إلينا هايدبراندت، متدرب في مجال التواصل، المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية
August 26, 2018
غالبًا ما تغفل المناقشات التي تدور حول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قضايا الإنتاج الزراعي والتنمية الاقتصادية. ومنذ بداية ثورات الربيع العربي عام 2010، تم التركيز في المقام الأول على عمليات الانتقال السياسي وعدم الاستقرار وأزمة اللاجئين التي نتجت عن ذلك
وتشهد هذه الأحداث الأخيرة على التحديات التنموية العصيبة التي تواجهها المنطقة. تعتمد اقتصادات العديد من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اعتمادًا تامًا على صادرات البترول، مما أدى إلى تعرضها إلى مخاطر تقلبات الأسعار. وتظل معدلات البطالة مرتفعة للغاية، كما أن النمو السكاني في المنطقة أخذ في الزيادة بمعدلات سريعة، ولا تزال المناطق الريفية تعاني من الفقر حيث بلغت نسبة الفقراء الذين يعيشون في المناطق الريفية ببلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 70%. ا
يمكن أن تسفر مواجهة هذه التحديات عن تحقيق النمو الاقتصادي وتحسين المعيشة وبناء الاستقرار. وتعد الزراعة ذات أهمية استراتيجية لاقتصاد المنطقة، رغم أنها لا تساهم سوى بنسبة 13% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة. وتعاني المنطقة بالفعل من محدودية وندرة المياه، كما يزيد تغير المناخ من صعوبة توفير الإنتاج الزراعي الكافي
يقدم تقرير حديث صادر عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية بعنوان الزراعة والتحول الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: نظرة على الماضي للخروج بدروس للمستقبل، أعده أليخاندرو نين برات وهدى الانيابي وخوسا لويس فيجواوروا وهاجر الديدي وكليمينس بريزنجر، نظرة شاملة على محركات التنمية الزراعية ومعوقاتها وآثارها الاجتماعية في المنطقة، كما يستكشف نقاط الانطلاق المحتملة للاستراتيجيات الجديدة للتنمية المستدامة
تتناول هذه الدراسة دراسات حالات قطرية إقليمية وفردية، كما تركز على الموضوعات التي تؤثر على الزراعة والإنتاج الاقتصادي، مثل الأمن الغذائي والمائي وتوفير فرص العمل والحد من الفقر. كما نظر الباحثون في أثر السياسات الوطنية والإقليمية على تحول النمو وتغيير المشهد الاقتصادي في المنطقة
لقد ساهم تركيز القوة الاقتصادية والسياسية والاعتماد على الإيرادات الخارجية والتحولات الديموغرافية العميقة في تشكيل الأداء الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مدار السنوات الأربعين الماضية. وخلال النصف الأول من هذه الفترة، اتبعت معظم البلدان استراتيجية تنمية تقودها الدول وتحددها سلسلة من السياسات والتدخلات العامة. وقد لعبت صادرات البترول دورًا محوريًا في هذه الاستراتيجية في البلدان التي استخدمت الإيرادات الخارجية لتنمية أنظمة الرفاهية التي تستهدف توزيع الثروة بشكل أفضل
أدى خفض أسعار البترول في الثمانينات إلى تنفيذ برامج لإصلاح السياسة العامة وتحقيق الاستقرار الاقتصادي. وقد قللت الحكومات النفقات العامة وأصلحت أنظمة أسعار الصرف، مما أسفر عن خفض معدلات التضخم ومستويات الديون بحلول التسعينات. وقد اختلفت الإصلاحات الزراعية عبر الحدود: حيث نفذت الجزائر والأردن والمغرب وتونس إصلاحات واسعة النطاق على مستوى الاقتصاد الكلي وإصلاحات قطاعية، في حين استمرت الدولة في مصر والعراق وليبيا وسوريا في أداء دور اقتصادي بارز.
وحسبما ورد في التقرير، استمرت إنتاجية القوة العاملة في قطاع الزراعة في البلدان محدودة ومتوسطة الدخل في التراجع مقارنة بالقطاعات الأخرى، وهو ما يشير إلى أن عملية التحول الهيكلي لم تكن سهلة. وقد أدى ذلك إلى اتساع فجوة الثراء، وتحديدًا بين سكان الحضر والريف، وقد أثبت ذلك أيضًا عدم فعالية السياسات باهظة التكاليف التي تركز على الدعم، والتي فشلت في تحقيق زيادة الإنتاج المطلوبة
توصل الباحثون إلى أن بعض الاستراتيجيات السياسية قد تؤدي إلى تحسين كفاءة وإنتاجية الزراعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهذه الاستراتيجيات هي: تقليل حماية المحاصيل الرئيسية التي لا تحقق في زراعتها المنطقة ميزة نسبية؛ التخلي عن السياسات التي تستهدف الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الرئيسية، مع إعطاء الأولوية لعوامل الطلب المتعلقة بالأمن الغذائي مثل الدخل والصحة؛ وتحفيز التغير التكنولوجي ووضع سياسات وتشكيل مؤسسات لاستخدام المياه بشكل أكثر فعالية من خلال أنظمة الري؛ وتحرير أسواق العمل حتى يصبح تخصيص العمالة والاستثمار أكثر كفاءة
وفي الوقت ذاته، ينبغي وضع السياسات بحيث تتلاءم مع اختلاف طبيعة الدول والسكان. وعند تقديم مساعدات مستهدفة، من الضروري معرفة الخصائص التي تشكل قرارات الأسر المعيشية لمواصلة العمل في الزراعة أو تركها. وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن تضع السياسات في الاعتبار الدور الذي يلعبه النوع الاجتماعي في صنع القرار، ودراسة الهياكل الأسرية الريفية لتعزيز أو دعم مشاركة المرأة في الاقتصاد
وتشير الدراسة إلى أن استراتيجيات التنمية المبنية على هذه التوصيات من شأنها أن تسهم في تنويع المخرجات كما يُمكن أن تؤدي إلى زيادة كفاءة استخدام المياه والأراضي وزيادة إنتاجية القوة العاملة وتحسين توزيع الثروة. ومن المرجح أن يتزايد تعرض سكان المنطقة لتهديد نقص المياه، حيث نجد أن 15 دولة من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعاني بالفعل من مستويات مرتفعة للغاية من الإجهاد المائي، وقد يؤدي عدم تقديم حوافز تستهدف زيادة فعالية استخدام المياه إلى عواقب اقتصادية وبيئية وخيمة
نشرت هذه المدونة في الأصل في مدونة المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية