May 20, 2019
ماري رويل، المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية
تم ترجمة هذه المدونة من اللغة الانجليزية إلى اللغة العربية، وهذا رابط المدونة الأصلية باللغة الانجليزية.ة
يعيش اليوم نصف سكان العالم في المدن، وسوف تزيد هذه النسبة إلى ثلثي السكان بحلول عام 2050، وسيتركز هذا التحول في قارتي أسيا وأفريقيا. وعلى ضوء وتيرة وحجم التوسع العمراني، واقترانه بالضغوط العالمية على النظم الغذائية، ومنها تغير المناخ على سبيل المثال، تم إطلاق عدد من المبادرات في السنوات الأخيرة بهدف مساعدة المدن في جميع أنحاء العالم على بناء نظم غذائية مستدامة وقادرة على الصمود.ة
ومن بين هذه المبادرات ميثاق ميلانو بشأن السياسات الغذائية في المدن الذي يوجه اهتمام 184 من عُمد المدن إلى "الغذاء" باعتباره الدفعة الأولى لتحقيق التنمية المستدامة في المدن النامية، وشبكة النظم الغذائية الحضرية وبرنامج الأغذية للمدن والمجلس الدولى للمبادرات البيئية المحلية والحكومات المحلية لتحقيق الاستدامة.ة
تعمل هذه المنظمات والشبكات على توفير الموارد وأطر العمل والمساعدات من أجل توجيه المدن نحو بناء قدرتها على الصمود. والمشاركة مفتوحة أمام المدن من الدول الأكثر ثراءً والأفقر على حد سواء. وتستهدف هذه المنظمات والشبكات الجوانب الرئيسية للتنمية، مثل التخطيط الحضري، والتكنولوجيا، والبيئة المبنية والصمود والتكيف مع تغير المناخ والحوكمة.ة
ورغم الأهمية البالغة لهذه المبادرات من أجل دعم التوسع العمراني الصحي والمستدام، إلا أنه لا بد من استكمالها بإجراءات قائمة على الأدلة، والتي من شأنها أن تدعم حصول الفقراء في الحضر داخل البلدان محدودة ومتوسطة الدخل على حميات غذائية صحية وتمكينهم من التمتع بتغذية وصحة أفضل.ة
تسبب التوسع العمراني السريع في ظهور تحديات غير مسبوقة في النظم الغذائية، ومع استمرار توسع المدن في هذه البلدان، فإنها تكافح لضمان اتباع الجميع حميات غذائية صحية بتكلفة ميسورة – بالإضافة إلى الفئات السكانية الأكثر تأثرًا. ونتيجًة لذلك، تواجه المراكز الحضرية بشكل متزايد تحديات نقص التغذية – والتي كانت في الماضي مشكلة مرتبطة بالأساس بالمناطق الريفية – وارتفاع معدل انتشار زيادة الوزن والسمنة والأمراض غير المعدية المتعلقة بالنظام الغذائي، مثل مرض السكري وأمراض أوعية القلب وبعض أنواع من السرطان.ة
ولتغيير هذه الاتجاهات، علينا التفكير أبعد من مجرد السؤال عن الطريقة التي يمكننا اتباعها لزيادة قدرة المدن على الصمود، فعلينا مثلا التساؤل عن كيفية بناء القدرة على الصمود والتكيف بين سكان المدن، وهو ما يعني دعم الجهود الجارية بالبرامج والإجراءات المستندة على أدلة، والتي تأخذ في الاعتبار الأبعاد الإنسانية لضعف أوضاع المناطق الحضرية، وعلى وجه الخصوص، المشاكل التي يواجها الفقراء في الحضر يوميًا. يتطلب هذا النهج طريقة جديدة للنظر إلى المدن، نهج يستند إلى الوعي بأنها موطن لمجموعات سكانية متنوعة ذات ثقافات وتقاليد مختلفة، بالإضافة إلى تحديات وقيود واحتياجات عديدة.ة
البيانات الجيدة هي أساس هذا الجهد، وكل ما هو متاح لدينا حاليًا عبارة عن صورة مرقعة تم تجميعها معًا من بيانات رُصِدت منذ وقت طويل جدًا،غالبًا من قبل الدول المتقدمة التي تواجه مشكلات مختلفة تمامًا.ة
لفهم الاحتياجات المتعلقة بفقراء الحضر، نحتاج إلى بيانات محدّثة وواسعة النطاق توفر صورة متعددة الأبعاد تعكس الواقع الحقيقي لحياتهم وهشاشة أوضاعهم. على سبيل المثال، يلزمنا معرفة ما يأكله فقراء الحضر وما هو مصدر غذائهم، هل هو الأسواق غير الرسمية أم محلات السوبر ماركت أم الحدائق الموجودة في المناطق الحضرية؛ كيف تشكل التفضيلات الشخصية والنوع الاجتماعي وضيق الوقت وبنية الأسرة المعيشية وخصائص البيئة الغذائية هذه الأنماط؛ وكيف تختلف كل هذه العوامل بين أولئك الذين يعيشون في الأحياء محدودة الدخل مقارنًة بمن يعيشون في الأحياء الفقيرة مقارنًة بمن ليس لديهم مساكن ثابتة. يجب علينا سد هذه الفجوات المعرفية. وهذا يعني إجراء بحث جديد باستخدام منهجيات متطورة وموحدة عبر مجموعة من المدن في مختلف المناطق والبلدان. ومن شأن بناء قاعدة الأدلة هذه، بالإضافة إلى التوثيق والتقييم والتعلم من المبادرات والتدخلات الحالية والسابقة، أن يثري الحوار بشأن السياسات ويعزز الجهود العالمية لتحسين مستوى رفاه سكان المدن الفقراء.ة
