامن مع هذين النمطين من مواطن الضعف والهشاشة على حد سواء.
وفيما يتعلق بالآثار الفيزيائية، يترتب عن عدد من بلدان “منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” انبعاثات كربونية هائلة، كما تطرح الاتجاهات المتصاعدة لانبعاثات الغازات الدفيئة (التي تتسبب في الاحتباس الحراري) تحديات أمام تحقيق التنمية المستدامة. وربما تتسبب الضغوط الدولية التي تُفرض على العديد من البلدان التي تقع في منطقة “الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” بغرض حثها على الوفاء بالتزاماتها تجاه خفض الانبعاثات – في صورة مساهمات مقررة محددة وطنياً (Intended Nationally Determined Contributions) – في الإخلال بفرص التنمية الاقتصادية في المستقبل. ولقد حرصت الغالبية العظمى من بلدان “الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” بالفعل على تقديم “المساهمات المقررة المحددة وطنياً” الخاصة بها وذلك بحلول موعد إبرام “اتفاق باريس”، علماً بأن هذه المساهمات تعكس أُطر زمنية متفاوتة والتزامات متباينة، والتي تتوقف بدورها على مستوى الدعم المالي والتقني الذي يتم توفيره من جانب المجتمع الدولي.
وعلى غرار العديد من البلدان النامية الأخرى، حرصت بلدان منطقة “الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” على صياغة مساهماتها المقررة المحددة وطنياً وإدراجها ضمن السياق الواسع للتنمية المستدامة، مع توجيه الانتباه نحو مسألة “التكيف مع تغير المناخ”. وعرضت “المغرب” المساهمات المقررة المحددة وطنياً والتي تتصف بالطموح مقارنة بغيرها من مساهمات البلدان الأخرى الواقعة في المنطقة، حيث قامت “المغرب” بصياغة هدف غير مشروط ينص على خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة ١٣٪ مقارنة بتقديرات “العمل الروتيني المُعتاد” (business as usual) بحلول عام ٢٠٣٠، بالإضافة إلى اعتماد هدف صريح يُفيد بإمكانية خفض غازات الدفيئة بنسبة ٣٢٪ شريطة توافر دعم مالي خارجي بمقدار ٣٥ مليار دولار.
وقدمت “لبنان” تعهد غير مشروط بشأن تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة ١٥٪ مقارنة بتقديرات “العمل الروتيني المُعتاد” مع إمكانية خفض الانبعاثات بنسبة ٣٠٪ شريطة توافر الدعم الدولي. وبدورها، قدمت “تونس” تعهد غير مشروط بشأن تخفيض كثافة انبعاثات الكربون (الكربون لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي) بنسبة ١٣٪ بحلول عام ٢٠٣٠ مقارنة بعام ٢٠١٠، مع إمكانية تخفيض الكثافة الكربونية بنسبة ٤١٪ رهناً بتوافر دعم مالي خارجي بمقدار ١٦٢ مليار دولار. وتعهدت “الجزائر” بخفض انبعاثات غازات الدفيئة (المسببة للاحتباس الحراري) على أساس غير مشروط بنسبة ٧٪ مقارنة بتقديرات “العمل الروتيني المعتاد”، مع إمكانية تخفيض هذه الانبعاثات بنسبة ٢٢٪ على أساس مشروط بحلول عام ٢٠٣٠.
وبالإضافة إلى الأهداف المتعلقة بالتخفيف من وطأة ظاهرة تغير المناخ، تُشير “المساهمات المقررة المحددة وطنياً” التي اعتمدتها هذه البلدان إلى تدابير تتراوح بين حماية المياه الجوفية، وتطوير المياه السطحية، وإدارة الطلب، وتوفير نُظم الرصد بغرض معالجة مسألة تآكل التربة، وتعزيز النظم الإيكولوجية.
وتعهدت كل من “مصر”، و”عمان”، و”السودان” “بمساهمات مقررة محددة وطنياً” والتي ترتهن بمدى توافر المساعدات الدولية، وذلك من حيث إتاحة الموارد المالية، وبناء القدرات، ونقل التكنولوجيا. وعرضت بلدان “مجلس التعاون الخليجي” “مساهمات مقررة محددة وطنية” ينصب تركيزها بشكل كبير على المكاسب المشتركة والفوائد المتبادلة التي تتحقق من خلال “التكيف” و”التخفيف” عن طريق التنوع الاقتصادي. وتُحدد “المساهمات المقررة المحددة وطنياً” التي تم عرضها من قبل هذه البلدان إجراءات ومشروعات تتعلق بكفاءة استخدام الطاقة وتوسيع نطاق استخدام الطاقة المتجددة، مع التأكيد على الاحتياج إلى نقل التكنولوجيا بغرض التعاطي مع مجالات الزراعة، والأمن الغذائي، وحماية البيئات المائية، وإدارة المياه والمناطق الساحلية.
وتتمثل العوامل الرئيسية التي تُسهم في تلافي وتخفيف الانبعاثات والتي تم إدراجها ضمن المساهمات المقررة المحددة وطنياً من قبل بلدان “منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” في توسيع نطاق موارد الطاقة المتجددة، وتعزيز كفاءة استخدام الطاقة، والتحول من خليط الوقود إلى الغاز الطبيعي. وعلاوة على احتياطات المواد الكربوهيدرونية، تتميز منطقة “الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” بتوافر الإمكانات التي تكفل لها توسيع نطاق مصادر الطاقة المتجددة، ولاسيما الطاقة الشمسية، وزيادة معدل استخدامها.
وعلى الرغم من الاختلافات القائمة بين بلدان المنطقة، من حيث إتاحة الموارد وتوافر البنية التحتية، يبدو أن التحول نحو انتاج الطاقة النظيفة يكتسب الزخم على مستوى المنطقة، انطلاقاً من أسباب تتعلق بالقدرة التنافسية على توليد الطاقة الشمسية، والحفاظ على احتياطات المواد الكربوهيدرونية، وصون البيئة، وتحقيق أمن الطاقة، والتمتع بمكانة استراتيجية على مستوى المنطقة.
وبالإضافة إلى ما سبق، اقترن النمو في القدرة على توليد الطاقة المتجددة بتطورات في أُطر السياسات، وفي القدرات المؤسسية، وفي عمليات إصلاح الأسعار، وفي هياكل السوق القائمة في قطاع الطاقة. وتحتل “المغرب” و”مصر” و”تونس” و”الإمارات العربية المتحدة” صدارة القائمة بين بلدان المنطقة وذلك من حيث التوسع في نطاق مصادر الطاقة المتجددة.
وعلى النقيض من الفرص المتاحة والتطلعات التي تطمح البلدان إلى تحقيقها فيما يتعلق بانتشار استخدام مصادر الطاقة المتجددة، هناك تحديات واضحة تواجه الجهود الرامية إلى التوسع في توليد الطاقة المتجددة وزيادة حصتها وصولاً إلى المستويات الموضحة في “المساهمات المقررة المحددة وطنياً” على مستوى العديد من بلدان منطقة “الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”. وتشتمل بعض الأمثلة التي تُدلل على هذا الوضع على “المغرب”، والتي تعهدت بزيادة مساهمة توليد الطاقة المتجددة إلى نسبة ٤٢٪ من إجمالي توليد الكهرباء بحلول عام ٢٠٢٠؛ وكذلك “تونس” التي تعتزم رفع حصة مصادر الطاقة المتجددة في إجمالي توليد الكهرباء من المستوى الحالي عند نسبة ٤٪ إلى نسبة ١٤٪ بحلول عام ٢٠٢٠؛ وأيضاً “الجزائر”، والتي أبدت الالتزام بتكثيف مساهمة مصادر الطاقة المتجددة في إجمالي توليد الكهرباء إلى نسبة ٢٧٪ بحلول عام ٢٠٣٠.
وتنطوي التحديات الرئيسية التي تعترض مسار تحقيق هذه الخطط الطموحة القصيرة الأمد التي تهدف إلى تيسير التحول نحو توليد القدرة الكهربائية المنخفضة الكربون على مستوى المنطقة بعدم توافر البنية التحتية اللازمة لتيسير التحول، وانقطاع إمدادات الطاقة، وقصور ترتيبات التخزين، بالإضافة إلى العوامل الاقتصادية، ونقص اللوائح التنظيمية المواتية والمؤسسات الداعمة لهذا الغرض.
ويُبرز هذا التحليل أهمية رصد الانبعاثات الكربونية والتداعيات الناجمة عنها والتي تؤثر على التحول نحو مستقبل منخفض الكربون. ومن الضروري أن يتعرف صانعو السياسات على الاتفاقات التي تم توقيعها وعلى المؤسسات التي تُشكل جزءاً لا يتجزأ من إطار السياسات الرامية إلى التكيف مع تغير المناخ والتي يتم إنشائها بما يتماشى مع بنود “اتفاق باريس”، بالإضافة إلى القرارات التي جرى اتخاذها في اجتماعات دولية سابقة بشأن ظاهرة تغير المناخ، وذلك في كل من “كيوتو” و”بالي” و”كانكون” و”كوبنهاغن” و”ديربان”.
وعلى وجه التحديد، يتعين على صانعي السياسات مراعاة الالتزامات المناخية التي تم التعهد بها من قبل فرادى البلدان وأيضاً على مستوى المنطقة في مجملها وفقاً لما ورد في “المساهمات المقررة المحددة وطنياً”. وتضطلع أدوات السياسات القائمة على مستوى السوق بدور رئيسي في السعي نحو تحقيق الأهداف المرتبطة بالتصدي لظاهرة المناخ في المنطقة، إلا أن الاستخدام النسبي لتلك الأدوات بالإضافة إلى الأدوات غير السوقية يختلف من دولة إلى أخرى على حسب الهياكل الاقتصادية القائمة فيها. ويمكن أن تُسهم الإصلاحات الضريبية المواتية للبيئة بدور رئيسي في الارتقاء بالجوانب الاقتصادية المرتبطة بسياسات خفض انبعاثات الكربون على المستوى المحلي.
تم اقتباس هذه المدونة من البوابة الالكترونية لمنتدى البحوث الاقتصادية (ERF Policy Portal) – المنتدى.