إعداد: - مارغريتا أسترالاغا، مدير شعبة المناخ والبيئة، الصندوق الدولي للتنمية الزراعية
February 11, 2018
توفر المناطق الجبلية التي تقع في سلاسل جبال أطلس المتوسط في المغرب ظروف مثالية تصلح لزراعة أشجار الفاكهة والجوز والبندق عالية القيمة، والتي بمقدورها أن تنمو في التربة الضحلة وعلى سفوح التلال والمنحدرات، كما يمكنها أن تززدهر في ظل الأوضاع المناخية القاسية التي يتصف بها الإقليم. وعلى الرغم من ذلك، اعتاد صغار المزارعين والمزارعات زراعة محاصيل الحبوب والبقوليات في أراض تعتمد على الري بمياه الأمطار بما يكفي لتلبية احتياجات المعيشة، بالرغم من تدني العائدات الواردة منها وارتفاع معدل تعرضها لتقلبات تؤدي إلى صعوبة التكهن بها جراء ظاهرة تغير المناخ (يرجى الإطلاع على الشكل الأول (١)، والذي يبين اتجاهات تصاعد درجات الحرارة وانحسار معدل هطول الأمطار، ولكن مع تزايد معدل تواتر هبوب العواصف). وفي سبيل دعم "مخطط المغرب الأخضر" (Plan Maroc Vert) الذي اعتمدته الحكومة المغربية، حرص "الصندوق الدولي للتنمية الزراعية" (إيفاد) على تمويل "برنامج التنمية الريفية في المناطق الجبلية" بغرض زيادة معدلات الربحية ودعم المرونة وقابلية التكيف لدى مشروعات المزارع الصغيرة في كل من إقليم "صفرو" وإقليم "أزيلال" وتوسيع رقعة زراعة الأشجار بمعدل يتجاوز ألفي (٢٠٠٠) هكتار، يتم تنويعها بين أشجار التفاح والبرقوق والجوز والبندق واللوز والخروب.
شكل رقم (١): متوسط درجات الحرارة وأنماط هطول الأمطار السنوية في إقليم "صفرو"
وفي كل مجتمع مستهدف، يجري تحديد الحزمة التقنية (الفنية) التي يتم تعزيزها من قبل "برنامج التنمية الريفية في المناطق الجبلية" في إطار من الشراكة مع منظمات المزارعين المحليين، وخدمات الإرشاد الزراعي الحكومية، وطاقم عمل المشروع. وتحتوي "حقيبة أدوات" المشروع على مزيج من التكنولوجيات التوافقية التي يتم تطويعها بما يتلاءم مع الاحتياجات القائمة. ويسهم نظام الري بالتنقيط، على سبيل المثال، في الحفاظ على الموارد المائية المتناقصة، كما يصلح أيضا للإيفاء بأغراض زراعة أشجار الفاكهة، ومنها على سبيل المثال أشجار التفاح والبرقوق، والتي تتمتع بقيمة اقتصادية مرتفعة تكفي لموازنة التكاليف الرأسمالية المرتبطة بهذا النظام. وينطوي تطبيق نظام الري بالتنقيط على مقومات تكفل إمكانية إحداث تغييرات جذرية. فقد تتحول المساحات الطبيعية التي تغلب عليها زراعة الحبوب وتربية الماشية، على مدار الوقت وبشكل تدريجي، إلى بساتين فاكهة ضمن مزيج من الانتاج المتنوع والموجه نحو تلبية متطلبات السوق.
وفي جمعية "أية سباع" التعاونية، الواقعة في إقليم "صفرو"، تم إنشاء مدرسة حقلية زراعية بهدف تدريب مزارعي أشجار التفاح على استخدام نظام الري بالتنقيط وتقنيات ترشيد إدارة مكافحة الآفات. وسعيا إلى توفير فرص عمل، ولاسيما لصالح المرأة، يوفر المشروع منحة مناظرة يتم تخصيصها لإنشاء وحدة تخزين بالتبريد وتجفيف الفاكهة (trefrigerated storage and fruit transformation uni). وتتيح ترتيبات التخزين بالتبريد وتجفيف الفاكهة الخيار أمام المنتجين بالمناطق الريفية للاحتفاظ بالانتاج لغرض التسويق لحين توافر فرص البيع بأسعار مواتية، وهو ما يمثل أهمية خاصة بالنسبة لفاكهة التفاح، نظرا لانخفاض أسعار البيع بالمزارع إلى النصف في موسم الحصاد. وفي جمعية "بوجيرينا" التعاونية، والتي تقع بدروها في إقليم "صفرو"، تم إدخال وحدة مبتكرة لتجفيف فاكهة البرقوق والتي تدار بواسطة بذور الزيتون المطحونة، وهو ما ساهم في خفض تكاليف التشغيل وتقليص انبعاثات الغازات الدفيئة من هذه الوحدة بمعدلات جذرية.
