March 20, 2019
روب فوس، المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية
تم ترجمة هذه المدونة من اللغة الانجليزية إلى اللغة العربية، وهذا رابط المدونة الأصلية باللغة الانجليزية.ة
شهدت نُظم الإمدادت الغذائية تغييرًا ملحوظًا خلال نصف القرن الماضي، هذا بالإضافًة إلى التقدم الهائل في أنظمة التوزيع وتقنيات المعالجة وتقديم الخدمات. وحيث إن الأنظمة التي كانت فيما مضى تعتمد كليا على الزراعة قد أصبحت في اعتماد متزايد على الصناعة، فقد تغيرت النظم الغذائية. ويتناول الناس المزيد والمزيد من المواد الغذائية المصنعة، وكثيرًا ما يتجهون على الأرجح إلى استخدام خدمات الطعام خارج منازلهم. ويتزايد هذا الوضع في البلدان النامية. وتعد هذه الاتجاهات بمثابة استجابة لتغير الطلب على المواد الغذائية ومحركات هذا الطلب، ومن هذه الاتجاهات نهضة الطبقة الوسطى عالميًا وسرعة التوسع الحضري.ة
ومع إتاحة خيارات غذائية أكثر تنوعًا أمام العديد من سكان البلدان النامية مقارنًة بالخيارات التي كانت متاحة منذ بضعة عقود، فقد تم التخلي عن العديد من تلك الخيارات. وعلى غرار ذلك، بينما توفر الأسواق بعض الخيارات الصحية، إلا أن المواد الغذائية غير المكلفة وغير الصحية المصنعة أصبحت بمثابة عملا تجاريًا ضخمًا يحقق أرباحًا طائلة.ة
فضلا عن ذلك، تُشكل قطاعات الأغذية أهمية اقتصادية بالغة في العديد من البلدان، وتزداد هذه الأهمية في الجوانب غير الزراعية من سلاسل الإمدادات الغذائية. كما يعمل بهذه القطاعات عددًا كبيرًا من العمال، ومن شأن تطوير سلاسل القيمة الغذائية الزراعية أن يسهم إلى حد كبير في حل أزمتي البطالة والفقر في منطقتي أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا. وعلى الرغم من ذلك، غالبًا ما يؤدي تطور النظم الغذائية الحديثة إلى زعزعة الأعمال التجارية الصغيرة، مما يحد من إمكانات زيادة فرص العمل بوجه عام.ة
ما هو الأمر الأكثر تعرضًا للخطر بالفعل الذي قد تخلفه هذه التغييرات الضخمة؟
أولاً، هناك أمور تتعلق بهيكل السوق والصناعة، ففي العديد من جوانب سلاسل الإمدادات الغذائية، يتزايد مدى تركيز قوة السوق على المستويين الوطني والعالمي. إن أكبر شركات الأغذية في الواقع كبيرة للغاية حقًا. فعلى سبيل المثال، تسيطر شركة تيسكو، أكبر سلسلة للمتاجر الكبيرة (سوبر ماركت) في المملكة المتحدة، على ما يقرب من ثلث سوق منتجات المواد الغذائية في المملكة المتحدة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل يعتبر عدم التنافس في أنظمة التوزيع مفيدًا للمستهلكين وهل يوفر فرص عمل وفرص تجارية في أجزاء أخرى من سلسلة الإمدادات الغذائية؟ وبالإضافة إلى ذلك، سوف يزداد تأثر الصناعات الغذائية الحديثة بالتغير التكنولوجي الذي يؤدي إلى تسريح العمالة (أي استخدام الميكنة والروبوتات) وااتساع نطاق هذه الصناعات.ة
ثانيًا، من الأهمية بمكان السؤال عن مدى جودة الخدمات التي تقدمها صناعة الأغذية للمستهلكين والمجتمع بوجه عام. من الواضح أن مصطلح "صناعة الأغذية" يغطي نطاقًا واسعًا من المؤسسات، بدءًا من وحدات التخزين صغيرة الحجم والموزعين وانتهاءً بسلاسل المتاجر الكبيرة التي تجمع بين مراحل متعددة من سلسلة التوريد، بدءًا من المخابز الصغيرة إلى منشآت تصنيع الأغذية العملاقة، ومن الباعة المتجولين إلى شركات الخدمات الغذائية المنتشرة على مستوى العالم. تُولي بعض فُرادى الشركات أولوية أعلى للأمور الاجتماعية والبيئية مقارنًة بما كانت تفعله في السابق. ولكن في الوقت نفسه، لا تزال هذه الشركات تفتقر إلى الحافز الذي يدفعها لتوجيه نماذج أعمالها حول إنتاج مواد غذائية مغذية ونظم غذائية متوازنة، بل على العكس من ذلك، هناك ما يدفع الشركات الأكبر إلى الاستئثار بحصص أكبر في السوق عن طريق تقديم منتجات ترضي رغبات وأذواق المستهلكين للأطعمة المجهزة السكرية والمالحة. كما تعني سلاسل الإمداد الأطول الحاجة إلى زراعة المزيد من الأميال الغذائية وزيادة الأثر البيئي، وهو ما قد يخلف مخاطر تتعلق بتعزيز قطاع "حديث" لتجهيز وتوزيع الأغذية.ة
