July 30, 2019
هيفاء فاهوم الكيلاني ، مؤسس ورئيس مجلس إدارة المنتدى العربي الدولي للمرأة
تم ترجمة هذه المدونة من اللغة الانجليزية إلى اللغة العربية، وهذا رابط المدونة الأصلية باللغة الانجليزية.ة
خلال شهر سبتمبر/ أيلول عام ٢٠١٨، وبصفتي مؤسس ورئيس المنتدى العربي الدولي للمرأة، شاركت في رئاسة مؤتمر "المرأة والمياه والشباب: وجهات نظر من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" والذي انعقد في عمّاالتابع للبنك الدولي. ولقد اشتملت قائمة الضيوف المتحدثينن في إطار من الشراكة مع مركز التكامل المتوسطي على خبراء متخصصين على مستوى عالمي متميز في مجالات الاستدامة، وإدارة الموارد المائية، ودعم وتعليم الجاليات اللاجئة، وتمكين المرأة والشباب من الجنسين، إلى جانب ممثلين عن القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية الرائدة، والمعاهد البحثية، بما في ذلك: البنك الدولي؛ والمصرف الأوروبي للتعمير والتنمية؛ ومنظمة العمل الدولية؛ ومنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة؛ وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي؛ واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)؛ وسلطة المياه الأردنية؛ وسلطة المياه الفلسطينية؛ وشبكة شباب البحر الأبيض المتوسط لشؤون المياه، ضمن جملة جهات أخرى.ه
حرص مؤتمر "المرأة والمياه والشباب" على إبراز طائفة من الشواغل العاجلة والملحة المتعلقة بقضايا الاستدامة، وندرة المياه وانعدام الأمن الغذائي، والمشاركة الاقتصادية بين النساء واضطلاع المرأة بأدوار قيادية، وأزمة اللاجئين واللاجئات، واستمرار التحدي الناجم عن البطالة بين الشباب من الجنسين في البلدان الواقعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد عمد كبار الخبراء وأبرز ممثلي المجتمعات التنموية على الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية إلى تحديد طائفة من القضايا الرئيسية ذات الصلة بمجالات البيئة وشؤون التشريع والتمكين، مع الشروع في صياغة استراتيجية واضحة تهدف إلى تمكين النساء والشباب عن طريق تعزيز قطاع الزراعة المستدامة. وسعياً إلى إحداث تأثير جلي في هذا السياق، تقتضي هذه الاستراتيجية إشراك صُناع السياسات ومؤسسات القطاع الخاص والمنظمات الإنمائية، إلى جانب الفئات الشبابية والنسائية على وجه التحديد، وذلك إقراراً بالأدوار الحيوية التي تنهض بها هاتان الفئتان في سبيل بلوغ أهداف الزراعة المستدامة، والتنمية الريفية، والأمن الغذائي والمائي على مستوى المنطقة.ه
ألقت حلقات النقاش الضوء على العلاقة القائمة بين الزراعة من جهة والتنمية الاقتصادية من جهة أخرى، والتي تستأثر بثلث الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفق الأبحاث التي أُجريت من جانب البنك الدولي. وبالإضافة إلى ذلك، عمد المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، في التقرير الصادر بعنوان "الزراعة والتحول الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" ، إلى تصنيف الزراعة باعتبارها قطاع استراتيجي فيما يتعلق بضمان التنمية الاقتصادية المستدامة "نظراً لما تنعم به من مقومات تكفل توفير فرص العمل (والمحافظة عليها)، وتنفيذ السياسات الزراعية بما يتجاوب مع الشواغل البيئية، وتحقيق الأمن الغذائي، والتخفيف من وطأة الفقر". وبالإضافة إلى ذلك، ووفق المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، "يمكن أن تُسهم السياسات المواتية والتي تنحاز إلى صالح القطاع الزراعي في تحفيز النمو الاقتصادي عن طريق إقامة روابط التآزر مع قطاعات أخرى في إطار الاقتصاد". وفضلاً عن ذلك، حرصت الجلسات النقاشية على إقامة روابط بين مسألة تمكين المرأة من جهة وقطاع النمو الاقتصادي من جهة أخرى، والذي يتعرض لضرر حاد في المنطقة جراء تدني معدل المشاركة الاقتصادية بين النساء على مستوى المنطقة برمتها، حيث ترزح النساء الريفيات تحت ثقل الأعباء المرتبطة بالمهام المنزلية وأنشطة الرعاية الأسرية دون تقاضي مقابل مادي إزاء ذلك، وحيث تنزع المرأة إلى الانضمام لقطاع الاقتصاد غير الرسمي مع انحسار فرص انضمامهن إلى قطاع العمل الرسمي أو مجال ريادة الأعمال الحرة.ه
