إعداد: - د. شيرين الشواربي، مساعد العميد، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة
عبر الكثير من الاضطرابات وفترات الاستقرار، أعطى صانعوا السياسات في مصر الأولوية لاستمرار دعم الغذاء في محاولة لتحقيق المساواة الاجتماعية والاستقرار السياسي. يضم الكتاب الصادر مؤخراً عن البنك الدولي تحت عنوان “سؤال يتردد على لسان 1,5 نسمة: مواد غذائية أم قسائم أم تحويلات نقدية؟” فصلاً عن التطور والإصلاحات الأخيرة في عملية تطبيق منظومة الدعم التمويني في مصر. وبصفتي أحد الخبراء المصريين الذين عملوا لسنوات طوال على جوانب عدة من منظومة دعم الغذاء في مصر، قام زملائي السابقون بالبنك الدولي بدعوتي للمشاركة في كتابة الفصل مع استاذ مصطفي عبد الله، أخصائي أول في الصحة بالبنك الدولي. يتضمن الفصل عدة تفاصيل مثيرة للاهتمام حول الكثير من التغيرات التي استحدثت على النظام على مر السنين منذ الخمسينيات. غير أن هذه المدونة تركز على الإصلاحات .الجوهرية في بداية عام 2014، مع نية التحول من نظام عيني إلى نظام قائم على القسائم
لماذا تعد هذه الإصلاحات إصلاحات جذرية؟
رغم استفادة الإصلاحات الجديدة من مشروعات تجريبية سابقة، واتباع التدابير المُوصى بها فيما سبق لتحويل دعم الغذاء في اتجاه نهاية سلسلة التوريد، فإن تلك الإصلاحات تمثل نقلة نوعية من التدابير التقليدية التي اعتادت الحكومة اعتمادها. حتى ذلك الوقت، فإن الإصلاحات سوف تتضمن تغيير قواعد الاستحقاق أو التسجيل ببطاقات التموين، مع تقديم بطاقات تموين بقيم أقل للمستفيدين الميسورين الحال نسبياً، وتخفيض عدد و/أو وزن بنود البطاقة التموينية وزيادة أسعارها بشكل تدريجي. فيما يتعلق بالعيش البلدي، فقد تضمنت الإصلاحات تقليل الحجم والوزن و/ أو تغيير مكونات الرغيف.
اشتملت الحزمة الجديدة من الإصلاحات على جوانب مميزة للمرة الأولى:
• استبدال حصص السلع المدعمة بمخصصات نقدية شهرية بدأت بمبلغ 15 جنيها للفرد في الشهر (حوالي دولارين) مع زيادة تدريجية ليصل المبلغ إلى 50 جنيها في منتصف عام 2017 (2.8 دولار أمريكي، مع أخذ خفض قيمة العملة في الحسبان).
• التحول من دعم قائم على المدخلات لدعم قائم على المخرجات. وعليه حُددت أسعار السوق بالنسبة للعيش البلدي وبنود بطاقة التموين، وقامت الحكومة بدعم المستهلكين المستحقين فقط.
• وضع حد أقصى لعدد الأرغفة لكل فرد: 5 أرغفة للفرد في اليوم (أو ما يعادل ذلك من الدقيق في محافظات مختارة). ويقصد بذلك دعم شهري مقداره 45 جنيها للفرد ( حالياً 2.5 دولاراً أمريكياً)، حيث ثبت سعر السوق للعيش البلدي عند حوالي 35 قرشاً للرغيف.
• دمج منظومة الدعم، من خلال إنشاء نظام حوافز قائم على النقاط مما يسمح للمستفيدين باستخدام الوفورات من استهلاك العيش البلدي ( 10 قروش- ما يعادل 0.6 سنت- لكل رغيف لم يشترى) لشراء سلع في ظل نظام بطاقات التموين.
حسناً، ولكن هل تؤدي تلك الإصلاحات لأي نتائج إيجابية؟
نعم، هناك الكثير من النتائج الإيجابية:
لقد حولت الإصلاحات المستفيدين من الدعم في مصر إلى مستهلكين بالسوق، يمكنهم تعظيم منافعهم حسب احتياجاتهم وتفضيلاتهم كمستهلكين. إن المستفيد من بطاقة التموين يمكنه شراء أي كمية من أي من البنود المتاحة في أي محل بقالة في أي وقت خلال الشهر. ولقد سمح ذلك، مع دمج برنامجي العيش البلدي وبطاقة التموين، بزيادة بنسبة 30% في التنوع الغذائي للمستفيدين.
