إعداد :- علي أبو سبعه، المدير العام، المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة
July 5, 2018
تنطوي البقوليات الغذائية على فوائد هائلة لا تُعد ولا تُحصى بما يدعم نُظم الإنتاج المستدام بين صغار المزارعين. يمكن أن تُسهم البقوليات الغذائية في زيادة مستويات النيتروجين في التربة ، وتحسين معدل خصوبة التربة، وهو ما يؤدي بالتبعية إلى الارتقاء بإنتاجية المحاصيل. وتتطلب البقوليات الغذائية توافر الحد الأدنى من المدخلات ، وهو ما يُسهم في خفض تكاليف الإنتاج بمعدلات جوهرية. وتُعد البقوليات الغذائية بمثابة مصدر متميز للعناصر الغذائية والمواد البروتينية، مما يُعزز الأمن الغذائي والتغذوي، ولاسيما لصالح الفئات الفقيرة.
وبالإضافة إلى ما سبق، تنطوي البقوليات الغذائية على إمكانات متميزة تكفل التكيف مع تغير المناخ . وتتمتع البقوليات الغذائية بالقدرة على مقاومة الظروف القاسية والصمود في البيئات التي تشح فيها الموارد المائية . ونظراً لاعتمادها على ما دون النصف من مدخلات الطاقة غير المتجددة التي تعتمد عليها محاصيل الحبوب، يمكنها أن تُسهم في خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري . ومع تصاعد درجات الحرارة وتفاقم ندرة المياه، تضطلع البقوليات الغذائية بدور هام في إطار مسعانا نحو اعتماد نُظم غذائية قابلة للاستدامة وتتمتع بالقدرة على التأقلم مع تغير المناخ في البيئات الإيكولوجية الزراعية التي تحتوي على أراضِ جافة.
وبطبيعة الحال، لا تتسم البقوليات الغذائية بالمثالية أو الكمال. ويرتفع معدل تعرض البقوليات الغذائية للإصابة بالآفات والأمراض، وهو ما يؤدي إلى الحد من طاقتها الانتاجية وتقويض المكاسب التي يتسنى للمزارعين والمزارعات إحرازها نتيجة زراعتها. وفي كثير من الأحيان، يعاني المزارعون والمزارعات من محدودية إتاحة المعارف والتقنيات الجديدة. وتتسبب نُظم توزيع البذور التي تعاني القصور في إعاقة نشر الأصناف القادرة على المقاومة وتعميم استخدامها.
تعزيز إنتاجية البقوليات الغذائية
ووفقاً للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، شهدت تجارة البقول زيادة مقدارها أربعة أضعاف منذ فترة الثمانينات. ومن الجدير بالذكر أن تزايد معدل الطلب العالمي على البقوليات الغذائية يُتيح فرصة أمام صغار المزارعين والمزارعات في سبيل زيادة مستوى دخلهم.
ويتمثل أحد المعوقات الرئيسية التي تحول دون تحقيق عائد مرتفع في عدم توافر بذور ذات جودة مرتفعة خلال فترات الزراعة. ويتعذر على القطاع العام تلبية معدل الطلب المطلوب على البذور ذات الجودة المرتفعة؛ كما ينحسر اهتمام القطاع الخاص في هذا الصدد. ومن الجدير بالذكر أن إنشاء مراكز البذور القروية على نطاق صغير يمكن أن يُسهم في إيجاد حل لهذه المسألة. ويُعد النجاح الذي أحرزته الهند مؤخراً بمثابة مثال يُدلل على كيفية مساهمة السياسات المواتية للمناخ والتقنيات الابتكارية في تغيير معدل توافر البقوليات الغذائية. ومن المتوقع أن تختتم الهند العام مع تحقيق ٢٤ مليون طناً؛ علماً بأن انتاجها قد اقتصر على ١٨ مليون طناً من البقوليات، وذلك قبل عامين فحسب.
وعن طريق إطلاق مبادرة بحثية متعددة التخصصات لدعم التنمية ، يعكف المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة على تطوير أصناف مُحسنة وتقنيات إنتاجية ونشرها وتعميم استخدامها، بحيث يتسنى للمزارعين والمزارعات الاستفادة من زيادة معدل الطلب العالمي على هذه النباتات المواتية للمناخ . وقد تسنى تحقيق نتائج قاطعة لا مجال للشك فيها، على النحو التالي: تحقيق عائدات تتميز بالمزيد من الاستقرار ، والحفاظ على سلامة التربة ، وتعزيز الأمن الغذائي والتغذوي .
وقد أدت علاقة التعاون التي تربطنا مع المعهد الأثيوبي للبحوث الزراعية إلى تحسين زراعة محاصيل "العدس" و"الحمص" و"الفول" في الهضاب الأثيوبية . وعن طريق تطويعها بما يواءم الظروف المحلية، تسنى زيادة عائدات الغلات بمعدلات ملحوظة (يُرجى الاطلاع على الشكل التوضيحي رقم ١). وبالإضافة إلى ما سبق، فإن إطلاق نظام تشاركي قائم على مساهمة المزارعين والمزارعات في مضاعفة البذور قد أدى إلى تعزيز نشرها والترويج لاستخدامها. وقد تزايد الإنتاج بمعدل ثلاثة أضعاف؛ كما تشغل البقوليات في الوقت الراهن المركز الثالث في قائمة أبرز صادرات المحاصيل الوافدة من أثيوبيا وذلك في ترتيب تالِ لكل من "البن" و"البذور الزيتية"؛ لتشكل بذلك صناعة تصديرية تبلغ قيمتها ٩٠ مليون دولاراً.
