إعداد:- أيمن فريجة، اقتصادي زراعي، المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا)
March 22, 2018
إن تأثيرات التغير المناخي سوف توجه في الأساس من خلال دورة المياه. تتوافق نماذج محاكاة المناخ بالنسبة للتوقعات المناخية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي تعاني بالفعل من ندرة كميات المياه والجودة المنخفضة، مع توقع درجات حرارة أعلى وانخفاض سقوط الامطار. وبينما أصبحت بدائل توفير المياه التقليدية محدودة بدرجة أكبر، فلقد أظهرت الكثير من الدراسات ، وخاصة ما يتصل بإنتاج الغذاء، أن المياه تستخدم بشكل مفرط وغير فعال في الكثير من دول المنطقة، وأن الاستثمارات الفعالة في إدارة الطلب على المياه في مجال الزراعة يمكن أن تولد وفورات مهمة وتعزز القيمة الاقتصادية للمياه المستخدمة. تتطلب إدارة الطلب على المياه بنية مؤسسية وتنظيمية فعالة وهو ما تفتقده منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الوقت الراهن وحتى في حال تواجدها تكون غير فعالة.
رغم ذلك فإن معظم تلك البلدان تشارك بالفعل وبشكل رسمي في " نهج إدارة الطلب على المياه". على سبيل المثال، فإن أكثر من 60% من النفقات العامة بتونس في القطاع الزراعي تستثمر في البنية التحتية المائية. علاوة على ذلك، فإن الكثير من دول المنطقة تحول استثماراتها حاليا إلى تحلية المياه إضافة إلى مصادر أخرى غير تقليدية (تستثمر المغرب 112 مليون دولاراً أمريكياً في إقامة مصنع لتحلية المياه بطاقة إجمالية 100000 متر مكعب/ اليوم).
تقوم منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حاليا باستثمار حوالي 46% من إجمالي القدرة الإنتاجية في مجال تحلية المياه في العالم (شكل 1)
شكل 1: القدرة الإنتاجية في مجال تحلية المياه حسب أقاليم العالم، 2016( البنك الدولي، 2017).
من الملاحظ أن تلك الاستثمارات عالية التكلفة مفضلة على نحو أكبر مقارنة باستثمارات أخرى أقل تكلفة ولكنها تمثل خيارات مؤسسية وتنظيمية ورقابية أكثر تعقيداً؛ والتي تصنف " كشَرَك لحشد المياه بطرق غير تقليدية". وعليه، فإن واضعي السياسات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يجب أن يفضلوا دعم نماذج مبتكرة وجديدة لإدارة الطلب على المياه عن طريق التعامل مع بعض من الاخفاقات الأساسية في مجال الحوكمة الواردة أدناه.
الحوكمة على المستوى الوطني: في معظم دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ترتبط الإخفاقات في الحوكمة على المستوى الوطني بشكل خاص بغياب أدوات تنسيقية فعالة على المستوى المركزي لتوفيق السياسات المائية مع السياسات القطاعية الأخرى. في بعض الدول، مثل مصر، فإن هذا التنسيق صعب في حد ذاته بسبب العدد الكبير من الجهات العامة التي تتعامل مع المياه والري على المستوى المركزي. وللتعامل مع هذا الإخفاق يتعين الوصول إلى تصميم إداري مُعْزز للتنسيق، مع مراجعة عميقة ودقيقة للقوانين والسياسات المائية لتصبح متناغمة ومتوافقة عبر القطاعات ذات الصلة. ويتعين أن يصبح هذا التنسيق الأفقي بين الجهات العامة المختلفة أكثر فاعلية في السنوات القادمة، ويمكن أن يستفيد من المعرفة والخبرات المتاحة في مجال تصميم نظم المعلومات ووضع المفاهيم ذات الصلة. وسوف يُمَكن هذا أيضا من المرونة في اتخاذ القرار من أجل إدارة موارد مائية قادرة على التكيف في ظل الصدمات الخارجية.
مهام الحوكمة: تعزى الإخفاقات المرتبطة بمهام الحوكمة في الأغلب الأعم "لأدوات تنظيمية تستخدم على نطاق واسع ولكن تنفذ بشكل ضعيف"؛ و" للأثر المحدود للغاية للأدوات الاقتصادية بسبب ضعف التصميم والتنفيذ" ( على سبيل المثال، تسعير المياه: العجز في وجود آليات تسعير فعالة للمياه الجوفية)؛ و "لغياب أدوات سياسات طوعية واستشارية فعالة"، والتي ترتبط أيضا بأدوات المشاركة المجتمعية وتوفير إجراءات جماعية. يتمثل التحدي أيضا في توفير مجموعة متماسكة ومتوافقة من تلك الأدوات التي تستطيع أن تغير بفعالية من سلوك أصحاب المصلحة فيما يتعلق باستخدام المياه وتوزيعها. إضافة لذلك، ففي دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يفترض أن تتولى مهام الحوكمة روابط مستخدمي المياه التي تنفذ وترصد أدوات إدارة الطلب على المياه ( مثال: تونس والمغرب). إن تلك الروابط لا تتلقى دعما فنيا وماليا كافيا كما أن الأطر التنظيمية غالبا ما تكون غير مناسبة، حيث لا يحدد دور الدولة بوضوح في مجالات اختصاص روابط مستخدمي المياه. وعليه، يجب مراجعة " الاعتماد المفرط" من جانب هيئات المياه المركزية على روابط مستخدمي المياه، خاصة مع غياب مؤشرات واضحة ومصفوفات تشغيلية من أجل رصد دور تلك الروابط على نحو مناسب.
على المستوى المحلي من الحوكمة، يمثل المزارعون وروابط مستخدمي المياه والجهات العامة المحلية والإقليمية الأطراف الفاعلة الرئيسية. هناك مجموعة من المشاكل المؤسسية على هذا الصعيد بسبب التفاعلات والتكامل الأفقي المنخفض بين الأطراف المعنية المحلية، وسيطرة بعض الأطراف المعنية على غيرها. وفي وضع مثالي، يجب أن تكون القيادة لروابط مستخدمي المياه وفقا لمسؤوليات محددة، بينما يفترض أن تتولى جهات معنية عامة أخرى فقط دوراً ثانوياً خاصة فيما يتعلق بتوفير الحوافز ودعم التدريب لروابط مستخدمي المياه وللمزارعين وكذلك لرصد مورد المياه ومراقبة الاستخدام. هناك مشكلة كبري أخرى في هذا المستوى ترتبط بغياب " تفاعل رأسي" والذي يمكن أن يُعرف أيضا كتغذية راجعة فعالة بين المستوى المحلي ومستويات الحوكمة الأخرى. وتتطلب حوكمة المياه الفعالة وجود أصحاب المصلحة المناسبين والهيئات والأجهزة المناسبة التي يمكن أن تقوم بهذا الدور فيما يتعلق بالتغذية الراجعة الفعالة وتكفل حداً أدنى من التنسيق بين المستويات المحلية والوطنية مثل اتحادات إقليمية لروابط مستخدمي المياه في مصر .