دعوة إلى اعتماد إجراءات قائمة على دلائل وتتميز بطابع الاستدامة في سبيل الارتقاء بوضع التغذية في مصر
١٧ سبتمبر ٢٠١٩
علا علي – متدرب داخلي، المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، في مكتب مصر
حبيبة حسن واصف – باحث في السياسات العامة المعنية بالصحة والتغذية في سياق التنمية المستدامة، مركز البحوث الوطني
سحر زغلول - نائب رئيس، اللجنة التغذية الوطنية
كليمنس بريسينجر – رئيس البرنامج المصري، المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية
تم ترجمة هذه المدونة من اللغة الانجليزية إلى اللغة العربية، وهذا رابط المدونة الأصلية باللغة الانجليزية.ة
الأسباب الكامنة وراء الاهتمام بمسألة التغذية: تحتل قضية التغذية أولوية متقدمة بالنسبة إلى العديد من الحكومات والشعوب في شتى بقاع العالم – بما في ذلك مصر – وذلك على سبيل الإقرار بضرورة القضاء على سوء التغذية في شتى الأشكال والصور، على نحو يُسهم في تحفيز المسار نحو تحسين النتائج التي يتم إحرازها عبر أهداف التنمية المستدامة. وتُشير الأبحاث إلى تسبب سوء التغذية في تقليص القدرة الإنتاجية فضلاً عن إحداث تأثير سلبي على النواتج القائمة على مستوى قطاع الصحة، وهو ما يُفضي إلى انخفاض معدل النمو الاقتصادي وتفاقم التكاليف الناجمة عن توفير الرعاية الصحية على مستوى القطاعين العام والخاص على حد سواء (The Lancet). وتندرج مصر ضمن قائمة البلدان التي تعاني من تفاقم "العبء المزدوج الناجم عن سوء التغذية"؛ أي اقتران نقص التغذية من جهة مع زيادة الوزن أو السمنة أو الأمرين معاً من جهة أخرى. ويتعرض ما يربو على خُمس الأطفال في الفئة العمرية دون الخامسة من ظاهرة التقزم (أي فرط قصر القامة مقارنة بالمرحلة العمرية)، بينما تعاني نسبة خمسة عشر في المائة (١٥٪) من الأطفال وما يفوق نصف النساء من زيادة الوزن أو السمنة. ولا تقتصر ظاهرة سوء التغذية فقط على الأسر المعيشية التي ترزح تحت وطأة الفقر، ولا تنحصر أيضاً في بعض المناطق الجغرافية المعينة، وإنما تتفشى بمعدلات متساوية بين الأسر المعيشية الفقيرة والثرية على حد سواء، وكذلك عبر المناطق الريفية والحضرية، وأيضاً في مصر العليا ومصر السفلى (المسح الديمغرافي والصحي لعام ٢٠١٤). ه
مبادرة ١٠٠ مليون صحة: في إطار عدد من المبادرات والإجراءات الرامية إلى النهوض بوضع الصحة والتغذية في مصر، حرص الرئيس السيسي على إطلاق "مبادرة ١٠٠ مليون صحة" والتي تخضع لقيادة وزارة الصحة والسكان وتهدف إلى النهوض بمستوى الوعي لدى الشعب المصري بشأن ضرورة الاهتمام بالوضع الصحي والعناية بالتغذية السليمة، مع تمكين صُناع القرار المعنيين من التعرف على معدل تفشي عدوى التهاب الكبد الوبائي وكذلك الوقوف على مدى انتشار النظام الغذائي المستهدف وتحديد أنماط الحياة التي تُفضي إلى الإصابة بأمراض مزمنة غير معدية. ه
الجهود التي تم بذلها حتى الوقت الراهن في مصر: تحت عنوان "١٠٠ مليون صحة: دروس مستفادة وإجراءات لازمة نحو النهوض بوضع التغذية في مصر"، جمعت الندوة العلمية الثالثة (٣) ممثلين عن القطاعات والمؤسسات المعنية بتنفيذ برامج تُسهم في تحسين وضع التغذية. ه[1] ه