وفي كافة أنحاء كل من الهند وبنجلادش ونيبال، حرص المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة على زراعة الأراضي التي تعرضت للتبوير (الإراحة) في أعقاب موسم زراعة الأرز، وذلك كوسيلة لتعزيز انتاج العدس والإسهام في خفض الاعتماد على الواردات . وينطوي هذا النهج على ثلاثة أنماط من التدخلات على النحو التالي: تطوير أصناف تتسم بسرعة النضج وارتفاع العائد منها ومقاومة الأمراض ؛ واعتماد تقنيات زراعة المحاصيل المتداخلة ؛ وتعزيز قدرات المزارعين والمزارعات والمرشدين الزراعيين والمرشدات الزراعيات، والعلماء على الصعيد الإقليمي.
وتنطوي الجهود التي أطلقها المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة في منطقة جنوب آسيا على تطوير وتعميم أصناف البازلاء العشبية والتي تتميز بانخفاض السمية بها وخلوها من السميات. وتُعد البازلاء العشبية بمثابة محصول متعدد الاستخدامات يتميز بالقدرة على مقاومة درجات الحرارة القصوى ونوبات الجفاف وتفشي الحشرات . وعلى الرغم من ذلك، أحجم المزارعون والمزارعات عن اعتماد البازلاء العشبية باعتبارها محصول زراعي نظراً لإمكانية تسبب استهلاكها على الأجل الطويل في الإخلال بصحة الانسان. وتُسهم الأصناف المستنبتة والمحسنة الخالية من السميات في تقديم هذا المحصول الهام باعتباره خيار عملي ومتاح. وفضلاً عن اتصافها بارتفاع الإنتاجية-، ساهمت الأصناف المُحسنة في زيادة عائدات الغلات بمعدل يتجاوز ٤٠٪ مقارنة بالأصناف التقليدية.
وفي الختام، وفي مصر، عمدنا إلى استحداث أصناف من محصول الفول والتي تتميز بقدرتها على مقاومة "الجعفيل" (أعشاب جذرية طفيلية)، هذا فضلاً عن اعتماد ممارسات إدارة الأمراض والآفات. وقد أدى هذا التوجه إلى تعزيز الإنتاج المحلي وإلى إبطال أعوام من الاعتماد على الواردات وعكس المسار نحو الصادرات. وتُعد هذه الأصناف بمثابة جزء من حملة وطنية أدت إلى انتاج كميات هائلة من الفول مقدارها ٢٠٠ ألف طن في عام ٢٠١٧.
البحوث المستقبلية وعلاقات التعاون
وتُتيح التطورات الأخيرة الحادثة في مجالات "الجينوميات" و"المعلوماتية البيولوجية" و"التمثيل الرقمي" و"مصادر البيانات الضخمة" و"نماذج زراعة المحاصيل" ، حزمة من التقنيات الابتكارية. ويجدر بنا الاستفادة منها، بحيث تفي محاصيلنا بالغرض المُراد منها في إقليم يتميز بارتفاع درجة الحرارة بما يتجاوز ٤ درجة مئوية . وينبغي أن تتميز هذه التقنيات بقدرتها على توفير استهلاك الطاقة بما يُسهم في خفض إجمالي تكاليف الإنتاج على نحو يؤدي إلى زيادة معدلات ربحية المحاصيل بالنسبة لصغار المزارعين والمزارعات والمزارعين والمزارعات المهمشين.
وقد سعدت بإطلاق برنامج بحثي من جانب "المجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية" بعنوان "الحبوب والبقوليات وغلال المناطق الجافة" في شهر فبراير/ شباط. وينطوي البرنامج على محصولين من أهم المحاصيل بالنسبة للمنطقة، وهما على وجه التحديد العدس والحمص. وبما يدعو للأسف، تعذر إدراج محاصيل من قبيل الفول، والبازلاء العشبية، والشعير في إطار هذا البرنامج. وبالإضافة إلى ما سبق، تم استبعاد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي المنطقة التي جرت العادة فيها على زراعة واستهلاك البقوليات الغذائية، وذلك على الرغم من تصنيفها باعتبارها مستورد صافِ للمحاصيل .
ويقتضي الأمر بذل جهود جماعية في سبيل تعزيز السياسات المواتية للمناخ، وزيادة الاستثمارات الموجهة نحو بحوث البقوليات الغذائية، وضمان وصول الحلول العلمية إلى المجتمعات الريفية. وعلى مستوى المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة، نحن نؤمن بإمكانية بلوغ هذه الغايات عن طريق إقامة علاقات شراكة استراتيجية وتنفيذ أنشطة بناء القدرات – علماً بأن التوسع في تطبيق التقنيات التي أثبتت فعاليتها وجدواها يمكن أن يُطلق عنان الطاقات الكامنة في القطاعات الزراعية في كافة أنحاء العالم النامي.