إعداد: - ريما الأعزر، مسؤول أول في مجال الموارد الطبيعية، منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة
February 25, 2018
تعد الزراعة الذكية المواتية للمناخ بمثابة نهج يسهم في إطلاق حلول مستدامة في قطاعات الزراعة التي تتأثر جراء ظاهرة تغير المناخ بهدف تحقيق الأمن الغذائي وضمان التغذية السليمة. ولقد خضع الدليل المرجعي المعني بالزراعة الذكية المواتية للزراعة، والذي صدر في بداية الأمر عام ٢٠١٣، لعملية استعراض شامل امتدت على مدار عامين. وبالتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي للزراعة وأثناء انعقاد الدورة الثالثة والعشرين لمؤتمر الأطراف، أطلقت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة الإصدار الثاني المرتقب من الدليل المرجعي على نطاق واسع، وذلك في صورة منصة الكترونية تفاعلية تنطوي على موضوعات متكاملة ومحدثة ، إلى جانب خمس وحدات إضافية جديدة.
يضم الدليل المرجعي المعني بالزراعة الذكية المواتية للمناخ مجموعة واسعة من المعارف والخبرات المتخصصة ذات الصلة بمفهوم الزراعة الذكية المواتية للمناخ بهدف النهوض بالقدرة على إرشاد صانعي السياسات، وقيادات البرامج، والخبراء القطاعيين، والأساتذة الأكاديميين، والعاملين في مجال الإرشاد الزراعي، بالإضافة إلى الأخصائيين التنفيذيين على نحو يكفل تحقيق المزيد من الاستدامة والانتاجية في إطار القطاعات الزراعية (زراعة المحاصيل، وتربية الثروة الحيوانية، وتنمية مصايد الأسماك، وزراعة الغابات)، إلى جانب التصدي للتحديات الناجمة عن ظاهرة تغير المناخ وتحقيق الأمن الغذائي.
وقبل الشروع في تحديث الدليل المرجعي، حرصت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة على التواصل مع كافة الأطراف الحالية والمحتملة المعنية باستخدام الدليل المرجعي المعني بالزراعة الذكية المواتية للمناخ عن طريق إجراء تحليل استقصائي يهدف إلى تحديد الموضوعات ذات الاهتمام التي تغيب عن الدليل المرجعي في الوقت الراهن بالإضافة إلى الوقوف على الاحتياجات المعلوماتية الرئيسية الواجب إدراجها في النسخة المحدثة من الدليل المرجعي والتوقعات المرتبطة بتحديث الدليل. وبناء على النتائج التي أسفر عنها التحليل الاستقصائي، شرعت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة في تصميم خمس وحدات جديدة؛ وهي على وجه التحديد، التكيف مع ظاهرة تغير المناخ والتخفيف من التأثيرات الناجمة عنها، ونظم الانتاج المتكاملة، ودعم المنتجين في المناطق الريفية بالمعارف المرتبطة بالزراعة الذكية المواتية للمناخ، والدور المناط بالجنسين في مجال الزراعة الذكية المواتية للمناخ، ونظرية التغيير الداعمة لنهج الزراعة الذكية المواتية للمناخ: دليل التطبيق القائم على أدلة على المستوى القطري.
اعتمدت العديد من البلدان نهج الزراعة الذكية المواتية للمناخ. وتم الإشارة إلى هذا الأمر في دراسة أصدرتها منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة عام ٢٠١٦، والتي أفادت بالتزام اثنين وثلاثين (٣٢) من إجمالي مائة وتسعة وثمانين (١٨٩) دولة بتقديم الإسهامات المقررة والمحددة وطنيا بموجب اتفاق باريس، مع الإشارة على وجه التحديد إلى مجال الزراعة الذكية المواتية للمناخ. وعن طريق إطلاق البحوث والأنشطة بدعم من منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة والعديد من المجموعات الأخرى، أمكن توسيع قاعدة المعارف الداعمة لمجال الزراعة الذكية المواتية للمناخ بمعدلات ملحوظة. ومن الجدير بالذكر أن الرؤى الثاقبة والمتعمقة التي تم اكتسابها على مدار السنوات الأخيرة، وقصص النجاح المحرز، والخبرات المتراكمة التي ساهمت في تعزيز الإدراك بشأن العوامل الدافعة نحو اعتماد ممارسات الزراعية الذكية المواتية للمناخ والعوائق التي تحول دون ذلك، هي جميعها بمثابة عوامل ضرورية في سبيل تمهيد الطريق أمام مواصلة التوسع في مجال الزراعة الذكية المواتية للمناخ على كافة المستويات.
ويسعى نهج الزراعة الذكية المواتية للمناخ إلى إرساء ثلاث دعائم رئيسية تتمثل في زيادة معدل الانتاجية الزراعية وتعزيز مستويات الدخل بشكل مستدام، والتكيف مع ظاهرة تغير المناخ وبناء القدرة على الصمود أمام التأثيرات الناجمة عنها، وخفض انبعاثات غازات الدفيئة (المسببة للاحتباس الحراري) أو القضاء عليها أو الأمرين معا، كلما أمكن ذلك. ويهدف نهج الزراعة الذكية المواتية للمناخ إلى تقليل المفاضلات وتعزيز أوجه التعاضد عن طريق مراعاة هذه الأهداف بما يكفل إرشاد القرارات التي يتم اتخاذها على الصعيد المحلي وحتى الصعيد العالمي سعيا إلى استخلاص حلول تلقى القبول على المستوى المحلي.
