٥ نوفمبر ٢٠١٩
د. ماري لومي - زميل باحث أول، أكاديمية الإمارات الدبلوماسية ومركز التميز لأهداف التميز التنمية المستدامة للمنطقة العربية
تم ترجمة هذه المدونة من اللغة الانجليزية إلى اللغة العربية، وهذا رابط المدونة الأصلية باللغة الانجليزية.ة
تتصدر المنطقة العربية التي تضم اثنين وعشرين (٢٢) دولة على الأرجح قائمة أبرز المناطق المتنوعة على مستوى العالم وفق قياس أي مؤشر من المؤشرات الاجتماعية الاقتصادية. وتضم المجموعة ستة (٦) من البلدان الأقل نمواً، حيث ينخفض فيها نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي عن ألف دولار أمريكي، فضلاً عن البلدان الست (٦) الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، والتي يتم تصنيفها ضمن فئة البلدان ذات الدخل المرتفع. هذا و يبلغ تعداد سكان جزر القمر -أصغر دولة عربية -، ما يربو بمعدل طفيف على ثمانمائة ألف (٨٠٠,٠٠٠) نسمة، بينما يشارف تعداد سكان مصر على المائة مليون (١٠٠,٠٠٠,٠٠٠) نسمة. ه
وفي ذات الوقت، تتقاسم البلدان العربية العديد من القواسم المشتركة، بما في ذلك اللغة، والديانة، والموقع الجغرافي، والتاريخ. وعلى الرغم من تضرر كافة هذه البلدان جراء الخوض في صراعات واضطرابات سياسية متماثلة، تشكلت علاقات التضافر والتآزر التي تنطوي على منافع متبادلة وفوائد مشتركة عبر كافة أنحاء المنطقة، وهو ما يُعزى إلى حركة الهجرة، والتحويلات المالية، ومبادرات التمويل الإنمائي. ويتمثل قاسم مشترك أخر في التزام كافة البلدان الواقعة في المنطقة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر (١٧) التي أقرتها الأمم المتحدة في غضون فترة زمنية تتجاوز بقليل عقد من الزمان. إذن، كيف تجري الأمور معها وما هي أحوالها في هذا الصدد؟
وعند إجراء مقارنة على الصعيد العالمي، تواصل العديد من البلدان العربية إحراز تقدمِ مُرضِ بشأن عدد من أهداف التنمية المستدامة، حيث تمكنت الغالبية العظمى منها من القضاء على الفقر المدقع (الهدف الأول (١) من أهداف التنمية المستدامة) كما تتمتع أكثريتها بالقدرة على توفير مصادر الطاقة الحديثة لصالح الجميع (الهدف السابع (٧) من أهداف التنمية المستدامة). وفي ذات الوقت، يواصل العديد النضال في سبيل بلوغ المرامي الأساسية ذات الأولوية والواردة ضمن أهداف التنمية المستدامة، مثل توفير الأطعمة الغذائية (الهدف الثاني (٢) من أهداف التنمية المستدامة) وإتاحة المياه الآمنة والصالحة للشرب (الهدف السادس (٦) من أهداف التنمية المستدامة) للجميع. و بالرغم من ذلك، وحتى على نطاق البلدان ذات الأداء المتميز في هذا السياق، لايزال الوضع يستدعي بذل جهود هائلة في سبيل تحقيق طائفة من المهام الفارقة، مثل التحول نحو أنماط الاستهلاك المسؤول (الهدف الثاني عشر (١٢) من أهداف التنمية المستدامة)، والارتقاء بالأداء البيئي (الهدف الثالث عشر (١٣) والهدف الرابع عشر (١٤) والهدف الخامس عشر (١٥) من أهداف التنمية المستدامة) وتحقيق المساواة بين الجنسين والمساواة في الدخول من منظور النوع الاجتماعي (الهدف الخامس (٥) والهدف العاشر (١٠) من أهداف التنمية المستدامة).ه
