رايتشل بان وسيبيل اللبان، الجامعة الأمريكية في بيروت
فاطمة عبد العزيز، المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية
August 6, 2018
يمثل إجراء حوار نشط عن السياسات الغذائية بمشاركة عدد من الأطراف المعنية خطوة هامه نحو تعزيز الأمن الغذائي والتغذوي. وقد صارت هذه الرسالة واضحة وضوحًا بالغًا عندما عقدت فعالية إطلاق تقرير السياسات الغذائية العالمية لعام 2018 الصادر عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية في الجامعة الأمريكية في بيروت في 3 يوليو/تموز 2018.
حملت الفعالية عنوان "إطلاق تقرير السياسات الغذائية العالمية لعام 2018 الصادر عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية: الأمن الغذائي من المستوى العالمي إلى مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، واستضافتها كلية العلوم الزراعية والغذائية وبرنامج الأمن الغذائي بالتعاون مع المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية. وتمثل هذه الفعالية حلقة في سلسلة من فعاليات إطلاق التقرير التي عقدت في مدن كبرى حول العالم مثل واشنطن وروما وبكين ونيو دلهي، وقريبًا ستعقد إحداها في القاهرة. وكان الهدف الرئيسي من هذه الفعالية هو تقديم تقرير السياسات الغذائية العالمية لعام 2018 (الذي يستعرض أبرز ما حدث في 2017 فيما يتعلق بقضايا السياسات الغذائية والتطورات والقرارات، ويسلط الضوء على التحديات والفرص في 2018 على الصعيدين العالمي والإقليمي) أمام جمهور محلي من نحو 100 مشارك، بما فيهم أعضاء هيئة التدريس والطلبة والخريجين والضيوف من القطاع الخاص والمنظمات الدولية مثل منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي والمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة والأراضي القاحلة، بالإضافة إلى المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني. وموضوع تقرير هذا العام هو ارتفاع مناهضة العولمة في الآونة الأخيرة، وهو موضوع يمس لبنان، باعتبارها بلد ذي اقتصاد صغير يميل بوجه عام نحو اقتصاد السوق المفتوحة ويستورد قدرًا كبيرًا من متطلباته الغذائية، ويعتمد بالتالي على التجارة لضمان أمنه الغذائي. وقد عانى لبنان ولا يزال يعاني من آثار النزاع الدائر في سوريا، ويتضمن ذلك الإخلال بالأنماط التجارية الإقليمية والزيادة الكبيرة في تدفقات اللاجئين.
وحضر فعالية الإطلاق ببيروت متحدثان: المتحدث الأول هو كليمنس برايسينجر زميل باحث أول ورئيس البرنامج القطري للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية في مصر، وقد أكد على الموضوعات العالمية التي تناولها تقرير السياسات الغذائية العالمية لهذا العام. وافتتح برايسينجر الجلسة ومهد لمزيد من المناقشات بقوله "إذا تمكنا من إدارة العولمة بطريقة جيدة، فسيكون من الممكن حقًا أن تساعد في تحسين حياة جميع البشر. ومع ذلك، فنحن نشهد ارتفاعًا في مناهضة العولمة، وذلك لأن العولمة لم تؤدي إلى قصص نجاح فقط. "فعلى الرغم من أن العولمة قد حققت نتائج طيبة في الحد من الفقر وتحسين الأمن الغذائي، إلا إن لها آثار سلبية مثل تفاقم عدم المساواة. وإذا ما كنا نريد للعولمة أن تتقدم، فلا بد أن تدار لصالح المزيد من البشر وإلا فإنها ستواجه مخاطر الاعتراض والرفض. أما المتحدث الثاني فكان نديم خوري، وهو باحث مستقل يركز على الأمن الغذائي ويعمل مستشارًا للمعهد الدولي للبحوث الغذائية، وقدم النتائج المتصلة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. عانت البلدان المتضرّرة من الصراعات من انحسار التقدم المحرز في الأمن الغذائي والتغذوي أما البلدان غير المتضررة من الصراعات في المنطقة فاستمرت في إحراز التقدم واعتماد إصلاحات تتعلق بالسياسات الغذائية، وإن كانت هذه البلدان تستطيع بذل المزيد من الجهد لدعم سبل التقدم في المنطقة. وقد حذر خوري، مستشرفًا المستقبل، من أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لن تكون محور المناقشات العالمية عن الأمن الغذائي والجوع، أي لا بد للمنطقة أن تتعامل مع احتياجاتها عبر مزيج من السياسات الزراعية الرشيدة والتجارة بحيث تكفل تقدمها.
ثم انضم المتحدثون إلى حلقة نقاش شارك فيها كل من ماجيدة مشيك، رئيسة قسم البرامج في وزارة الزراعة اللبنانية ومستشارة الوزير؛ ونسيب جبريل، كبير الاقتصاديين ورئيس قسم البحث والتحليل الاقتصادي ببنك بيبلوس ش.م.ل.؛ ومروان ميخائيل، رئيس البحوث والأعمال المصرفية الاستثمارية ببنك بلومينفيست؛ ولميس جمعة، الأستاذة المساعدة بقسم علوم الغذاء والتغذية بكلية العلوم الزراعية والغذائية. وأثارت المناقشة التي تلت ذلك جدلا حادًا عن هيكل سياسات الأغذية الزراعية وأولوياتها في لبنان، بما في ذلك إعانات الإنتاج؛ والأدوار الملائمة للحكومة والقطاع الخاص في رعاية النمو والاستثمار في قطاع الأغذية الزراعية؛ والآراء المتباينة عن الزراعة باعتبارها قطاعًا اقتصاديًا إنتاجيًا في مقابل اعتبارها أحد سبل المعيشة للمنتجين وصغار المزارعين والأسر الريفية.
أفادت مشيك بأن وزارة الزراعة تضع على قمة أولوياتها الجهود الرامية لتعزيز وتحسين تنافسية صادرات الأغذية الزراعية اللبنانية، مع التركيز بشكل خاص على تحسين جودة وأمن الغذاء بحيث يلائم معايير الأسواق المستهدفة. كما أوضحت أن لبنان لا يزال خارج منظمة التجارة العالمية لأنه ليس مستعدًا للمنافسة في نظام يفيد بشكل منهجي الجهات الفاعلة الأقوى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وأقرت مشيك كذلك أن القطاع الزراعي ليس ضمن أولويات السياسات للحكومة اللبنانية في الوقت الحالي رغم التحديات الناجمة عن الأزمة السورية، وأوصت بأن يعود التركيز على هذا القطاع في ظل الحكومة ومجلس الوزراء الجديدين في أعقاب انتخابات ربيع 2018.
وسلط جبريل الضوء على عدم قدرة الحكومة اللبنانية على توفير البيانات الأساسية والآنية عن قطاع الأغذية الزراعية، واللازمة لوضع السياسات القائمة على الأدلة بهدف توجيه قطاع الأغذية الزراعية. كما شرح أن الاستثمار في القطاع الزراعي بلبنان قد شهد تدهورًا في السنوات الأخيرة مع تدهور مساهمة القطاع الزراعي في الاقتصاد بوجه عام (الناتج المحلي الإجمالي). وتتعرض القروض المقدمة من البنوك التجارية للقطاع الزراعي لقيود بسبب الطابع غير الرسمي المنتشر في القطاع والأخطار مثل انعدام الأمن الشخصي في بعض المناطق في لبنان.
وناقش ميخائيل في مداخلته الدور الهام الذي يلعبه المزارعون والتنمية الريفية، وقال إن قطاع الأغذية الزراعية قطاع اقتصادي منتج ومصدر معيشة للمنتجين وصغار المزارعين والأسر الريفية. كما طالب صانعي السياسات بالاعتراف بهذين الدورين والنظر على هذا الأساس في الآثار المحتملة للسياسات. تتوجه سياسات لبنان في الوقت الحالي نحو الإنتاج الزراعي والغذائي ذي القيمة المضافة العالية والموجه نحو التصدير، ويمكن لهذه السياسات أن تساهم في زيادة النمو الاقتصادي لكنها تميل لتخطي صغار المنتجين وتفاقم عدم المساواة وتجاهل الوظائف غير الاقتصادية للقطاع الزراعي مثل التنمية الريفية وخدمات النظام البيئي.
وقد ناقشت لميس جمعة من خلال ملاحظاتها وتعليقاتها خبرة لبنان في الآونة الأخيرة في إيواء أكثر من مليون لاجئ سوري، وذلك لكي تتناول أثر الهجرة واللاجئين على الأمن الغذائي. وقالت إن الإشارات المبدئية توحي بأن الهجرة تمثل فائدة خالصة للمجتمع المُستقبِل، ونادت بإجراء مزيد من البحوث للإلمام بآثار الهجرة على البلدان المضيفة واقتصاداتها ومجتمعاتها، وطالبت أيضًا بوضع سياسات تركز على الهجرة ولا تكتفي بمراعاة المهاجرين أو اللاجئين فقط وإنما تراعي المجتمع المضيف أيضًا. واختتمت آرائها بالتأكيد على ضرورة أن تتضمن المناقشات حول السياسات الغذائية وضع التغذية ضمن جدول أعمال الأمن الغذائي.
وكشفت الفعالية على ضرورة عقد حوار مستمر نشط قائم على الأدلة مع جميع الجهات المعنية مثل الحكومة والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية والباحثين والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني بهدف توجيه وتحسين السياسات الغذائية في لبنان والمنطقة. فعلى سبيل المثال، لا تقتصر الحاجة إلى مزيد من الاستثمار التجاري في مؤسسات الأغذية الزراعية الصغيرة والمتوسطة على لبنان أو الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بل إنها قضية عالمية تسمى أحيانًا "الوسط المفقود". وهذا الاستثمار يتطلب بحوثًا ومناقشات جادة، فهو أحد الطرق لمساعدة الإنتاج الزراعي المحلي لكي يظل قادرًا على المنافسة في اقتصادالعولمه . ومن المهم للغاية التوفيق بين الجهات المعنية والوصول لتفاهم مشترك بشأن الوضع الراهن والثغرات في معرفتنا الجمعية الحالية. وتنبع أهمية ذلك من أن الأمن الغذائي والتغذوي يجمع بين عدة تخصصات وأن المسئوليات المتعلقة به مقسمة بين عدد من الأطراف الحكومية في بلدان كثيرة ومنها لبنان.