حرص مؤتمر "المرأة والمياه والشباب" على إصدار تقرير شامل و توصيات وافية في ديسمبر/ كانون الأول عام ٢٠١٨، مع المطالبة بتحسين السياسات المعنية بإدارة المياه؛ وقياس مدى تكافؤ الفرص بين الجنسين في مجال الزراعة المستدامة؛ ودعم إجراء البحوث المتخصصة وتوفير البيانات غير المتاحة باللغة العربية؛ وإقامة روابط بين قطاع الصناعة من جهة وقطاع الزراعة من جهة أخرى بهدف تعزيز الابتكارات القائمة على الأبحاث المتعلقة بتقنيات وتكنولوجيات الزراعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبالإضافة إلى ذلك، دعت التوصيات إلى ضرورة تخصيص الاستثمارات في سبيل تعزيز علاقات الشراكة بين القطاعين العام والخاص؛ وتدعيم مشاريع الاستدامة والمؤسسات الاجتماعية الخاضعة لقيادات نسائية؛ وإذكاء الوعي العام بشأن مسألة ندرة المياه وغيرها من القضايا البيئية عن طريق المنظومة التعليمية؛ وإشراك الشباب من الجنسين والأسر/ العائلات في الجهود الرامية إلى الحفاظ على المياه؛ وتناول قضية التأثير الناجم عن نزوح اللاجئين واللاجئات على ندرة المياه و الأمن الغذائي، جنباً إلى جنب مع الشواغل الإقليمية المتعلقة بالهجرة، وإمكانية التنقل بين الوظائف، وحرية التحرك، والتي تتسبب في تقليص هامش الابتكار، وتقييد الأوساط الأكاديمية، والحد من القدرة على ريادة الأعمال الحرة في القطاع الزراعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والذي بلغ مرحلة مواتية تصلح لأغراض الاستثمار والابتكار.ه
تتردد أصداء المواضيع التي تم تناولها في إطار مؤتمر "المرأة والمياه والشباب" على مستوى شخصي عميق، حيث قضيت عام ٢٠١٧ بصفتي دارسة في برنامج زمالة في جامعة هارفارد لتمكيني من الانضمام الي مبادرة القيادة المتقدمة، إلى جانب تصميم مشروع معني بمؤسسات الاستدامة ، وذلك في إطار برنامج الزمالة، علماً بأنه تسنى لي بالفعل إطلاق هذا المشروع في إطار مرحلة استرشاديه في الأردن باعتباره حل ابتكاري للتجاوب مع التحديات الرئيسية المرتبطة بقضايا الأمن الغذائي والمائي في العالم العربي، بعنوان "حراثة أرض جديدة: الزراعة المستدامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا". ويسعى المشروع إلى تقديم نموذج جديد يتعلق بمجال الزراعة المستدامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالإضافة إلى إدخال تكنولوجيات جديدة وتقنيات معنية بتوفير المياه في القطاع الزراعي، وذلك بهدف تعزيز الأمن الغذائي، والحفاظ على الموارد المائية الشحيحة، وتوفير فرص عمل لصالح المجتمعات المحلية. ومن المقرر التوسع في المشروع وتكرار تنفيذه عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في غضون السنوات المقبلة.ه
وبالنسبة لنا جميعاً، بصفتنا ننتمي إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يرتبط النمو الاقتصادي والأمن بشكل جوهري بقضايا الأمن الانساني والازدهار والتماسك على المستوى الاجتماعي. ويتطلب العالم العربي توفير اقتصاد ريفي ينعم بالازدهار في مجابهة التحديات الناجمة عن قضايا بطالة الشباب من الجنسين، وانعدام الأمن الغذائي، وندرة المياه، وتدني مستوى تمثيل المرأة في قطاع الاقتصاد، فضلاً عن التخفيف من وطأة الجوع وخفض معدل الفقر. وعلى مستوى المنطقة، نحن في احتياج إلى تأهيل قيادات في مجال النشاط التجاري، وريادة الأعمال الحرة، والمؤسسات الاجتماعية، على نحو يكفل اكتشاف واستحداث وابتكار حلول تتجاوب مع أبرز التحديات الإنمائية التي تتعرض لها المنطقة، ولاسيما قضايا الأمن الغذائي والمائي.ه
وتتوفر لدينا المحافل اللازمة التي تكفل لنا إدارة الدفة نحو مستقبل يتميز بالازدهار وينعم بالسلام في المنطقة العربية؛ بالإضافة إلى المُضي قُدماً في المسار نحو تحديد وصياغة وتعزيز حلول فعالة وقابلة للاستدامة وطويلة الأمد؛ وتحفيز بعضنا البعض في سياق البحوث التي نعكف على إجرائها، والمساعي الخيرية التي نضطلع بها، والحياة العملية التي ننخرط فيها؛ وتعزيز التعاون والابتكار عبر الحدود وفيما بين الثقافات؛ مع الاهتمام بتقديم وجهات نظر النساء والشباب من الفئات المتضررة جراء تحديات المياه، وانعدام الأمن الغذائي، واندلاع الصراع المسلح، ونزوح اللاجئين واللاجئات، وتضاؤل الفرص الاقتصادية، وطرحها في الحوار الدائر في هذا الصدد. ويتوقف استقرار المنطقة وازدهارها وتماسكها في المستقبل على هذا التوجه.ه