لقد تحولت المخابز ومحال البقالة إلى منافسين في السوق لديهم حافز لتحسين الكفاءة والفعالية. ولقد حال هذا دون التسرب للسوق السوداء، وشجع ذلك المخابز ومحال البقالة على تلبية معايير جودة معينة لزيادة مبيعاتهم وبالتالي أرباحهم. إن القمح غير المطحون لم ينخفض فقط من 15% إلي حوالي 8%، بل إن عدد مخالفات المخابز المُبلغ عنها فيما يتعلق بالأرغفة ناقصة الوزن ومواصفات الرغيف قد انخفض في عام 2015 إلى أقل من ثلث مستوياتها قبل الإصلاحات، كما تقلصت الطوابير الطويلة أمام المخابز.
لقد أدى نظام النقاط إلى وفورات سنوية تقدر بنحو 11 مليار جنيه مصري في العام المالي 2016 (أو 1.35 مليار دولار أمريكي).
تضمن النظام الجديد شمولاً مالياً واسع النطاق. دفع ذلك ما يزيد عن 25,000 مخبزاً و25,000 من محال البقالة إلى فتح حساب مصرفي للتسوية المالية لمبيعاتهم.
ولقد ساعدت تلك الإصلاحات على إتاحة قدرة أكبر على التفاوض لوزارة التموين والتجارة الداخلية والجهات التابعة لها في سوق السلع وذلك بسبب سلسلة التوريد الجديدة الأيسر. ولقد مكن ذلك الشركة القابضة للصناعات الغذائية من منح خصومات كبيرة لمحال البقالة المشمولة بنظام الدعم التمويني (تصل إلى 15%)، مما يساعد على جعل أعمالهم مربحة.
إن كل هذه النتائج الجيدة لم تكن لتتحقق دون الاستفادة من البراهين والفرص الجديدة التي يوفرها التقدم التكنولوجي؛ حيث أدى استخدام التكنولوجيا الحديثة إلى تغيير مسألة المساءلة والإشراف على توفير الدعم، مما يحقق مكاسب كبيرة فيما يتعلق بالكفاءة. لقد حقق النظام قدراً أكبر من “التخصيص” والقدرة على رصد كل المعاملات المالية للمخابز، وكذلك الاستهلاك اليومي لجميع المستفيدين من العيش البلدي ونقاط التوفير المستحقة، والاستهلاك في ظل بطاقات التموين، وتخزين القمح في الصوامع والشون.
وعليه، هل نجحت المهمة وهل المنظومة كاملة؟
إن الإصلاح عملية ديناميكية. غير أن هناك الكثير من التحديات التي يجب أن تواجهها المنظومة في الفترة القادمة:
.رغم بعض المحاولات، فإن النظام يظل في الأساس نظاماً عاماً؛ يمتنع، على الأقل حتى الآن، عن استخدام التكنولوجيا وصولاً إلى استهداف مناسب بدرجة أكبر مما يجعل النظام متدرجاً على نحو أكبر، مع الحفاظ على التماسك الاجتماعي
.لم تتغير قيمة محددات النظام رغم الزيادة في أسعار السلع كافة. إن النظام الآن يقدم الدعم السلعي ودعم القسائم. يجب أن يتجنب هذا النظام بصورة تلقائية الأسعار التفاضلية لكل البنود المشمولة بالنظام
.يجب توافر معاير مرجعية واضحة لحماية المنافع الحقيقية للمستهلك دون الإضرار بالوضع المالي
.تبرز الحاجة للاستفادة القصوى من التكنولوجيا الذكية المتاحة من التتبع اللوجيستي من أجل متابعة أفضل لكل خطوة في سلسلة التوريد. ويتطلب ذلك توفير بطاقات ذكية أكثر أمناً وتتناسب بشكل أكبر مع المتطلبات الفردية، مثل القياسات الحيوية
.من المهم تحسين المكون التغذوي للنظام عن طريق اعتماد برنامج وطني مستدام مُدرج في الموازنة لتدعيم العيش البلدي، وترسيخ الوعي التغذوي بأهمية تنوع الغذاء في البرنامج