إن تدارس أهداف التنمية المستدامة والسعي إلى بلوغها في السياق الإقليمي يُشكل أهمية حاسمة وراء نجاح جدول أعمال الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام ٢٠٣٠، حيث اتفقت البلدان على متابعة واستعراض التقدم المُحرز بشأن أهداف التنمية المستدامة على الأصعدة الوطنية والإقليمية والعالمية. وتضطلع الحكومات بالمسؤولية تجاه توفير البيانات اللازمة لتتبع التقدم المُحرز، و لكن في كثير من الأحيان لا تكون متاحة بعد. وفي ذات الوقت، لا يسع العالم الانتظار ريثما يتم توفير كافة البيانات اللازمة، ومن هذا المنطلق شرع الخبراء في إيجاد السُبل الكفيلة بتوفير أفضل البيانات المتاحة الممكنة، مع الاسترشاد بطائفة متنوعة من المؤشرات الدولية عالية الجودة.ه
مؤشر أهداف التنمية المستدامة على نطاق المنطقة العربية
عمدت شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة اعتباراً من عام ٢٠١٦ إلى إصدار مؤشرات سنوية بهدف تتبع التقدم المحرز من قبل كافة البلدان في شتى بقاع العالم بشأن أهداف التنمية المستدامة (يمكن الاطلاع عليها عبر الموقع التالي sdgindex.org). و تُسهم هذه المؤشرات العالمية في استيضاح مدى اقتراب المجتمع العالمي من استكمال بلوغ أهداف التنمية المستدامة بالإضافة إلى إبراز المجالات التي يشتد فيها الاحتياج إلى إيلاء اهتمام خاص. وفضلاً عن ذلك، تصلح هذه المؤشرات في رصد الفجوات القائمة في البيانات، والتي تنشأ في المعتاد جراء تدني القدرات الإحصائية، وهو ما يشكل أحد التحديات الرئيسية التي تتعرض لها البلدان الفقيرة على وجه الخصوص.ه
وفي المقابل، قد لا تنطوي المقارنات العالمية على مؤشرات فعالة أو ملائمة تصلح لقياس مدى الإيفاء بأهداف التنمية المستدامة في منطقة معينة – على سبيل المثال ، لا يقيس المؤشر العالمي لأهداف التنمية المستدامة التأثير الناجم عن العنف أو الصراع على جهود إحلال السلام ، وإرساء ركائز العدالة، وإنشاء مؤسسات راسخة (الهدف السادس عشر (١٦) من أهداف التنمية المستدامة) ، أو كثافة استهلاك الطاقة في قطاع النشاط الاقتصادي (الهدف السابع (٧) من أهداف التنمية المستدامة) على الصعيد إقليمي. و بالإضافة إلى ذلك ،لا تُفسح هذه النوعية من المؤشرات المجال أمام إمكانية توسيع نطاق تغطية البيانات لتشمل فئات البلدان التي تعاني من تدني معدل توفر البيانات بشأن مؤشر محدد – ويصلح معامل "جيني" المعني بقياس معدل توزيع الدخل (الهدف العاشر (١٠) من أهداف التنمية المستدامة) كمثال يُحتذى به في للمنطقة العربية.ه
ومن هذا المنطلق، يحرص مركز التميز لأهداف التنمية المستدامة في المنطقة العربية، و الذي يقع مقره في أكاديمية الإمارات الدبلوماسية في أبو ظبي، على التعاون مع شبكة حلول التنمية المستدامة بهدف تصميم مؤشر إقليمي لأهداف التنمية المستدامة بهدف دعم واضعي السياسات على مستوى المنطقة وغيرهم من الأطراف المعنية بأهداف التنمية المستدامة عن طريق تحسين نطاق تغطية البيانات وتوفير سُبل مواتية بالنسبة إلى المنطقة تصلح لقياس التقدم المُحرز.ه