وفي عام ٢٠١٦، تم تصنيف اليمن في صدارة البلدان التي تعاني من ندرة الموارد المائية في العالم (مع انخفاض معدل المياه المتاح للفرد في العام عن نسبة خمسة في المائة من المتوسط العالمي)، وهو ما يجعل من قضية الري محط اهتمام رئيسي بين المزارعين. وعن طريق إطلاق مشروع حوض صنعاء ، مدت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة يد العون إلى المزارعين من أجل تطبيق سياسات الزراعة الذكية المواتية للمناخ بما يكفل تحسين معدلات الانتاجية وممارسات إدارة الموارد المائية عبر توفير مضخات الري التي تدار بالطاقة الشمسية. ومع تضخم أسعار الوقود والتعرض لأزمة نقص الوقود على الصعيد الوطني، تعذر تقريبا على شرائح واسعة من المزارعين تشغيل مضخات الري التي تدار بوقود الديزل . وعن طريق إدخال مضخات الري التي تدار بالطاقة الشمسية، أتيحت الفرصة أمام المزارعين لاستئناف الانتاج (بما يضمن استقرار سبل العيش) بصرف النظر عن أزمات نقص الوقود التي يتم التعرض لها، إلى جانب التكيف مع ظاهرة تغير المناخ وخفض انبعاثات غازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري.
وعلاوة على ما تقدم، يتوقف النجاح في تطبيق نهج الزراعة الذكية المواتية للمناخ على خمسة إجراءات وفق ما يلي: (١) توسيع قاعدة الأدلة الداعمة؛ (٢) دعم أطر السياسات التمكينية؛ (٣) تقوية المؤسسات المحلية/ الوطنية؛ (٤) تعزيز خيارات التمويل؛ (٥) تطبيق الممارسات الفعالة على المستوى الميداني. وتجدر الإشارة إلى الإجراء المعني "بتوسيع قاعدة الأدلة الداعمة" باعتباره يشكل الأساس الذي يرتكز عليه هذا النهج في المجمل، نظرا لأنه يعنى بإرشاد الإجراءات الرامية إلى تقوية المؤسسات الوطنية/ المحلية، وتعزيز الخيارات المالية، ودعم أطر السياسات، بالإضافة إلى توسيع نطاقها. وتسهم هذه الإجراءات الثلاث بالتبعية في دعم وإرشاد تطبيق ممارسات الزراعة الذكية المواتية للمناخ على المستوى الميداني. وتسهم ممارسات الزراعة الذكية المواتية للمناخ على المستوى الميداني في دعم قاعدة الأدلة الداعمة وتوسيع نطاقها عن طريق الرصد والتقييم.
وتنطوي قاعدة الأدلة الداعمة على التأثيرات الحالية والمتوقعة الناجمة عن ظاهرة تغير المناخ على مستوى البلد المعني، مع تحديد نقاط الضعف الرئيسية التي يعاني منها القطاع الزرعي وخيارات التكيف الفعالة. وتتضمن القاعدة تقديرات التخفيضات المحتملة في انبعاثات غازات الدفيئة نتيجة اعتماد استراتيجيات التكيف، ومعلومات بشأن التكاليف الناجمة عن اعتماد ممارسات مختلفة والعوائق التي تحول دون اعتمادها، والسياسات والاستجابات المؤسسية اللازم تطبيقها في سبيل التصدي لها.
ويتمثل أحد الأهداف المتعددة المتوخاة من وراء تحديث الدليل المرجعي المعني بالزراعة الذكية المواتية للمناخ وتحويل المحتوى إلى النظام الرقمي في انتاج مصدر معرفي عملي وفعال وعالمي يعنى بمجال الزراعة الذكية المواتية للمناخ ويسهل الإطلاع عليه ويتميز بسهولة الاستعمال من قبل مستخدمي الدليل المرجعي الجديد. ومع تنامي الاهتمام بمجال الزراعة الذكية المواتية للمناخ، تواصل منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة توسيع الجهود التي تبذلها في مجال الزراعة الذكية المواتية للمناخ على الصعيد الإقليمي خلال عام ٢٠١٨/ ٢٠١٩ مع تعزيز الملكية والمسئولية على المستوى القطري بما يدعم تطبيق ممارسات الزراعة الذكية والمواتية للمناخ على الصعيد العالمي.
وعمدت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة إلى إطلاق منتجين جديدين في مجال الاتصال والتواصل، بالتوازي مع الواجهة الالكترونية التفاعلية الداعمة للدليل المرجعي المعني بممارسات الزراعة الذكية المواتية للمناخ وذلك خلال انعقاد مؤتمر الأطراف الثالث والعشرين. يتمثل المنتج الأول في كتيب موجز للدليل المرجعي المعني بالزراعة الذكية المواتية للمناخ، والذي يعد بمثابة ملخص تنفيذي لمحتويات الإصدار الثاني من الدليل المرجعي، ويتمثل المنتج الثاني في مخططات معلوماتية تصويرية تسلط الضوء على تعريف الزراعة الذكية المواتية للمناخ، وركائزها الثلاثة، وإجراءات التطبيق الخمس المشار إليها أعلاه.