June 19, 2019
رياض فؤاد سعده، مركز البحوث والدراسات الزراعية في لبنان
تم ترجمة هذه المدونة من اللغة الانجليزية إلى اللغة العربية، وهذا رابط المدونة الأصلية باللغة الانجليزية.ة
يعمد بعض رواد الأعمال إلى إدارة شؤون المشاريع التجارية الخاصة بهم دون إيلاء الاهتمام الواجب تجاه الأرقام المالية والمحاسبية المتعلقة بهم. ويعتد البعض الآخر بهذه الأرقام باعتبارها أدوات أساسية وضرورية في إنجاح عمليات الإدارة وتعزيز استدامتها. وينطبق هذا الوضع على المنشآت التجارية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة الحجم على حد سواء، ولكن يجدر أن يسري على الدولة على وجه التحديد.ة
أثناء اندلاع الحرب الأهلية في لبنان في غضون الفترة ما بين عام ١٩٧٥ وعام ١٩٩٠، اجتازت الدولة في "وضع البقاء الاقتصادي"؛ أي "طور النجاة من المنظور الاقتصادي"، دون الاكتراث بالإحصاءات سوى على نطاق ضيق. وخلال الحقبة التي أعقبت الحرب، تم الاستعانة بالعديد من الأرقام الإحصائية المُضلِلة التي افتقرت إلى إشارات مرجعية جادة.ة
وعلى الرغم من أن "الحسابات الوطنية اللبنانية" قد حظيت بدراسات جادة ومتعمقة، مع تحديثها في أعقاب الحرب من جانب الإدارة المركزية للإحصاء، يشير "مركز البحوث والدراسات الزراعية بلبنان" إلى محدودية عدد الجهات التي حرصت على الاستعانة بالأرقام الصادرة عن "الحسابات الوطنية اللبنانية" التابعة للإدارة المركزية للإحصاءات باعتبارها تُشكل قاعدة أساسية في الانطلاق نحو تصور وتطوير ورصد وتقييم النتائج المترتبة عن هذه المشروعات.ة
وبناء على ذلك، يتمثل السؤال الجوهري فيما يلي ... كيف يتسنى للسلطات اللبنانية والجهات المانحة الأجنبية إعداد خطط الإغاثة أو التنمية أو الأمرين معاً، سواء على المستوى العام أو المستوى القطاعي، في ظل غياب أرقام موثوق بها وتتسم بالمصداقية؟ وتتمثل الإجابة في تعذر إعداد مثل هذه الخطط، مع توفر البيانات في كثير من الأحيان خارج نطاق المؤسسات العامة.ة
ويسعنا الاستفادة من مقتطفات موجزة من تاريخ الإحصاءات الزراعية في لبنان – والتفاعل بين القطاع العام والشركة الخاصة التي تخضع لقيادتي الشخصية، والتي تتمثل على وجه التحديد في مركز البحوث والدراسات الزراعية في لبنان.ة
انتقلت الجهود الإحصائية التي انطلقت عام ١٩٤٢ في المجلس الأعلى المعني بالإمداد الغذائي إلى الجيوش المتحدة والسكان المدنيين في لبنان وسوريا بالوراثة إلى مركز البحوث والدراسات الزراعية في لبنان، والذي تأسس من قبل فؤاد سعدة. واعتباراً من عام ١٩٥١، عمد مركز البحوث والدراسات الزراعية في لبنان إلى إصدار تقرير سنوي بشأن قطاع الإنتاج الزراعي اللبناني. وحتى عام ١٩٧٣، حرص هذا التقرير على اعتماد الأرقام الموثوق بها الصادرة عن وزارة الزراعة، مع إضافة لمسات من الواقعية المتراكمة لدى فؤاد سعدة في هذا المجال.ة
وقبل اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، خضعت الإحصاءات الزراعية لإدارة متميزة لا غبار عليها ولا تشوبها شائبة، على مستوى وزارة الزراعة، من قبل السيدين غوتييه وباز. ولقد حرصا على إصدار تقرير إحصائي زراعي بشكل سنوي. وتوقف هذا الإجراء في عام ١٩٧٣، وذلك لأسباب تظل مجهولة حتى الوقت الراهن. وتزامن هذا الوضع مع توقف الإدارة المركزية للإحصاء عن الاضطلاع بأنشطتها.ة