سوف يعمل برنامج البحوث الجديد الذي ينفذه المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، النظم الغذائية الحضرية لتحسين الغذاء والتغذية والصحة، على سد هذه الفجوات الحرجة في المعرفة والأدلة. (تم الإعلان عن هذا البرنامج خلال فاعلية أعدها المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية في 17 مايو/ آيار ونوقشت خلالها هذه التحديات). سوف تخبرنا الأدلة التي نستقيها من البرنامج عن كيفية إعادة تشكيل النظم الغذائية في المناطق الحضرية لتشجيع وتمكين الفقراء من اتباع حميات غذائية صحية والوصول إلى المستوى الأمثل من التغذية والصحة. ستساعد تلك الأدلة أيضًا في تحديد السياسات والاستثمارات التي من شأنها أن تحول النظم الغذائية إلى محركات تدفع نحو تعزيز الخيارات الغذائية الصحية وتحقيق النمو الاقتصادي.ة
سيبدأ عملنا بالبحث لفهم الأنظمة الغذائية للمستهلكين الفقراء في المناطق الحضرية والعوامل الرئيسية المتعلقة بالفرد والأسرة المعيشية التي تحدد خياراتهم الغذائية. ومن هنا، سنقوم ببحث كيفية تفاعل فقراء الحضر مع بيئاتهم الغذائية، ودراسة كيف يختارون من بين جميع خيارات شراء المواد الغذائية، مثل الأسواق غير الرسمية والبائعين الجائلين وأكشاك الطعام ومحلات السوبر ماركت الرسمية والمطاعم. وسوف نقيّم طريقة تشكيل هذه التفاعلات من خلال أوجه التفاوت وعدم المساواة بين سكان الحضر من الجنسين، والذين يشغلون أنواع مختلفة من الوظائف، ويعيشون في أسر ذات خصائص اجتماعية ديموغرافية مختلفة، وفي مدن مختلفة المساحة. وأخيرًا، سوف ندرس ديناميات النظم الغذائية الحضرية والروابط الحضرية الريفية.ة
يمكن لهذا المجال الأخير أن يكون الأساس لتعزيز النظم الغذائية الصحية الحضرية التي تعود بالنفع على الفقراء وتقود التحول الاقتصادي الشامل في البلدان النامية. الهدف الذي نسعى لتحقيقه هو تطوير فهم كيف يمكن أن تصبح التغيرات السريعة في الطلب على المواد الغذائية المرتبطة بارتفاع الدخول وزيادة الحاجة إلى الراحة في المناطق الحضرية فرصة للمؤسسات شبه الحضرية والريفية، بما في ذلك المزارع الصغيرة وشركات تصنيع الأغذية المحلية، لإمداد الأسواق في المناطق الحضرية بالمواد الغذائية على نحو يحقق الربحية والتنافسية. مع وجود مثل هذه الأفكار، يمكن لواضعي السياسات البدء في وضع سياسات وحوافز من شأنها تعزيز سلاسل الإمداد المحلية، مما يسمح لنظم الأغذية الحضرية بقيادة التحول الزراعي والتغير الاقتصادي الهيكلي الأوسع نطاقًا.ة
سوف تتمكن الشبكات والمنصات الحضرية الحالية من استخدام مجموعة غنية من الأدلة والمعرفة الجديدة المستمدة من هذا البحث لتوجيه الحكومات في عملية تصميم السياسات والاستراتيجيات الغذائية الحضرية. ستكون هذه الجهود أساسية لتحقيق أنظمة غذائية مستدامة وقادرة على الصمود، وأيضًا لتحسين حياة فقراء الحضر وحميتهم الغذائية وتغذيتهم وصحتهم.ة
ماري رويل هي مديرة شعبة الفقر والصحة والتغذية في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية. ساهم تريسي براون، محرر أول في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية وجيف ليروي زميل باحث أول في شعبة الفقر والصحة والتغذية في إعداد هذه التدوينة. ويتم تنفيذ هذا العمل كجزء من عمل برنامج المجموعة الاستراتيجية للبحوث الزراعية الدولية (الزراعة من أجل التغذية والصحة).ة
ظهرت هذه التدوينة لأول مرة في مدونة المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية.ة