في أفضل الأحوال، سيتم توفير فرص عمل في جميع مراحل سلسلة القيمة، وسيتم تقديم مزايا للمستهلكين في صورة أطعمة رخيصة وآمنة ومغذية، بالإضافة إلى التزام الشركات بأعلى معايير المسئولية الاجتماعية. أما في أسوء الأحوال، فلن توفر صناعة الأغذية سوى القليل من فرص العمل الجيدة، وسوف تروج للأنظمة الغذائية غير الصحية وتدمر البيئة.ة
وتنشأ العديد من الأسئلة البحثية من هذه القضايا. هل من المرجح أن تظهر النتيجة الأسوء في البلدان الفقيرة التي ربما تعاني من ضعف الحوكمة وسيطرة بعض الأطراف على الجهات التنظيمية، والتي تعتبر فيها صناعة الأغذية حديثة النشأة، وربما تفتقر كذلك إلى الفهم الجيد للسياسات الغذائية الجديدة؟ ما الذي يمكن أن يفعله أصحاب المصلحة من القطاعين العام والخاص لتجنب مثل هذا السيناريو وتحويل قرارات قطاع الأعمال والأنشطة التجارية والمستهلكين إلى خيارات غذائية صحية ومستدامة؟ ما مدى فعالية وكفاءة دعم " الأغذية المغذية" وفرض الضرائب على "الأغذية غير المغذية" على المدى الطويل؟ هل تشير الملصقات الموجودة على المواد الغذائية إلى معايير صحية و/أو بيئية فعّالة في توجيه الأسواق نحو السبل التي توازن بين تحقيق الأرباح وحماية صحة الناس والكوكب؟ كيف يمكن أن تصبح سلاسل الإمدادات الزراعية الغذائية بمثابة مولدات فعالة لفرص العمل؟
حتى يومنا هذا، لم تركز سوى القليل من الأبحاث على هذه الأسئلة الحرجة أو على الصناعات الغذائية بوجه عام، ولا سيما في المراحل الوسيطة (معالجة الغذاء وتوزيعه والخدمات الغذائية). لسد هذه الثغرة المعرفية، أطلق المعهد الدولي لبحوث سياسات الأغذية برنامج بحثي جديد وهو برنامج الصناعات الغذائية من أجل الشعوب والكوكب. سوف يقدم هذا البرنامج تقييمات للسياسة استنادًا إلى الأدلة التي تستهدف جعل الصناعات الغذائية الزراعية والنظم الغذائية مصدرًا أشمل لتوفير فرص العمل والدخل، وأكثر فعالية في تلبية الاحتياجات الغذائية العالمية، وأكثر ملاءمة لتعزيز النظم الغذائية الصحية ونظم الإنتاج والتوزيع السليمة بيئيًا.ة
ومن الواضح أن هذا الإصلاح الشامل لنظام الأغذية العالمي يعد بمثابة تعهد طموح يتطلب الالتزام والدعم وتبادل المعرفة من الحكومات وشركات الأغذية ومنظمات البحوث والجهات الفاعلة في المجتمع المدني. لذا، يهدف برنامج الصناعات الغذائية من أجل الشعوب والكوكب إلى الجمع بين هذه المجموعة الواسعة من أصحاب المصلحة في العديد من الفعاليات لبناء الشراكات وتحديد الأسئلة البحثية ذات الأولوية.ة
ركز اجتماع طاولة مستديرة وفعالية بحث مدتها يومًا واحد عُقدت في واشنطن في يونيو/ حزيران 2018 على ترسيخ الرؤية الاستراتيجية للبرنامج، وأسفرت عن اتفاق لإنشاء اتحاد بحثي يضم العديد من أصحاب المصلحة لتحريك البرنامج، بالشراكة مع التحالف العالمي لتحسين التغذية وشبكة العمل المعنية بتعزيز التغذية. كما شمل برنامج الصناعات الغذائية من أجل الشعوب والكوكب حدثًا متوازيًا عقد في مقر المعهد الدولي لبحوث سياسات الأغذية التابع لمنظمة الأغذية والزراعة (مؤتمر تسريع الجهود للقضاء على الجوع وسوء التغذية) في بانكوك في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018. ركز هذا الحدث على كيفية استخدام البحوث لتمكين بيئات الأعمال العالمية والإقليمية والوطنية من إنتاج غذاء صحي ومستدام. سيعقد اجتماع ثالث حول الطاولة المستديرة في إطار برنامج الصناعات الغذائية من أجل الشعوب والكوكب في بروكسل في 20 فبراير/ شباط، بالتعاون مع مركز دراسات السياسة الأوروبية ومركز ليكوس للمؤسسات والأداء الاقتصادي للبدء في إعداد الفرع الأوروبي في اتحاد البحوث.ة
لمزيد من المعلومات حول هذا البرنامج، يرجى زيارة الموقع الإلكتروني لبرنامج الصناعات الغذائية من أجل الشعوب والكوكب أو إرسال رسالة على البريد الالكتروني الموضح ادناه لتقديم معلومات أو الاستفسار عن الانضمام إلى اتحاد البحوث في هذا الشأن
تم نشر هذه المدونة من: مدونة المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية