January 31, 2019
مارينا إسكندر، أخصائي بحوث، المبادرة المصرية للتنمية المتكاملة (النداء) م
تم ترجمة هذه المدونة من اللغة الانجليزية إلى اللغة العربية، وهذا رابط المدونة الأصلية باللغة الانجليزية.ة
يُعد تصنيع الحرير والتوسع التاريخي المُحقق في هذا القطاع بمثابة نموذج طيب يُدلل على أهمية العولمة، كما يسهل الاستعانة بهذا المثال في توصيف أبعاد التغلغل الساحق للإنتاج الصيني في السوق العالمي. [1] وفي واقع الأمر، يعتمد قطاع تربية دودة القز وزراعة أشجار التوت على أنشطة كثيفة العمالة، والتي توفر فرص عمل لصالح النساء والشباب من الجنسين في الأوساط الريفية التي ترزح تحت وطأة الفقر. م
قام فريق العمل التابع "للمبادرة المصرية للتنمية المتكاملة"/ "النداء"، بالتعاون مع ممثل من "المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية" في مصر بإجراء زيارة إلى "الصين" خلال الفصل الأخير من عام ٢٠١٨ بهدف التعرف على التجربة الصينية في تطوير التجمعات الريفية. وقام البروفيسور "شابو زانج"، بصفته أستاذ الاقتصاد بجامعة "بيجينج"، بتنظيم جولة تعريفية على مدار ثلاثة أيام إلى مقاطعة "تشجيانغ" حيث تسنى لفريق العمل زيارة تجمعات صناعية واقعة في مدينة "ييوو"ومدينة "هانجزو" (تجمع انتاج ربطات العنق المصنوعة من الحرير). وتمثل الغرض من هذه الجولة في تعريف فريق العمل بقصص نجاح تحققت من جانب بعض من منتجي الحرير على طول سلسلة القيمة في ضوء إطلاق الصين سياسة الإصلاح والانفتاح الاقتصادي وذلك منذ أربعين سنة مضت. م
وعمدت الصين في الآونة الأخيرة إلى توجيه سياساتها نحو استيراد المنتجات من سائر أنحاء العالم، وذلك بعد أن انحصر نشاطها التجاري في مجال التصدير إلى بلدان أخرى فحسب. وأفسحت هذه الاستراتيجية المجال أمام البلدان النامية، من قبيل مصر، لاستقدام منتجاتها إلى السوق الصيني مع استهداف الطبقة المتوسطة. وعن طريق إدخال استثمارات أجنبية مباشرة جديدة من الصين في قطاع تصنيع الحرير في مصر، يتسنى للبلدين تبادل المنافع، وذلك من حيث توفير منتجات عالية الجودة مع تدني تكاليف العمالة الماهرة في مصر، ولاسيما في إقليم صعيد مصر. وعلاوة على ذلك، يمكن أن يوفر الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد من الصين مصدر دخل مستدام بالنسبة للمجتمعات الريفية العاملة في صناعة الحرير. م
المقومات الكامنة في صناعة الحرير في مصر
لقد تنامت أهمية إحياء صناعة الحرير في الآونة الأخيرة في ضوء تخفيض قيمة الجنية المصري، وهو ما يُسهم في تعزيز إمكانية تصدير كافة المنتجات ذات الصلة بالحرير. ومن هذا المنطلق، شرعت الحكومة في إيلاء الاهتمام لتعزيز هذه الصناعة باعتبارها وسيلة كفيلة بتحقيق التنمية الزراعية والريفية المستدامة. وتُسهم صناعة الحرير في توفير فرص العمل لصالح النساء الريفيات والشباب من الجنسين في الأوساط الريفية على نحو يكفل تلبية معدل الطلب المتنامي على الصعيد المحلي وكذلك العالمي. م
ويرتفع معدل الطلب في شتى أنحاء العالم، ولاسيما على السجاد المصري المصنوع من الحرير (انظر إلى الشكل التوضيحي رقم ١). وتعتمد أوروبا الشرقية في المقام الأول على الواردات بالنسبة لإجمالي إمداداتها من السجاد، وهو ما يوفر الفرص أمام الموردين المصريين. وفي عام ٢٠٠٤، اقتصرت نسبة السجاد الوارد من مصر على ٢,٥٪ من إجمالي واردات السجاد. وتزايدت واردات أوروبا الشرقية من السجاد المصري بمعدل ملحوظ اعتباراً من عام ٢٠١٠ حتى عام ٢٠١٤ بواقع سبعة وعشرين في المائة (٢٧٪) على أساس سنوي. م
ويهدف مشروع تدعيم صناعة الحرير الجاري تنفيذه من قبل "المبادرة المصرية للتنمية المتكاملة"/ "النداء" إلى إنعاش هذه الصناعة الهامة في منطقة صعيد مصر عن طريق تصنيع خيوط ومنتجات الحرير بجودة عالية في سبيل تلبية الاحتياجات المتنامية في الأسواق المحلية والأجنبية، فضلاً عن توفير فرص عمل لصالح النساء على مستوى الأسر المعيشية. ويتم إجراء عملية النسيج اليدوي لخيوط الحرير في قرية "نقادة" بمحافظة قنا. وعلى الصعيد الاقتصادي، من المتوقع أن يُسهم هذا التدخل في تعزيز الصادرات المصرية من السجاد المصنوع من الحرير والذي يحظى بارتفاع معدل الطلب والإقبال، جنباً إلى جنب مع الملابس المصنوعة من الحرير الطبيعي. وعلى الصعيد البيئي، لا يتسبب هذا التدخل في إلحاق أضرار بالبيئة نظراً لالتزام المشروع باستخدام الطاقة الشمسية في استخراج المياه الجوفية اللازمة للنشاط الزراعي، مع الحرص على استخدام السماد العضوي. وبالإضافة إلى ما سبق، يعمد المشروع إلى استخدام الألوان الطبيعية في صباغة خيوط الحرير. م
تجربة الصين
اشتملت الجولة التي أجراها فريق العمل التابع "المبادرة المصرية للتنمية المتكاملة"/ "النداء" إلى الصين على زيارة إلى مقاطعة "تشجيانغ" والتي تشتهر باعتبارها "مقاطعة الأسواق"، حيث بلغ نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي ١٢,٤٦٦ دولار أمريكي في عام ٢٠١٥. [2] وفي إطار مقاطعة "تشجيانغ" – والتي تنفرد بوصفها المقاطعة الوحيدة في الصين التي يعيش فيها كافة السكان فوق مستوى خط الفقر – تتألف الصادرات في المقام الأول من المنتجات الميكانيكية والالكترونية ومنتجات التكنولوجيا الفائقة، بينما تشتمل الواردات على الموارد الطبيعية ومنتجات الطاقة. م
مدينة "ييوو"م
تُعد مدينة "ييوو"، والتي تُصنف باعتبارها "أكبر سوق عالمي لمبيعات السلع الأساسية"[3]، بمثابة نموذج ناجح على التحول الاقتصادي الذي يقترن بفرص تجارية لامتناهية. وتحرص حكومة "ييوو" على اجتذاب المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء عن طريق اعتماد سياسات الإعفاء الضريبي. م
وبوصفه مشروع ابتكاري يجري تنفيذه في الصين، يُسهم قطار الشحن "ييوو – شينجيانج – أوروبا" في تعزيز التداول التجاري بين قارتي آسيا وأوروبا، حيث تقع المحطة الأخيرة التي يصل إليها في إسبانيا، وذلك بعد المرور عبر عدد من البلدان الأخرى. وتزدهر التجارة الالكترونية في مدينة "ييوو"، حيث تتعدد القرى المتخصصة في أنشطة التجارة الالكترونية، والتي يُطلق عليها مصطلح "تجمع ريادة الأعمال". [4] وفي واقع الأمر، يمكن أن تُسهم التجارة الالكترونية في تعزيز الاقتصاد الريفي الذي يعاني من الركود، وهو ما يؤدي إلى التخفيف من حدة الفقر في المناطق الريفية في الصين وخارجها. م
تجمع انتاج ربطات العنق الحريرية في منطقة "شينجزهو" م
حرصت حكومة الصين على تدعيم جهود تطوير منطقة " شينجزهو" وتحويلها إلى تجمع لإنتاج ربطات العنق في البلاد (والتي تُصنف باعتبارها الأكبر في العالم). وعلى الرغم من ذلك، تعكف الشركات متعددة الجنسيات في الآونة الأخيرة على دراسة مدى جدوى إسناد هذا النشاط التجاري إلى بلدان أخرى نظراً لتزايد التكاليف الناجمة عن العمالة وعن عمليات التشغيل في الصين. ويمكن الاستعانة بمصر باعتبارها خيار بديل نظراً لتوافر بنية تحتية عالية الجودة فضلاً عن تكاليف العمالة التنافسية التي تتمتع بها.
حرص فريق العمل التابع "للمبادرة المصرية للتنمية المتكاملة"/ النداء" على استكشاف مجالات التعاون المحتمل بين البلدين في العديد من الصناعات التي تتمتع فيها مصر بميزة نسبية، ولاسيما صناعات الحرير والملابس الجاهزة انطلاقاً من العديد من الأسباب، بما في ذلك: م
تصنيف مصر باعتبارها محور/ منفذ عبور إلى "طريق الحرير" في أفريقيا، حيث تحتل المرتبة الثانية في قائمة أبرز الخدمات اللوجستية التنافسية في المنطقة في أعقاب دولة جنوب أفريق -
توافر فيض من المواد الخام، بما في ذلك على سبيل المثال القطن النقي الخالص والجلود، في مصر -
تمتع مصر بصفة التجارة الحرة مع كل من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى الغالبية العظمى من المناطق والبلدان الواقعة في أفريقيا -
غزارة العمالة الماهرة والمنخفضة التكلفة، ولاسيما بين النساء في صعيد مصر -
[1] "قصص من واقع نسج الحرير اليدوي في مصر"، نوال المسيري، دار نشر مؤسسة النداء، عام ٢٠١٦.
[2] "تشجيانغ الجميلة" ٢٠١٦، انتاج "مكتب الاستعلامات"، "حكومة تشجيانغ الشعبية".
[3] تم تصنيفها من جانب "الأمم المتحدة" و"البنك الدولي".
[4] يُعد "تجمع ريادة الأعمال" بمثابة موقع الكتروني قائم على شبكة الانترنت يعنى بتيسير تجارة التجزئة الالكترونية من "العملاء إلى العملاء" ومن "الشركات التجارية إلى العملاء" عن طريق إقامة منصة الكترونية تضم الشركات الصغيرة ورواد الأعمال وإتاحة الفرصة أمام إنشاء متاجر الكترونية على شبكة الانترنت والتي تهدف في المقام الأول إلى تلبية احتياجات المستهلكين في المناطق الناطقة باللغة الصينية، بالإضافة إلى سائر بلدان العالم.