إعداد :- فاطمة أحمد ونانسي توندا - منظمة زينب لتعزيز دور المرأة في التنمية
May 8,2018
في ظل النموذج المتنامي بمعدل مطرد والذي يدعم تعزيز المساواة بين الجنسين، يميل الانطباع لدى صُناع السياسات والممارسين المهنيين إلى الاعتقاد بوقوع النساء المزارعات في المناطق الريفية كضحايا لأعمال العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي – فضلاً عن الاعتقاد بمحدودية قدرة المنظمات غير الحكومية على بلوغ نطاق واسع وإحداث تأثير فعال وتحقيق الاستدامة، وذلك مقارنة بالهيئات الدولية التي تتمتع بمزيد من الموارد.
ينطبق هذا الوضع على وجه الخصوص على ولاية "قضارف"، التي تقع في "شرق السودان" – وهي ولاية رئيسية ذات طابع زراعي ريفي وتعتمد على الري بمياه الأمطار، حيث تعمل قرابة سبعين في المائة (٧٠٪) من النساء دون كلل أو إعياء على رقعة من الأرض لا تتجاوز خمسة (٥) فدانين مع التعرض لتحديات مختلفة. وفي المعتاد، تعاني التربة التي يتم استزراعها من قبل النساء من الاستنزاف وتفتقر إلى خدمات إرشادية كافية. ومع محدودية التدابير الرامية إلى التخفيف من التأثيرات السلبية أو التكيف معها، تتعرض النساء لتزايد الصدمات المناخية، ولاسيما تقلب معدل هطول الأمطار، وارتفاع درجة الحرارة، وتواتر حالات الجفاف. وقد أدى ذلك إلى حدوث تقلبات في عائدات المحاصيل وأسعار السوق، وهو ما تسبب في نشوء المزيد من انعدام اليقين. وتتعرض النساء المزارعات في ولاية "قضارف" لتمييز منهجي صارخ والذي يُرتكب بسبب العلاقة بين الرجال والنساء ذات النزعة الأبوية والتي تتأصل جذورها في المجتمع، والتي يتم بموجبها ترتيب حيازة ستين في المائة (٦٠٪) من حيازة الأراضي عن طريق الميراث العائلي – والذي يُخصص بشكل ضمني لصالح الرجال. وفي حالة إقدام المرأة على استئجار قطعة أرض، لن تتجاوز مساحة رقعة الأرض المتاحة بتكلفة معتدلة خمسة (٥) فدادين جراء محدودية الحراك الاقتصادي. وبالإضافة إلى ما سبق، ليس من الواقعي بالنسبة للعديد من المزارعات أن تدير المرأة قطعة أرض تتجاوز رقعتها تلك المساحة نظراً لتزايد الأعباء الواقعة على عاتق الأسرة المعيشية بمعدلات غير تناسبية تُجحف بوضع المرأة جراء هجرة العديد من الرجال إلى المدن في سبيل الحصول على فرص عمل بديل. وبالإضافة إلى ما تقدم، تخضع المشاريع التنموية في جميع أنحاء البلاد في المعتاد لقيادة منظمات دولية واسعة النطاق بالتعاون مع الوزارات التنفيذية، حيث تتعرض الجهود التي تُبذل من قبل المنظمات المحلية صغيرة النطاق للإخماد.
تتحدى تجربة "منظمة زينب لتعزيز دور المرأة في التنمية" هذا الوضع القائم. وانطلاقاً من رؤية النساء المزارعات باعتبارهن "أطراف فاعلة لتغيير قواعد اللعبة" في سياق تغير المناخ، تمكنت "منظمة زينب لتعزيز دور المرأة في التنمية " من بناء سُبل عيش تتميز بقابلية الصمود والتأقلم لصالح عدد يتجاوز ٥٣٤٠٠ شخص – قرابة ٦٠٠٠ أسرة معيشية تعولها مزارعات صغيرات – في إجمالي ٥٨ قرية، عن طريق زيادة الإنتاجية الزراعية، وتحقيق الأمن الغذائي، ودعم الدخل الأسري. وتناهز هذه الأرقام تقريباً ٤٠٠ ألف دولار أمريكي، وهو ما تحقق عبر إطلاق برامج تعزيز سبل المعيشة المتكاملة على مدى فترة تجاوزت عشرة (١٠) سنوات، بعد أن تمكنت "المنظمة" من توسيع نطاق تدخلاتها بدءاً من نحو خمسمائة (٥٠٠) سيدة مزارعة عام ٢٠٠٦. وقد حرصت "المنظمة" على توفير حزمة مدخلات زراعية تتسم بقابلية التكيف مع ظروف المناخ (وتحتوي على بذور محسنة تصلح للاستزراع في المواسم القصيرة وتتصف بقابلية مقاومة موجات الجفاف، وأسمدة، ومبيدات الأعشاب الضارة، والأدوات اليدوية اللازمة والآلات والمعدات الضرورية)، مع تقديم دورات التدريب العملي على كيفية استخدام حزمة المدخلات، وإتاحة تقنيات زراعية تتصف بقابلية التكيف في مواجهة ظروف المناخ (في المقام الأول، تقنيات تجميع المياه/ حصاد المياه والحفاظ على التربة)، وتهيئة فرص التمويل (الائتمان والادخار والتأمين) وفرص النفاذ إلى السوق (إقامة روابط مع المشترين المحليين بناء على أسعار تنافسية). وفي سياق التطبيق، حرصت "منظمة زينب لتعزيز دور المرأة في التنمية" على توثيق علاقات التعاون مع مختلف الأطراف المعنية، وعلى وجه التحديد وزارة الزراعة (بما في ذلك مؤسسة البحوث الزراعية)، والمؤسسات المالية، وشركات القطاع الخاص، وجمعيات المزارعين والمزارعات، ووكالات التنمية.
ونظراً لتقاربها مع المجتمعات المحلية، نجحت "منظمة زينب لتعزيز دور المرأة في التنمية" في إنشاء وحشد ثمانية وسبعين (٧٨) جمعية زراعية، والتي ساهمت مجتمعة في إتاحة حزمة من التدخلات الرامية إلى التخفيف من التأثيرات الناجمة عن تغير المناخ والتكيف معها. وعلى هذا النحو، تمكنت "منظمة زينب لتعزيز دور المرأة في التنمية" من إتاحة فرص التمويل أمام النساء المزارعات بشكل غير مسبوق في "السودان". ويقيناً، تمكنت المصارف من تعزيز ثقتها في النساء المزارعات بسبب ارتفاع معدل السداد.
وانطلاقاً من وعي مستنير وقائم على أساس التجربة بشأن ضرورة تمكين النساء المزارعات من قضاء "وقت" كافٍ في المنزل، حرصت "المنظمة" على تخفيض الوقت الذي تقضيه المرأة في المزرعة وذلك كأولوية قصوى عن طريق توسيع نطاق استخدام الماكينات والآلات عبر تدريب مجموعة من السائقين الذكور على قيادتها بما يتوافق مع الأعراف المحلية القائمة. وتم اتخاذ بعض الإجراءات الطوعية، حيث عمد المزارعون والمزارعات إلى إنشاء نظام لتيسير تداول الآلات والماكينات على المستوى المجتمعي، بحيث يتعاون المزارعون والمزارعات معاً في أغراض صيانة الماكينات والآلات التي تخضع للملكية الجماعية. ويتشكل شعور بالتضامن في سبيل إحداث تغييرات في الوقت الراهن.
تمثلت النتائج في زيادة الإنتاجية الزراعية لكل فدان بنسبة ٥١٨٪ (من ١,١ كيس/ شوال[1] إلى ٥,٧ كيس/ شوال) وارتفاع مستوى الدخل الموسمي بمقدار ٥٨ ألف جنيه سوداني[2] على مدار السنوات العشرة الماضية، وهو ما ساهم في تمكين المزارعين والمزارعات من إلحاق أطفالهم بالمدارس، وإطعام أسرهم، وحضور الفعاليات الاجتماعية. وعن طريق الاستعانة بنهج "تدريب المدربين"، حرصت "منظمة زينب لتعزيز دور المرأة في التنمية" على توعية قيادات جمعيات المزارعين بشأن الممارسات الزراعية المواتية للمناخ. وتفيد الدروس المستفادة بتحول نسبة ٣٨٪ من المزارعين والمزارعات[3] في منطقة "شرق السودان" في الوقت الراهن من الأساليب التقليدية البدائية القائمة على "القطع والحرق" إلى الزراعة القابلة للتكيف والتخفيف من التأثيرات السلبية، من قبيل تناوب زراعة المحاصيل، وحصاد المياه) وذلك كنتيجة لتداول المعارف الفعالة داخل مجتمعات المزارعين والمزارعات.
في الآونة الأخيرة، تم الإقرار بهذه الخطى التدريجية، وإن كانت ذات تأثير فعال، التي تم اتخاذها من قبل "منظمة زينب لتعزيز دور المرأة في التنمية" خلال انعقاد "الدورة الثالثة لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ" وذلك عن طريق "مبادرة منارة زخم التغيير ٢٠١٧: جائزة المرأة من أجل النتائج". ومن هذا المنطلق، تؤيد تجربة "منظمة زينب لتعزيز دور المرأة في التنمية" مساهمة المنظمات صغيرة الحجم في بلوغ نطاق واسع، وإحداث تأثير فعال، وتحقيق الاستدامة عن طريق إزالة العوائق المنهجية التي تعرقل قدرة النساء المزارعات باعتبارهن رائدات تغيير في سبيل مكافحة غائلة الجوع والتصدي لظاهرة تغير المناخ.
[1] ١ شوال = ٥٠ كجم
[2] ١ دولار أمريكي = ١٢ جنيه سوداني (في المتوسط، اعتباراً من عام ٢٠٠٦ إلى عام ٢٠١٦)
[3] على الرغم من عدم توافر إحصائيات رسمية، يبلع تعداد المزارعين والمزارعات في منطقة "شرق السودان" قرابة ٥٠ ألف نسمة، مع تمركز الغالبية العظمى منهم/ منهن في ولاية "قضارف".