إعداد:- مي محمود، مساعد باحث أول، المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية
April 18, 2018
إن تحديد أولويات الاستثمارات الريفية هو عامل حاسم يكفل النمو الشامل والتنمية المستدامة والأمن الغذائي. ويعنى مشروع "تحليل الاستثمار الزراعي (العربي) الموجه نحو التنمية" بإعداد أداة للتخطيط الاقتصادي والتي من شأنها تمكين الحكومات والمحللين من تصميم خطط استثمار زراعي قائمة على أدلة وشواهد.
يمتد مشروع "تحليل الاستثمار العربي الموجه نحو التنمية" على مدى ثلاث سنوات (عام ٢٠١٧ إلى عام ٢٠٢٠) بتمويل من قبل "الصندوق الدولي للتنمية الزراعية" وبتمويل مشترك من جانب "برنامج بحوث السياسات والمؤسسات والأسواق" التابع "للمجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية"، كما يجري تنفيذ المشروع من قبل "المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية" والأطراف الشريكة، مع التركيز على كل من مصر، والأردن، ولبنان، وتونس. ويستند هذا المشروع إلى مشروع سابق جرى تنفيذه في إطار من الشراكة بين كل من "الصندوق الدولي للتنمية الزراعية" و"المعهد الدولي لسياسات البحوث الغذائية" و"برنامج بحوث السياسات والمؤسسات والأسواق" التابع "للمجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية" تحت عنوان "الحد من قابلية التعرض للصراع في البلدان العربية عبر التنمية الريفية".
يتمثل أحد التحديات الرئيسية التي تواجه الحكومات في مراحل التنمية المختلفة في تحديد المخصصات المناسبة الموجهة نحو أغراض الإنفاق العام عبر قطاعات مختلفة ومواقع متنوعة، فضلاً عن تحديد تدخلات السياسات العامة المختلفة (الشكل ١). وتم تصميم حقيبة أدوات "تحليل الاستثمار العربي الموجه نحو التنمية" في سبيل دعم الحكومات في التصدي لهذا التحدي المرتبط بالتخطيط، عن طريق تطوير نهج تخطيط شامل ينطوي على ثلاثة (٣) عناصر رئيسية، كما يلي: "نموذج تحليل السياسات والاستثمارات"، و"نموذج التوازن العام المحسوب"، و"نموذج تحليل الاستثمار العربي الموجه نحو التنمية المتصل بشبكة الانترنت". وبناء على ذلك، تدمج "أداة تحليل الاستثمار العربي الموجه نحو التنمية" تحليل الاستثمارات والسياسات الزراعية مع نموذج الاقتصاد الكلي القائم على التوازن العام المحسوب والذي يهدف إلى تقييم اثر الإنفاق الزراعي على تعزيز النمو، وتوفير فرص العمل، والقضاء على الفقر.
ولا يقتصر مشروع "تحليل الاستثمار العربي الموجه نحو التنمية" فحسب على إعداد حقيبة أدوات "تحليل الاستثمار العربي الموجه نحو التنمية" ، وإنما ينطوي أيضاً على تعزيز عملية صناعة السياسات القائمة على أدلة وشواهد. ويتمثل أحد الابتكارات الرئيسية التي يتضمنها المشروع في تصميم واجهة الكترونية على شبكة الانترنت بهدف تيسير استخدام نماذج التوازن العام المحسوب في صناعة السياسات بدون اشتراط توافر معارف متقدمة أو متطورة في مجال برمجيات النماذج الالكترونية. وعلاوة على ما تقدم، يسعى المشروع إلى تعزيز مفهوم "مجتمع الممارسة المهنية" عن طريق توفير ورش عمل تدريبية ودورات تعريفية على شبكة الانترنت حول كيفية استخدام وتحديث "أداة تحليل الاستثمار العربي الموجه نحو أغراض التنمية".
سعياً إلى إشراك الأطراف المعنية من البلدان المستهدفة في تنفيذ المشروع، تم تنظيم سلسلة من الحلقات الجماعية المتخصصة على المستوى القطري من قبل "المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية" بالتعاون مع "الصندوق الدولي للتنمية الزراعية" في كل من تونس، وعمان، وبيروت. وتمثل الهدف من الحلقات الجماعية المتخصصة في عرض "مشروع أداة تحليل الاستثمار العربي الموجه نحو أغراض التنمية" على الأطراف المعنية الرئيسية من كل من الجهات الحكومية، والمؤسسات البحثية، والمنظمات الإنمائية. وبالإضافة إلى ما سبق، أتاحت هذه الحلقات الجماعية الفرصة أمام الاستزادة بالتغذية المرتدة من الخبراء المحليين، ولاسيما بشأن الاحتياجات والخصائص المرتبطة بكل بلد على حده.