وفي غضون الفترة ما بين عام ١٩٧٣ وعام ١٩٨١، وفي ظل غياب أرقام رسمية ذات مصداقية، جرى إصدار تقارير سنوية من قبل مركز البحوث والدراسات الزراعية في لبنان، والخاضع لرئاستي في الوقت الحالي، بناء على تقديرات. وفي عام ١٩٨١، تم تصميم وإطلاق برنامج المعلومات الزراعية المستمرة بواسطة مركز البحوث والدراسات الزراعية في لبنان، حيث تمثل أول إصدار له في كتيب يحمل عنوان: "حقائق بشأن قطاع الزراعة في لبنان" (١٩٨١). وفي غضون الفترة ما بين عام ١٩٨١ وعام ٢٠٠١، اعتمدت السلطات اللبنانية والمنظمات الدولية الإحصاءات الصادرة عن مركز البحوث والدراسات الزراعية في لبنان.ة
وفي عام ١٩٧٧، وفي أعقاب أول عامين من اندلاع الحرب في لبنان، أجرت بعثة مشتركة بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي/ منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) دراسة بشأن إحياء وتطوير القطاع الزراعي اللبناني - ولكن مع تعذر تنفيذ التوصيات الصادرة فيها جراء استمرار الحرب لفترة زمنية إضافية دامت على مدار أثني عشر سنة. وفي غضون الفترة ما بين عام ١٩٨١ وعام ٢٠٠١، اعتمدت السلطات اللبنانية والمنظمات الدولية بشكل حصري الأرقام الإحصائية المرتبطة بقطاع الزارعة والصادرة عن مركز البحوث والدراسات الزراعية في لبنان.ة
واعتباراً من عام ٢٠٠١، استأنفت وزارة الزراعة إصدار الإحصاءات الزراعية، وهو الوضع الذي دفع جميع الأطراف على مستوى البلاد إلى استخدام مصدر البيانات المُشار إليه. وعلى الرغم من ذلك، تعتقد العديد من الأطراف القائمة على عمليات التشغيل والجهات المتخصصة العاملة في هذا المجال بعدم استقرار هذه الإحصاءات الرسمية، فضلاً عن عدم اكتمالها أو افتقارها إلى الصحة. ومنذ عام ٢٠٠١، حرص مركز البحوث والدراسات الزراعية في لبنان على التواصل مع جميع الأطراف القائمة على عمليات التشغيل في وزارة الزراعة، ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، والاتحاد الأوروبي، والبنك الدولي، وغيرها من المنظمات. ويشترك مركز البحوث والدراسات الزراعية في لبنان في إطلاق كافة المشاريع الإحصائية الرسمية. ونحرص طوال الوقت على الإشارة إلى الأخطاء الصارخة التي يتم رصدها، وهو ما يحظى بالاحترام والتقدير من منطلق الجهود التي نبذلها والكفاءة التي نُبديها، بينما لا يؤدي هذا الوضع في كثير من الأحيان إلى إجراء تغييرات في الأرقام الرسمية الصادرة.ة
وجرى توفير دعم خارجي على نطاق واسع. ففي عام ١٩٩٥، تم إطلاق مشروع التعداد الزراعي العالمي، والذي حظي بتمويل من قبل البنك الدولي، كما خضع للتنفيذ من جانب منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، في إطار الفترة الزمنية ما بين عام ١٩٩٦ وعام ٢٠٠٧. ولقد اشتمل المشروع على تنفيذ دراسات استقصائية ميدانية، وإجراء معالجات ميدانية (حتى عام ٢٠٠٠)، وإصدار التعداد السكاني لعام ١٩٩٨. وقد أدت مشروعات إضافية إلى إصدار تسع دراسات استقصائية سنوية معنية بقطاع الإنتاج (خلال عام ٢٠١٠)، مع استحداث نظام المعلومات الجغرافية في وزارة الزراعة، وإصدار أطلس زراعي (عام ٢٠٠٥)، فضلاً عن نشر دراسات أخرى خلال عام ٢٠٠٧. وقد تضمن ذلك إجراء دراسات متخصصة بشأن سلاسل القيمة فيما يخص: الزيتون، والحبوب الغذائية، والعنب، وما إلى ذلك. وعلى نحو يدعو للأسف، انقضي هذا الجهد في عام ٢٠١١ مع انتهاء الدعم المقدم من جانب منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو).ة