تتمثل الجهة الفاعلة الرئيسية في المعهد الوطني للتغذية والذي يضطلع بمسؤولية دعم حملة "١٠٠ مليون صحة" عن طريق توفير الدورات التدريبية لصالح الأفراد المعنيين بإجراء فحص طبي يستهدف أطفال المدارس لرصد حالات الإصابة بفقر الدم (الأنيميا) وظاهرة التقزم وقضية السمنة. ويعنى المعهد الوطني للتغذية بمتابعة الوضع التغذوي بين السكان مع توفير استشارات صحية في مجال التغذية بالإضافة إلى تعزيز الرعاية الغذائية لصالح كافة الفئات العمرية. وعلاوة على الدور المناط بها من حيث تعزيز النظم الغذائية القائمة على مراعاة المنظور التغذوي، تعنى "وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي" بإدارة برنامج طويل الأجل يستهدف الأمهات الريفيات وأطفالهن بغرض الارتقاء بنوعية الوجبات الأسرية وتحسين مستوى سلامتها بما يصب في تعزيز العادات الغذائية الصحية مع التركيز على ممارسات تغذية الرضع والأطفال. وبالإضافة إلى ما سبق، تعنى وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي بتوريد وجبات غذائية خفيفة في إطار برنامج التغذية المدرسية المدعوم من قبل الحكومة. ويهدف برنامج البحث والتطوير الجاريين إلى زيادة معدل استهلاك ثمار التمر من قبل الأطفال، وذلك على سبيل الإقرار بالقيمة الغذائية الكامنة فيها. وتواصل وزارة التموين والتجارة الداخلية بذل المساعي من أجل الارتقاء بمستوى الجودة الغذائية في إطار تحسين آليات استهداف برنامج الدعم الغذائي مع التركيز على اعتدال تكاليف الإمدادات الغذائية، وتثقيف المستهلك بشأن أهمية الاطلاع على تواريخ انتهاء صلاحية المواد الغذائية والتعرف على مكونات المواد الغذائية التي يتم استهلاكها. وقد تمت البرهنة على فاعلية برنامج تكافل وكرامة للتحويلات النقدية الذي تم إطلاقه من جانب وزارة التضامن الاجتماعي من حيث المساهمة في زيادة دخل الأسرة، حيث أدت التحويلات النقدية إلى زيادة معدل استهلاك الفاكهة واللحوم والدواجن. وتحرص وزارة التربية والتعليم على توفير وجبات رئيسية ووجبات خفيفة على مستوى المدارس في إطار البرنامج الوطني للتغذية المدرسية، فضلاً عن إتاحة فرص التثقيف الصحي والتغذوي لصالح الأمهات وطلاب وطالبات المدارس، وتنظيم دورات تدريبية بشأن مسألة التغذية السليمة لصالح أفراد هيئات التدريس والتوجيه. وتوفر غرفة الصناعات الغذائية المنبر العلمي لتيسير الربط بين قطاع البحث العلمي من جهة مع صناعة المواد الغذائية من جهة أخرى، بالإضافة إلى دعم مساهمة الصناعة في برنامج التغذية المدرسية. وتهدف الحملة التي تم إطلاقها من جانب غرفة الصناعات الغذائية تحت عنوان "صحتك في العلبة دي" إلى القضاء على التلوث الميكروبي في الألبان عن طريق اتباع أساليب التغليف الآمن. وتضطلع اللجان الفنية المتخصصة التابعة للهيئة المصرية العامة للمواصفات والجودة بمسؤولية إعداد معايير الجودة والسلامة ووضع مواصفات المواد الغذائية. وفضلاً عن وضع المعايير المصرية المعنية بالمواد الغذائية في إطار برنامج التغذية المدرسية، تختص الهيئة المصرية العامة للمواصفات والجودة بإقرار المعايير المتعلقة بالمواد الغذائية ذات أغراض التغذية الخاصة، ولاسيما المواد الغذائية المخصصة لأغراض التغذية التكميلية لصالح الأطفال الرضع والأطفال الصغار. وتتمثل إحدى المبادرات الحديثة التي تم إطلاقها من قبل الهيئة المصرية العامة للمواصفات والجودة في إطلاق حزمة "المبادئ الإرشادية لدعم المستهلكين من الشباب". ه
ما هي الإجراءات المقترحة بشأن دعم مبادرة ١٠٠ مليون صحة: استناداً إلى البيانات والابحاث القائمة، وبناء على منظور الخبراء وصناع السياسات المشاركين في الندوات العلمية التي جرى تنظيمها في إطار من الشراكة بين المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية ولجنة التغذية الوطنية، يوصى باتخاذ الإجراءات الوارد ذكرها فيما يلي:ه
تعزيز تجاوب السياسات مع قضية التغذية. تتمثل بعض الأمثلة ذات الصلة في إصلاح نُظم دعم الغذاء دون التركيز على المواد المتخمة بالسعرات الحرارية (من قبيل الخبز، والسكر، والزيوت النباتية، وما إلى ذلك) والتحول نحو توفير خيارات صحية أمام الفئات المستهدفة، بما في ذلك على سبيل المثال الخضروات والفاكهة ومنتجات الألبان. وينبغي استعراض السياسات الزراعية، من قبيل السياسات المعنية بدعم الأسمدة، ومراجعة أولويات البحوث الزراعية، بما يكفل إيلاء المزيد من الاهتمام بالمواد الغذائية الصحية عوضاً عن الاكتفاء بالتركيز على الحبوب الزراعية.ه