وسوف يسعى التقرير الذي يتناول مؤشر أهداف التنمية المستدامة بالمنطقة العربية لعام ٢٠١٩، والمقرر إصداره في نهاية العام، إلى الوقوف على التحديات المشتركة عبر الاثنين وعشرين (٢٢) دولة – من قبيل تلك التحديات التي تتأصل جذورها في الاضطرابات الإقليمية، على سبيل المثال. وبالإضافة إلى ذلك، يهدف التقرير إلى رصد الفجوات القائمة في البيانات وتسليط الضوء على كل من الفروق الجوهرية والفجوات الرئيسية على مستوى تحقيق أهداف التنمية المستدامة بين بلدان المنطقة – ومن المرجح أن ترد القضايا المتعلقة بتوفير فرص العمل والنمو الاقتصادي ضمن هذه القائمة.ه
تسخير الخبرات الإقليمية المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة في دعم عملية التنفيذ
شكلت المدخلات التي جرى توفيرها من قبل خبراء من سائر أرجاء المنطقة أحد الدعائم الرئيسية في عملية إعداد مؤشر إقليمي لأهداف التنمية المستدامة. وفي مايو عام ٢٠١٩، عقد مركز التميز لأهداف التنمية المستدامة في المنطقة العربية مشاورات متخصصة عامة من أجل الحصول على اقتراحات بشأن مؤشرات أهداف التنمية المستدامة التي من شأنها تقديم تصور أكثر اكتمالا بشأن التقدم المُحرز والتحديات الماثلة على الطريق نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ولاسيما في البلدان العربية. وساهم المؤشر العالمي لأهداف التنمية المستدامة في توفير أساس انطلاق جيد للوفاء بهذا الغرض، ولكن مع الإقرار بتعرض المنطقة لعدد من القضايا الهامة أو الشائكة التي لا تخضع للقياس في الوقت الحالي في إطار المؤشر العالمي، بما في ذلك على سبيل المثال الدعم المقدم لقطاع الوقود الأحفوري، ونسبة الدخل حسب نوع الجنس، أو الوفيات الناجمة عن الصراعات.ه
وتعرضت عملية إيجاد مؤشرات جديدة تحظى بتغطية واسعة ووافية وتصلح لبلدان المنطقة (سبعة عشر (١٧) دولة كحد أدنى) لعدد من التحديات: ثمة ثغرات واسعة فيما يخص مدى توافر البيانات في مجموعات البيانات الدولية، كما أن هناك ندرة في مجموعات البيانات أو قواعد البيانات على النطاق الإقليمي والتي تحتوي على بيانات ذات صلة بأهداف التنمية المستدامة. وبالإضافة إلى ذلك، قد يصعب قياس أهداف إجمالية من أهداف التنمية المستدامة، نظراً لتدني معدل توفر البيانات – ويتصدر الهدف العاشر (١٠) من أهداف التنمية المستدامة والمتعلق بالحد من عدم المساواة قائمة الأهداف الحافلة بالتحديات.ه
عن طريق تنظيم المشاورات المتخصصة العامة، تلقينا ما يربو على مئتي (٢٠٠) تعليق فردي من قبل عدد يتجاوز ثلاثين (٣٠) خبير متخصص. ولقد ساهم الخبراء، ضمن جملة أمور أخرى، في تحديد مصادر بيانات جديدة ومؤشرات تتمتع بتغطية واسعة تكفل جمع بيانات وافية، بالإضافة إلى استكشاف سُبل جديدة لقياس اهداف التنمية المستدامة. وحرصنا أيضاً على إجراء جولة ثانية من المشاورات المتخصصة والتي عمدنا خلالها إلى إقرار الحدود الدُنيا فيما يخص أدوات متابعة أهداف التنمية المستدامة التي نعتمدها: حيث يحصل كل بلد على إشارة ضوئية بناء على أوان إشارات المرور تعكس مستوى الأداء بشأن كل مؤشر وأيضاً بشأن كل هدف من أهداف التنمية المستدامة. وعلى سبيل المثال، قد يحصل بلد معين على اللون الأخضر فيما يخص مكافحة نقص التغذية (وهو ما يُعد بمثابة مكون رئيسي ضمن الهدف الثاني (٢) من أهداف التنمية المستدامة والمتعلق بالقضاء على الجوع) بينما قد يحصل في ذات الوقت على اللون الأحمر بالعلاقة بالهدف الثاني (٢) بشكل إجمالي بسبب ارتفاع مستويات السمنة أو شيوع الممارسات الزراعية غير المستدامة التي تتجلى في عدم كفاءة استخدام النيتروجين وعدم فعالية استغلال الأراضي. ويعتمد مؤشر المنطقة العربية على نفس المنهجية المتبعة في كافة مؤشرات أهداف التنمية المستدامة التي تم إعدادها بواسطة شبكة حلول التنمية المستدامة بالتعاون مع أطراف شريكة لها. وتوضح الأشكال المُبينة أدناه المنهجية المعنية بتقييم الاتجاهات – وهو ما يُعد بمثابة مكون أخر يُستخدم في قياس مدى تحقيق أهداف التنمية المستدامة.ه
نموذج الأسهم الأربع لرصد اتجاهات تحقيق أهداف التنمية المستدامة
الرجاء الاطلاع على المرجع التالي بشأن "تقرير التنمية المستدامة لعام ٢٠١٩":ه
Sachs, J., Schmidt-Traub, G., Kroll,C., Lafortune, G., Fuller, G. (2019): Sustainable Development Report 2019. New York: Bertelsmann Stiftung and Sustainable Development Solutions Network (SDSN)
تمثيل بياني يعكس منهجية رصد اتجاهات أهداف التنمية المستدامة
الرجاء الاطلاع على المرجع التالي بشأن "تقرير التنمية المستدامة لعام ٢٠١٩":ه
Sachs, J., Schmidt-Traub, G., Kroll,C., Lafortune, G., Fuller, G. (2019): Sustainable Development Report 2019. New York: Bertelsmann Stiftung and Sustainable Development Solutions Network (SDSN)
تعكس عملية إعداد أول مؤشر لأهداف التنمية المستدامة في المنطقة العربية الإمكانات التي تزخر بها شبكة حلول التنمية المستدامة في حشد المعارف المتعلقة بمواضيع محددة وتحويلها إلى أدوات فعالة لدعم واضعي السياسات والأطراف المعنية بالسياسات العامة على حد سواء. ويكمن هذا السبب وراء إنشاء مركز التميز لأهداف التنمية المستدامة في المنطقة العربية: للاضطلاع بدور محوري في التقريب بين مجتمعات الخبراء التي تعاني في كثير من الأحيان من التفتت والتشتت من مختلف البلدان العربية من أجل تقاسم المعارف وإجراء البحوث في مجال السياسات. ويشكل مؤشر أهداف التنمية المستدامة خطوة صغيرة على هذا المسار، ولكننا نأمل أن يُسهم هذا المركز في تحفيز المناقشات بين الحكومات والخبراء، جنباً إلى جنب مع الأطراف المعنية الأخرى، من قبيل الشركات التجارية والمنظمات غير الحكومية، بشأن مقتضيات تحقيق أهداف التنمية المستدامة في كل دولة عربية، وهو ما يؤدي بالتبعية إلى دعم تنفيذ جدول أعمال عام ٢٠٣٠ في شتى أنحاء المنطقة.ه
.iهللمزيد من المعلومات بشأن مؤشر أهداف التنمية المستدامة، ومنهجية أدوات المتابعة، والتقارير السابق إصدارها، الرجاء الاطلاع على:ه
تم نشر مؤشرات أهداف التنمية المستدامة السابقة، ضمن جملة إصدارات أخرى، على نطاق العالم (اعتباراً من عام ٢٠١٦)، وعلى نطاق أفريقيا (اعتباراً من عام ٢٠١٨)، وعلى نطاق المدن والولايات الأمريكية (اعتباراً من عام ٢٠١٧ ومن عام ٢٠١٨، على التوالي)، وعلى نطاق المدن الأوروبية (اعتباراً من عام ٢٠١٩).ه
صدرت أول نسخة سابقة من هذا المقال على موقع:ه
" The Sustainabilist"