تسود نظم الري واسعة النطاق (LSIS) المملوكة للدولة في دول الشرق الأوسط وغرب وجنوب آسيا. تضم هذه النظم 130 مليون هكتارعالمياً من إجمالي 320 مليون هكتار من المساحات المروية في العالم، وهي ليست بأصول أو استثمارات قليلة.تقدر القيمة الاقتصادية السنوية لإنتاج المحاصيل الرئيسية باستخدام تلك النظم عالمياً بنحو 355 مليار دولار أمريكي. ولوضع هذا في السياق الصحيح، فإن هذا المستوى من الناتج الاقتصادي يعادل سادس أكبر شركة في العالم مصنفة حسب الإيرادات في “قائمة فوربس جلوبال 2000 “ في أيار/ مايو 2014 ( متجاوزة مجموعة فولكس واجن، وتويوتا، وبيتروالصين، ولكن في مرتبة أقل من شركة بريتيش بتروليوم). من الواضح إغفال الأهمية الاقتصادية لنظم الري واسعة النطاق كأحد الاصول الوطنية رغم أنها تحظى بوضع اقتصادي يعادل الشركات الكبيرة.
هناك جانب مظلم في تلك النظم والزراعة المروية ككل، آلا وهو الملوحة، إن مجرد ذكر هذه الكلمة يبث الرعب في أذهان القائمين بالري والمزارعين. إن المنهج العام المتبع في التعامل مع الملوحة هو أن الملوحة من النتائج المقبولة للزراعة المروية، وخاصة حينما تمارس في المناطق القاحلة وشبه القاحلة. علاوة على ذلك، فإن الاستغناء عن الأرض أو الأكثر شيوعاً هجر الأرض المرتبط بالتملح يمثل نقصاً كبيراً في الاستثمارات في البنية التحتية المطلوبة لتجهيز منطقة لتوصيل المياه. من المنطقي من الناحية الاقتصادية إعادة تلك المناطق المالحة إلى إنتاج الغذاء.
على الصعيد العالمي، يُقدر أن 34 مليون هكتار قد تأثرت حالياً بالملوحة مما يمثل 11% من إجمالي المساحة المروية المجهزة؛ كما يُقدر أن 1.5 مليون هكتار من الأرض الصالحة للزراعة تفقد بسبب الملوحة إضافة إلى 11 مليار دولار أمريكي قيمة ما يفقد بسبب التوقف عن الإنتاج. لكن، ماذا لو عادت تلك الأراضي مجدداً إلى إنتاج الغذاء؟ مع افتراض عائد معتدل من القمح يبلغ 4 أطنان لكل هكتار سنوياً، فإن الإنتاج المحتمل سيبلغ 136 مليون طن من الحبوب أو ما يقرب من 20% من الإنتاج العالمي للقمح. من شأن ذلك أن يساهم بشكل فعال وكبير في الأمن الغذائي العالمي وعلى وجه الخصوص في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
من بين الخيارات المتاحة حالياً للحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المعنية بضمان الأمن الغذائي الوطني هو الاستثمار في إعادة تأهيل تلك الاراضي. من خلال بنود وشروط مواتية، يمكن حث هذه البلدان على الاستثمار في إعادة تأهيل الأراضي المالحة المهجورة أو ضعيفة الإنتاج خارج حدودها مقابل تأمين الإنتاج الغذائي من تلك الأراضي. على سبيل المثال، دول آسيا الوسطي مثل أوزبكستان، وتركمانستان، و طاجيكستان، مع العراق، لديها نظم الري واسعة النطاق بمساحات كبيرة من الأراضي المروية المالحة. إن هذا المفهوم من شأنه أن يعود بالنفع على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حيث أن الامن الغذائي مكفول، في حين أن البلدان التي لديها أراضي مروية مالحة سوف تستفيد من إعادة تأهيل الأصل ومع مرور الوقت سوف تحصل على منافع عن طريق الأراضي المُعاد تأهيلها.
هناك منافع واضحة سوف تستحق عند تنفيذ هذا النهج الذي يتجاوز مجرد الأمن الغذائي. إن إعادة تأهيل هذه الأراضي سوف يحد من التوسع الأفقي للزراعة، و” الاستيلاء على الأراضي”، و ترحيل الناس، والتكاليف الإضافية عند وضع خطط ري جديدة والبنية التحتية المرتبطة بذلك من أجل توصيل المياه ونقل المُنتج إلى الأسواق. وسوف يدعم هذا النهج صغار المزارعين الذين غالبا ما يهيمنون على نظم الري واسعة النطاق؛ ومن شأن هذا النهج أن يوفر فرصًا اقتصادية وسوقية؛ ويوفر فرص عمل؛ ويعيد الخدمة البيئية الإيجابية التي يوفرها نظام الري واسع النطاق.
بينما يوجد استثمار مالي في عملية إعادة التأهيل، فإن التكلفة سوف تتباين حسب النهوج المستخدمة. إضافة لذلك، من خلال إعادة نظم توصيل المياه السطحية تبرز فرص تقديم نهوج لتحسين إدارة المياه والممارسات الزراعية التي توفر المياه وتزيد الإنتاجية. على سبيل المثال، إن نهج ميكنة الأحواض المرتفعة إضافة إلى الممارسات الزراعية المرتبطة بذلك التي تم تجربتها بنجاح وتوسيع نطاقها في مصر أدى إلى توفير المياه بنسبة 25% مع زيادة كبيرة في المحصول. حان الوقت للنظر بجدية في إعادة تأهيل الأراضي المالحة بداية بدراسات الجدوى. إن معهد إستكهولم للبيئة على استعداد للتعاون مع آخرين لتحقيق ذلك.