وفي جمعية "سيدي أحمد بن إدريس" التعاونية، التي تقع في إقليم "أزيلال"، عمد المشروع إلى تدريب وتجهيز مجموعة من الشباب لانتاج قوالب الوقود باستخدام البذور المطحونة ولب الثمار، وهو ما يعد بمثابة منتج ثانوي لعملية استخلاص الزيوت. وساهمت هذه الوحدة التي تتميز بطابع البساطة وسهولة التكرار في توفير ثلاث فرص عمل دائمة، وفي خفض كمية المخلفات الناجمة عن استخلاص الزيوت، وفي تزويد المدارس المحلية، والسكان المحليين في نهاية المطاف، بخيار بديل عن الحطب للإيفاء بأغراض التدفئة والطهي.
وفي المواقع التي تتوفر فيها نظم الري السطحي التقليدي، يحرص المشروع على ضخ استثمارات لخفض معدل الهدر. وفي منطقة مستجمعات المياه التي تقع في إقليم "سليلو"، على سبيل المثال، يجري ترميم القنوات على امتداد تسعة آلاف (٩٠٠٠) متر، مع تبطينها بالخرسانة. وسعيا إلى ضمان الاستدامة والعدالة في إدارة مصادر الري، عمد المشروع إلى إنشاء إجمالي أربعة وعشرين (٢٤) جمعية لمستخدمي الموارد المائية الزراعية مع تزويدها بدورات تدريبية بما يكفل تشغيل هذه الأنظمة وإدارتها على النحو الملائم.
وبالإضافة إلى ما تقدم، تمكن المشروع من إحراز "مكاسب سريعة"، وهو ما يشكل التحدي الفعلي عند التعامل مع محاصيل الأشجار التي تتطلب في المعتاد العديد من السنوات قبل الانتقال إلى مرحلة الانتاج. وفي إقليم "أزيلال"، تم تطعيم إجمالي ستة عشر ألف (١٦٠٠٠) شجرة من أشجار الخروب البري الذكورية، والتي تتصف بمحدودية الإمكانات الانتاجية، بأجزاء أنثوية، بما أتاح الفرصة أمام تحقيق زيادة ملحوظة في معدل الانتاج في غضون عام واحد من التشغيل. وبالمثل، تم تقليم وتسميد إجمالي عشرة آلاف (١٠٠٠٠) شجرة من أشجار اللوز، كما تم تجهيز الأرض المجاورة لها بشكل مباشر بغرض تعزيز نفاذ المياه إليها. وتجدر الإشارة إلى أن عملية تقليم شجر الجوز قد أثارت تساؤلات في بداية الأمر من جانب بعض الأطراف المستفيدة (ألا تنتج الأشجار الصغيرة كميات صغيرة من الجوز؟). ومن هذا المنطلق، قرر المشروع توزيع العمل على مراحل، بما يتيح الفرصة أمام المستفيدين لمعاينة الفوائد التي تترتب عن تقليم عينة من الأشجار وذلك قبل تعميم هذه العملية.
وعن طريق تصنيف التدخلات الربحية، بما في ذلك على سبيل المثال تلك المشار إليها أعلاه، يأمل المشروع أن يتمكن من تيسير إعادة تطبيق المنهجيات التي تدر الربح والتي تتميز بكفاءة استخدام الموارد عبر كافة جوانب "مخطط المغرب الأخضر".
ولقد شهد الشباب المغاربة بالمناطق الريفية، في إطار مقابلات شخصية أجراها فريق استعراض أداء المشروع في منتصف المدة في نوفمبر/ تشرين الثاني عام ٢٠١٧، بأنه وفي حالة أن انصب تركيز الحياة في المزارع على إدارة الموارد المتاحة بشكل رشيد وعلى تشغيل الأعمال التجارية بشكل حصيف، عوضا عن العمل الشاق والمضني، فإنهم على أهبة الاستعداد للإبحار في مثل هذه الرحلة.