قد لا يبدو الأمن الغذائي من الأولويات خلال الصراعات الحالية، ولكن من الأهمية أن تغتنم المنطقة الفرصة لتحسين الاستفادة من موارد المياه النادرة لمواجهة التحدي الطويل الأجل لاستقرار المنطقة.
وفي الوقت الذي تكافح فيه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أجل التغلب على الصراعات الجارية، من الأهمية أيضا أن تراقب المنطقة تحديات طويلة الأمد أمام الاستقرار كالأمن الغذائي لتجنب “فقدان السلام”. وفي مواجهة المآسي الإنسانية التي تتكشف عنها الحروب الأهلية في كل من سوريا وليبيا واليمن من الصعب التركيز على التهديدات الناشئة وغير التقليدية، إن لم يكن الرد عليها. فهي تشكل تهديدا كبيرا لمستقبل المنطقة، ويمكن أن تؤدي في النهاية إلى تقويض أي مكاسب أمنية. والخبر السار هو أنه عندما يتعلق الأمر بالأمن الغذائي، توجد تدابير يمكن اتخاذها الآن لتحقيق فائدة عاجلة في حين تسهم في الاستقرار على الأجل الطويل.
وفي كتاب حديث بعنوان التهديدات الأمنية الناشئة في الشرق الأوسط، تم تحديد الأمن الغذائي والمائي وأمن الطاقة والهجرة على أنها قضايا ستزداد أهمية. وبما أن المنطقة العربية تستورد أكثر من 50% من السعرات الحرارية التي تستهلكها، حيث أنها تعتبر أكبر مستورد للقمح في العالم، فإن الأمن الغذائي له صداه. فليس من المستغرب أن تتجاوز المنطقة التعريف الشائع للأمن الغذائي وتربطه بالأمن القومي. ففي أعقاب أزمة أسعار الغذاء 2008-2009 انضم أربعة ملايين شخص الى قائمة الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية في المنطقة العربية. وفي بلد كاليمن، تم استخدام مخزونات البذور قبل عام من الموعد المقرر، مما يعرض الأمن الغذائي المستقبلي للخطر. واليوم، يهدد الجوع وسوء التغذية اليمن مرة أخرى بعد أن تفاقما بسبب الصراع.
وحتى المناطق الأكثر ثراء، مثل دول الخليج، يتزايد اعتمادها على الأسواق العالمية لتلبية احتياجاتها الغذائية. وهذا يضعها في خطر طويل الأجل، حيث أصبح النظام العالمي لتجارة الأغذية أقل موثوقية. وفي الواقع، وكما أشار إيكارت ويرتز، فإن بلدان الخليج أصبحت أكثر حذرا من خطر انقطاع الإمدادات الغذائية. ولذلك، اختارت دول الخليج التوجه إلى عمليات الاستحواذ على الأراضي في الخارج لتعزيز أمنها الغذائي والحد من الاعتماد على الأسواق العالمية.
الغذاء والماء - دراسة الفرص المتاحة في المنطقة
لكن ليس لدى جميع بلدان المنطقة الموارد اللازمة للاستثمار في حيازة الأراضي، كما أنها لا تحتاج إلى ذلك. هناك حلول أخرى. ففي حين أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تسجل أدنى نصيب للفرد من المياه المتاحة في العالم، فإن لديها أدنى معدل إنتاجية المياه. وهناك مجال لتحسين طريقة إدارة الموارد المائية. وينطبق هذا بشكل خاص على الإمكانات الكامنة في إعادة استخدام المياه العادمة. فالمنطقة الآن تعيد استخدام أقل من 20% من مياه الصرف الصحي (كما هو موضح في الشكل أدناه). وكما ذكر في تقرير صدر مؤخرا، فإن هذا المستوى المنخفض يمثل فرصة. فمن شأن تعزيز إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة أن يكون مفيدا بشكل كبير لتأمين إمدادات ثابتة من المياه للزراعة التي تستهلك حصة الأسد من الموارد المائية.
يعتبرالابتكار التكنولوجي والاستثمار عاملان مهمان أيضا ولكنهما ليسا كافيين على الإطلاق. ويُساء تقدير أهمية التركيز على إدارة المياه. ويشمل ذلك إصلاح نظم الإعانات المقدمة لمياه الزراعة والتي تشجع في الوقت الحاضر إهدار كميات كبيرة فضلا عن إدارة الطلب على المياه.
تاريخيا، ركزت بلدان المنطقة على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء على المستوى الوطني. وفي حين أن زيادة الإنتاج الزراعي الوطني أمر هام، ليس أقلها لأن قطاعات كبيرة من السكان تعتمد بشكل مباشر أو غير مباشر على هذا القطاع من أجل كسب رزقهم، فإنها غالبا ما تكون غير كافية لتوفير الأمن الغذائي المستدام. ويتطلب الأمن الغذائي في الأجل الطويل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا - وبالفعل الاستقرار الطويل الأجل - نهجا شاملا يشمل الإدارة الفعالة لموارد المياه، والإنتاجية الزراعية المستدامة، وتجارة المنتجات الزراعية، وضمان الغذاء الكافي المغذي بأسعار ميسورة لجميع الناس.
وبالنظر إلى أهمية الأمن الغذائي لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل، فإنه من المهم أن تركز أي عملية لإعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع على العوامل العديدة التي تسهم فيه. فإلى جانب تحسين إدارة المياه، فإن فرص الدخل وشبكات الأمان الاجتماعي الفعالة تتسم بنفس القدر من الأهمية. فبدونها، لن يتمكن الناس من تحقيق الأمن الغذائي، مما يخلق مصدرا للإحباط يمكن أن يؤدي إلى تجدد الاضطرابات. ومع القلق بشأن سبل ضمان إمدادات الغذاء، فإن الحكومات بحاجة أيضا إلى ضمان حصول الناس على وسائل الوصول إليها. إن معالجة هذه المجموعة من العوامل أمر بالغ الأهمية لبلدان المنطقة. وبالنسبة للبلدان الخارجة من الصراع، سيكون استثمارا حاسما لضمان ترسخ السلام.