April 10, 2019
رولا مجدلاني، الإسكوا
تم ترجمة هذه المدونة من اللغة الانجليزية إلى اللغة العربية، وهذا رابط المدونة الأصلية باللغة الانجليزية.ة
ينجم نقص التغذية، بوصفه نمط من أنماط سوء التغذية، عن قصور الغذاء من حيث الكمية والنوعية على حد سواء، وهو ما يتجلى في نقص الوزن بين عموم السكان، أو في التعرض لظاهرتي التقزم والهزال بين الأطفال دون سن الخامسة. وتم طرح ظاهرة تفشي ظاهرة سوء التغذية، ولاسيما في البلدان العربية الأقل نمواً بما في ذلك اليمن والسودان والصومال وموريتانيا، لنقاش مستفيض مع توالي فصول أزمة المجاعة الوشيكة الحدوث في حالة اليمن. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، تعاني البلدان العربية الأقل نمواً من "ارتفاع معدل انتشار" ظاهرة نقص الوزن مع تعرض نسبة سكانية تتجاوز ٣٠٪ من نقص التغذية، بينما تبلغ نسبة التقزم والهزال بين الأطفال ٢٥٪ و ١٥٪ على التوالي.ة
وتؤدي عوامل متزامنة متعددة إلى تفشي ظاهرة نقص التغذية التي تم رصدها في البلدان العربية الأقل نمواً، حيث يتسبب انخفاض نصيب الفرد من الدخل، وغياب شبكات الأمان الاجتماعي، وتراجع ثروات الموارد الطبيعية التي تنعم بها المنطقة، في تدني معدل انتاج المواد الغذائية، وبالتالي فرط الاعتماد على المعونة الغذائية في سبيل البقاء على قيد الحياة. وتتسبب الأزمات طويلة الأمد والصراعات الناشئة في تعريض الشعوب، ولاسيما المجتمعات المهمشة، للتأثر بالصدمات الخارجية (على سبيل المثال، تصاعد أسعار النفط والغذاء على المستوى العالمي)، وهو ما يتفاقم جراء التأثيرات السلبية الناجمة عن ظاهرة التغير المناخي والاحتباس الحراري. وفضلاً عما سبق، يتسبب ضعف القدرات البشرية والتكنولوجية والمؤسسية إلى السقوط في حلقة مفرغة قوامها انخفاض الإنتاجية وتدني معدل الاستثمار، بما يُفضي إلى التعرض لسوء التغذية بمعدل يُنذر بالخطر ويُثير القلق على النحو السائد في تلك البلدان. وترتفع التقديرات ذات الصلة بالتكاليف الناجمة عن نقص التغذية لترقى إلى ٤٪ من الناتج المحلي الإجمالي في إطار البلدان التي تتعرض لمزيد من التضرر مقارنة بغيرها. ونظراً لهذا الاتجاه المروع، من المستبعد أن تتمكن البلدان المتضررة من بلوغ الغاية المرتبطة بالقضاء على الجوع والمدرجة ضمن أهداف التنمية المستدامة بحلول عام ٢٠٣٠.ة
وفي المقابل، تشهد بلدان عربية أخرى، من قبيل دول مجلس التعاون الخليجي، تغييرات اجتماعية واقتصادية جوهرية وحادة، بما في ذلك على سبيل المثال ظاهرة التوسع الحضري، وتعاظم مستوى الوفر والثراء، وتسارع وتيرة تنامي أعداد السكان، والتغييرات الحادثة في أنماط الحياة. وقد أدى تنامي معدل توفر المنتجات الغذائية وتنوعها إلى حدوث تغييرات في أنماط استهلاك المواد الغذائية، وهو ما أفضى إلى تزايد معدلات البدانة في المنطقة. وعلى سبيل المثال، تُشير دراسة استقصائية حديثة أُجريت في المنطقة العربية إلى تصاعد معدل استهلاك الوجبات السريعة والمشروبات كثيفة السكريات على مدى العقدين الماضيين. ويتزامن هذا التوجه مع توسع المدن "على كافة الأصعدة والنطاقات" ومع التقدم التكنولوجي، والذي أدى إلى تزايد أعداد السيارات والمصاعد والسلالم الكهربائية المتحركة، والذي تسبب بدوره في خفض مستوى النشاط البدني. وتتصدر معدلات البدانة في المنطقة العربية القائمة مقارنة بمعدلات البدانة في بقية أنحاء العالم، حيث تُشير التقديرات إلى معاناة ما يقرب من ربع سكان المنطقة من فرط السمنة (بواقع ضعف المتوسط العالمي)، وهو ما يؤدي إلى تصنيف بعض بلدان المنطقة في صدارة القائمة ضمن أبرز عشر بلدان تشهد أعلى معدل انتشار في هذا الصدد.ة
وفي عام ٢٠١٧، أصدرت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) منشور بعنوان "الآفاق العربية لعام ٢٠٣٠: توقعات تعزيز الأمن الغذائي في المنطقة العربية،" والذي يبرز المحنة المتزامنة الناجمة عن ظاهرتي فرط التغذية ونقص التغذية على حد سواء، والتي يُشار إليها أيضاً باستخدام مصطلح "العبء المزدوج الناجم عن سوء التغذية"، وهو ما يؤدي إلى نشوء تفاوتات حادة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي داخل البلدان العربية وفيما بينهما.ة
وتتردد النتائج التي تم رصدها من جانب لجنة الإسكوا ضمن عدد من الأبحاث والدراسات الاستقصائية ذات الصلة التي تم إجرائها بواسطة منظمات شقيقة في المنطقة. وفي الواقع، كشفت دراسة أُجريت في ثلاث دول تنتمي إلى مجلس التعاون الخليجي، وهي على وجه التحديد البحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة، النقاب عن احتواء نسبة ٥٠٪ من المواد الغذائية التي يتواتر معدل استهلاكها والتي يتم توصيلها إلى المنازل في المقام الأول على شطائر البرجر والبطاطس المقلية، هذا إلى جانب عدم تصنيف الأطعمة الصحية أو الأطعمة النباتية ضمن قائمة أبرز المواد الغذائية المُستهلكة. وتتسبب سهولة الحصول على الوجبات الغذائية السريعة والوجبات المتخمة بالسعرات الحرارية، فضلاً عن لامحدودية إتاحتها عبر أنظمة التوصيل إلى المنازل، في تشجيع قاطني المُدن على استهلاك مزيد من الطاقة، على الرغم من انحسار معدل حرق السعرات الحرارية في المقابل. وقد تراجع معدل استهلاك الوقت والطاقة في التبضع والتسوق لشراء أغراض البقالة وفي تحضير الوجبات في المطابخ بشكل حاد مقارنة بالوضع القائم فيما مضى، جراء إتاحة المواد الغذائية بأشكال وصور فورية، ودون أن يقترن ذلك التوجه بممارسة أي نشاط بدني مقابل.ة
ومن هذا المنطلق، تتمثل بعض العوامل الدافعة وراء مسألة سوء التغذية في مدى توفر المواد الغذائية ومعدل إتاحتها وكيفية استخدامها، وهو ما يسري على ظاهرتي نقص التغذية والبدانة على حد سواء. ويقتضي هذا الوضع صياغة استراتيجيات تتصف بمزيد من الفعالية بهدف رصد ظاهرة سوء التغذية والوقاية منها ومعالجتها، ولاسيما من خلال تعزيز البرامج الغذائية والتغذوية على مستوى المجتمع، بما في ذلك، ضمن جملة أمور أخرى، الارتقاء بمستوى الوعي تجاه قضية سوء التغذية والاستجابة لحالات سوء التغذية الحادة. ويتصدر القائمة الاحتياج إلى بناء نظام رصد فعال يهدف إلى تزويد واضعي السياسات والأطراف المعنية الأخرى بحزمة أدوات تُسهم في تحديد المجالات الحرجة المحتملة في مرحلة مبكرة.ة
وفي سبيل بلوغ هذه الغاية، حرصت لجنة الإسكوا على التعاون مع كل من المنظمة العربية للتنمية الزراعية ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) ضمن إطار عمل معني برصد وضع الأمن الغذائي والذي من المقرر إطلاقه في وقت لاحق من هذا العام. ويتمثل الهدف من هذا الإطار في تزويد البلدان العربية بأداة لتمكينها من تقييم مستوى الأمن الغذائي في البلد المعني بمرور الوقت. ويوفر هذا الإطار معلومات بشأن القطاع الزراعي، والنفقات الحكومية، والوضع الغذائي، والواردات والصادرات الغذائية، وكذلك العوامل البيئية ومظاهر التغير المناخي والتي يمكن أن تؤثر على وضع الأمن الغذائي في البلد المعني. وجرى إعداد ٢٤ مؤشر قياسي مع مراعاة توافق هذه المؤشرات مع طبيعة البلدان العربية وفي ضوء مدى توافر البيانات بما يكفل تيسير عملية الرصد ويضمن استمراريتها من قبل المؤسسات المحلية والأطراف المعنية. ويرتكز الإطار على أربعة محاور رئيسية في سياق الأمن الغذائي، والتي تتمثل في "التوفر"، و"الإتاحة"، و"الاستخدام"، و"الاستقرار"، مع مراعاة معدل انتشار العوامل التغذوية والممثلة في: الهزال، والتقزم، وفقر الدم (الأنيميا). وبالإضافة إلى ما سبق، تمثلت بعض المؤشرات الأساسية التي تمت الاستعانة بها في هذا الصدد فيما يلي: معدلات سوء التغذية ومعدلات البدانة فضلاً عن مقياس التعرض لانعدام الأمن الغذائي.ة
ويُعد إطار الرصد المُشار إليه بمثابة أداة فعالة وواعدة ويسهل استخدامها، والتي يتسنى اعتمادها من جانب صانعي السياسات والحكومات، بما يكفل تمكينها من تحسين آليات تتبع وتقييم وضع الأمن الغذائي لديها، وهو ما يؤدي تباعاً إلى الإسهام في تحقيق جدول أعمال عام ٢٠٣٠ بشأن التنمية المستدامة، ولاسيما الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة والمرتبط بالقضاء على الفقر.ة