مواصلة إطلاق حملات التوعية الجارية والاستمرار في توسيع نطاقها. يتمثل أحد أبرز التدابير الهامة في تثقيف المستهلك عن طريق الاستعانة بالقنوات التقليدية وكذلك الإبداعية الابتكارية، بهدف نشر المعارف الغذائية بين كافة الشرائح السكانية. ويتسنى للمجتمع المدني تدعيم الجهود التي تبذلها الحكومة في النهوض بمستوى الوعي بشأن قضية التغذية. وقد تم عرض مثال توضيحي يتناول مؤسسة الرقابة على الأغذية (Food Watch)، وهي بمثابة منظمة غير حكومية يقع مقرها في أوروبا، والتي تعكس قصة نجاح يمكن تطويعها في مصر وأيضاً في بلدان أخرى واقعة في المنطقة.ه
تحفيز القطاع الخاص على انتاج وتسويق مواد غذائية صحية تتسم باعتدال تكلفتها. علاوة على تثقيف فئات المستهلكين، ينبغي دعم إشراك جهات الانتاج في تسويق وإنتاج الأغذية على نحو يتصف بمزيد من المسؤولية، على سبيل المثال عن طريق تعزيز مبادرات المسؤولية الاجتماعية وبرامج الحوافز.ه
تعزيز إجراء البحوث في مجال التغذية بهدف تعزيز كفاءة وفعالية السياسات المتعلقة بقضية التغذية. زيادة عمليات جمع البيانات وتبادلها وإتاحة إمكانية الاطلاع عليها بين الوزارات والمعاهد البحثية و الأطراف المعنية الأخرى. وتثقيف وتحفيز المزيد من الخبراء المتخصصين في مجال التغذية بهدف دعم تنفيذ جدول الأعمال المتعلقة بقضية التغذية على كافة الأصعدة. ه
تعزيز منظومة التغذية الوطنية وتدعيم آليات إدارتها. (المرجع: تقرير تحليل المشهد القائم في مصر، عام ٢٠١٢) يتسبب التفتت القائم ضمن منظومة التغذية في تشتيت المسؤولية، وهو ما يؤدي إلى غياب كيان واحد محدد يضطلع بمسؤولية إدارة كافة الأطراف المعنية وتنسيق تدخلات الجهات التنفيذية الشريكة. وتؤيد الأمثلة الناجحة القائمة على مستوى بلدان أخرى ضرورة إنشاء لجنة تنسيقية فوق وزارية تعنى بشؤون الأمن الغذائي والتغذوي في مصر لتعمل بالترادف مع لجنة التغذية الوطنية التي تتميز بفاعلية الأداء.ه
ويطرح الزخم السياسي الراهن بشأن الأمراض غير المعدية الناجمة عن قضية التغذية والذي يتجلى في مبادرة ١٠٠ مليون صحة التي تم إطلاقها من قبل رئيس الجمهورية فرصة متميزة تكفل التصدي لمسألة العبء المزدوج الناجم عن سوء التغذية في مصر. ولا يجدر إهدار هذه الفرصة، وقد حان الوقت الآن للتصرف واتخاذ الإجراءات اللازمة. ه
[1] وسعياً إلى توفير دلائل علمية لدعم مبادرة ١٠٠ مليون صحة، عمد المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، بالتعاون مع لجنة التغذية الوطنية (التابعة لأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا)، إلى تنظيم ثلاث (٣) ندوات علمية في إطار سلسلة ندوات يجري تنظيمها من قبل المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية في مصر. وتُعد سلسلة الندوات العلمية التي يجري تنظيمها من قبل المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية بمثابة جزء من مشروع "تقييم التأثير وبناء القدرات" الممول من قبل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، والجاري تنفيذه بواسطة المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية. وفضلاً عن إنشاء خط الأساس الأولي المتعلق بوضع التغذية في إطار الندوة الأولى (١) والندوة الثانية (٢)، حرصت الندوة العلمية الثالثة (٣) على تحديد العديد من القوى الدافعة الرئيسية الكامنة وراء ظاهرة سوء التغذية، مع طرح أمثلة تتعلق بالمساهمات من قبل عدد من القطاعات الرئيسية الرامية إلى تحقيق أهداف التغذية الوطنية. ه