أكد المشاركون والمشاركات في ورشة عمل "تحليل الاستثمار العربي الموجه نحو أغراض التنمية" المنعقدة في تونس على الأهمية التي تكمن في المشروع فيما يتعلق بإرشاد استراتيجيات التنمية عن طريق توفير أدلة وشواهد تؤيد التأثير المترتب عن الاستثمارات الزراعية على قطاع التنمية الاقتصادية. وفي الواقع، ينطوي قطاع الزراعة في "تونس" على مقومات نمو مرتفعة، حيث بلغ متوسط إسهام القطاع في الناتج المحلي الإجمالي نسبة عشرة في المائة على مدار العقد الماضي. ويمكن أن تسهم الأداة التحليلية التي تم تصميمها عبر "مشروع تحليل الاستثمار العربي الموجه نحو التنمية" في تحسين عملية تخصيص الاستثمارات العامة عن طريق مراعاة التفاوت القائم بين المناطق المختلفة في "تونس".
وفي الأردن، وعلى النقيض من غالبية بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، اجتاز قطاع الزراعة في سلسلة تحولات جوهرية، حيث تم الانتقال من استزراع المحاصيل الأساسية إلى المحاصيل عالية القيمة (الموجهة نحو التصدير) على مدار العقود المنصرمة. وعلى الرغم من ذلك، يؤثر غياب الاستقرار على المستوى الإقليمي بشكل سلبي على الصادرات الزراعية في السنوات الأخيرة، وهو ما أدى إلى تكبد خسائر جمة من قبل الشركات الزراعية. ومن هذا المنطلق، يتسنى الاستفادة إلى حد بعيد من "نموذج تحليل الاستثمار العربي الموجه نحو التنمية" في تقدير التأثيرات المحتملة المترتبة عن مختلف تدخلات السياسات العامة على معدل الإنتاجية الزراعية، وتوفير فرص العمل، وتحقيق الأمن الغذائي في الأردن. واتفق المشاركون والمشاركات في ورشة العمل المنعقدة في الأردن على تميز المشروع بمقومات واعدة تكفل تدعيم السياسات والاستثمارات الريفية التي تُسهم في الارتقاء بسبل عيش أصحاب المزارع الصغيرة والمتوسطة الحجم.
وينعم قطاع الزراعة في لبنان بظروف طبيعية مواتية تفسح المجال أمام زراعة طائفة واسعة من المحاصيل. وأقر المشاركون والمشاركات في ورشة عمل "تحليل الاستثمار العربي الموجه نحو التنمية" المنعقدة في لبنان بإمكانية مساهمة حقيبة أدوات "تحليل الاستثمار العربي الموجه نحو التنمية" في إبراز أهمية زيادة الاستثمارات العامة في قطاع الزراعة، نظراً لانخفاض حصة الزراعة في الموازنة المالية عن نسبة واحد في المائة (١٪) خلال عام ٢٠١٧/ ٢٠١٨. وعن طريق الاستعانة بنموذج التوازن العام المحسوب، يتسنى لأداة "تحليل الاستثمار العربي الموجه نحو التنمية" محاكاة العديد من سيناريوهات السياسات التي تُراعي خصوصيات قطاع الاقتصاد اللبناني.
وبالإضافة إلى الحلقات الجماعية المتخصصة التي تم تنظيمها على المستوى القطري، أجرى طاقم عمل "المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية" العديد من اللقاءات الثنائية مع الأطراف المعنية الرئيسية من الوزارات ذات الصلة والمؤسسات الحكومية في البلدان الأربع المستهدفة. وفي مصر، اجتمع طاقم عمل "المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية" مع كبار المسؤولين في "وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي"، و"مركز البحوث الزراعية"، و"الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء"، و"وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري". وفي إطار كافة هذه اللقاءات، تم الترحيب بمبادرة "تحليل الاستثمار العربي الموجه نحو التنمية"، ولاسيما في ضوء الإمكانات التي تتمتع بها والتي تكفل إرشاد عملية تصميم "خطة مصر الاقتصادية ٢٠١٨ – ٢٠٢٢" وإفادة عملية تخطيط السياسات الزراعية.
ويحرص "المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية" على توفير خبرات رفيعة المستوى من الطراز العالمي وتعزيز قدرات الأطراف الشريكة المحلية في البلدان المعنية "بتحليل الاستثمار العربي الموجه نحو التنمية". وكخطوة تالية، سوف يواصل "المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية" التعاون مع الكيانات الحكومية والأطراف الشريكة المحلية على الصعيدين الفني والإداري. وبالإضافة إلى ما تقدم، سوف تضم ورشة العمل المقرر عقدها في منتصف مدة تنفيذ مشروع "تحليل الاستثمار العربي الموجه نحو التنمية" قطاع واسع من المشاركين والمشاركات من كافة البلدان الأعضاء في المشروع بغرض عرض التطبيقات الأولية المرتبطة بأداة "تحليل الاستثمار الموجه نحو التنمية" بالإضافة إلى توفير تدخلات بناء القدرات بشأن تيسير استخدام أداة التحليل.