وفي عام ٢٠١٠، تم النظر في إطلاق مشروع "مرصد التنمية الزراعية". وفي ظل تمويل مُقدم من قبل الحكومة الإيطالية (توجيهات إرشادية بشأن الممارسات الجيدة/ منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)/ لبنان/ ٠٢٠/ المفوضية الأوروبية) [1]، تمثل الهدف من هذا المشروع في إتاحة كافة البيانات اللازمة التي تكفل سلامة إدارة القطاع الزراعي لدعم صانعي القرار. وقد امتد هذا المشروع على مدى فترة زمنية من عام ٢٠١٠ إلى عام ٢٠١٢. وتعذر إطلاق "مرصد التنمية الزراعية"، كما خلصت المفاوضات التي أُجريت مع الجهة المانحة إلى الاستفادة من الموارد المالية في إطلاق التعداد السكاني الزراعي الثاني (لعام ٢٠١٠)، في ظل إدارة منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو). وفي نهاية عام ٢٠١٢، مع ختام المرحلة التي شهدت الإخفاق في إطلاق "مرصد التنمية الزراعية"، تم نقل كافة البيانات من المشروع الخاضع لإدارة منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) إلى إدارة الإحصاءات التابعة إلى مديرية الدراسات في وزارة الزراعة. وفي عام ٢٠١٤، أطلقت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) مشروع "تعزيز وتحديث منظومة الإحصاءات الزراعية" (توجيهات إرشادية بشأن الممارسات الجيدة/ منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)/ لبنان/ ٠٢٣/ المفوضية الأوروبية) [2]، والذي جرى تنفيذه بواسطة وزارة الزراعة. وتم تمويل المشروع من قبل الاتحاد الأوروبي، على مدار فترة زمنية قوامها ثلاث سنوات، بين عام ٢٠١٤ إلى عام ٢٠١٧. وتمثل الهدف من هذا المشروع في: إعادة إصدار الدراسات الاستقصائية السنوية المعنية بقطاع الإنتاج الزراعي. وتم تقديم النتائج الأولية في يونيو/ حزيران ٢٠١٧، ولكن في انتظار إصدار النتائج النهائية (عن عام ٢٠١٥).ة
وفي مثل هذا المناخ، يواصل مركز البحوث والدراسات الزراعية في لبنان الاضطلاع بالأنشطة التي تم إطلاقها منذ ٧٦ سنة في عام ١٩٤٢، مع الاستمرار في الاعتماد على التواجد الكثيف في الميدان والحرص على تطوير النموذج الإحصائي المعتمد من جانبه بهدف الوصول إلى بيانات تتسم بمزيد من الدقة. ويسعدنا على نحو التدليل على فعالية علاقات الشراكة بين القطاعين العام والخاص والقائمة بين مركز البحوث والدراسات الزراعية في لبنان من جهة والإدارة المركزية للإحصاء من جهة أخرى، وذلك في سياق استخدام البيانات التي يتم تجميعها وتحليلها من قبل مركز البحوث والدراسات الزراعية في لبنان – مع الإقرار بها والاستفادة منها – في الوقت الراهن، واعتباراً من عام ٢٠١٣ – بشكل حصري من جانب الإدارة المركزية للإحصاء.
[1] رمز المشروع: (توجيهات إرشادية بشأن الممارسات الجيدة/ منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)/ لبنان/ ٠٢٠/ المفوضية الأوروبية). عنوان المشروع: المرصد الوطني اللبناني للتنمية الزراعية والريفية. تاريخ الإطلاق: عام ٢٠٠٩. تاريخ الانتهاء: ٢٠١٢. وضع البرنامج: نشط
[2] رمز المشروع: (توجيهات إرشادية بشأن الممارسات الجيدة/ منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)/ لبنان/ ٠٢٣/ المفوضية الأوروبية). عنوان المشروع: دعم وزارة الزراعة في تعزيز وتحديث نظام الإحصاءات الزراعية. تاريخ الإطلاق: ٠٣/٠٢/٢٠١٤. تاريخ الانتهاء: ١١/٠٦/٢٠١٩. وضع المشروع: جاري
أي آراء مذكورة في هذه المدونة هي آراء المؤلف (المؤلفين) ولا تعكس بالضرورة سياسات أو آراء المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية.ة